موافقتك علي إعدام طارق عزيز، وسعدون شاكر، وعبد حميد حمود سيلحق بالعراق الذي بدأ يتعافي من جراحه ضررا مزدوجا سياسيا وأخلاقيا : سياسيا. سيصبّ الملح علي جرح غائر ما زال مفتوحا، هو قتال وقتل نصف العراق لنصفه الآخر الذي هو أحد أهمّ العوامل التي يتغذّي منها الإرهاب. أخلاقيا. سيكون ذلك صفعة لحساسية الرأي العام العالمي الذي غدا يعتبر الإعدام جريمة قتل تنفّذها دولة بدم بارد في فرد لا حول له ولا طَول. منذ ربع قرن وقّعتُ علي إلغاء عقوبة الإعدام في العالم. كما وقعتَ أنت أيضا عليها لأنّها عقاب همجي انتقامي تمارسه دولة يفترض فيها أن تكون مؤسسة عقلانية أبعد ما تكون عن ردود الفعل الإنفعالية الملازمة للأشخاص الفاقدين لتوازنهم النفسي وأحيانا العقلي. إعدام صدّام والطريقة الوحشية التي نُفّذ بها، وفي يوم عيد هو، عند المتحضّرين، رمز للغفران المتبادل، جعلني، أنا خصمه اللّدود منذ 36 عاما، أتعاطف معه لأنّه مات بكرامة بقدر ما تحلّي شانقوه بكلّ سادية ونذالة "إلي الجحيم، إلي الجحيم" تنفيذا، علي الأرجح، لفتوي علي خامنئي. مواصلة مسرحية الإعدام الكئيبة ستعني، في عراق ما بعد صدّام، أن نظام صدّام وحامورابي وزياد بن أبيه والحجّاج وجميع الطغاة الذين حكموا العراق بالسّيف والمشنقة ما زال، للأسف، بألف خير. جدير بجلال طالباني، سليل الأمّة الكردية المُعذَّبة، ألا يكون حفيدا روحيا لهؤلاء الطغاة. جدير به أن يدشّن القطيعة الرمزية مع هذا العراق الذي ينُزّ الدم من كلّ مسامّ جلده. جدير به أن لا يقارن نفسه بهمجية عدوّه. جدير به أن يتعالي علي الانتقام الجبان من عدوّ مهزوم ومكبّل بالأغلال. جدير به أن يكون أوّل من يبادر إلي إعادة برمجة أدمغة العراقيين وجيرانهم الأقربين والأبعدين باحترام الحقّ في الحياة حتي لكبار المجرمين. جدير به أن يحترم توقيعه بإلغاء عقوبة الإعدام. جدير به أن لا يوقّع تنفيذ حكم الإعدام في طارق عزيز، وسعدون شاكر، وعبد حميد حمود.