الخطوة التالية بانفصال جنوب السودان عن شماله، تبدأ اليوم صفحة جديدة، في تاريخ السودان، والقارة الأفريقية والإقليم، لا يجدي معها الاكتفاء بإلقاء اللوم علي هذا المصير علي الدور الخارجي أمريكيا كان أم أوروبيا أم إسرائيليا، فمن طبيعة الأمور أن تبحث تلك الأطراف عما تحقق به مصالحها، ثم تسعي لدعمه وتقويته، لكن غير الطبيعي أن نسلك داخليا من السياسات ما ييسر لتلك الأطراف الخارجية تحقيق أهدافها، ثم نسرع إلي التفكير في المؤامرة الخارجية، لننسج منها سيناريو يعفي الطرف العربي الذي عزل نفسه تماما عن الشأن السوداني، من المسئولية عن هذا المآل، كما لا يحمل حكومات السودان المتعاقبة المسئولية في هذا الإطار، وفي القلب منها حكومة الإنقاذ، أطول الحكومات عمرا في تاريخ السودان المعاصر منذ استقلاله عام 1956، إذ تقلدت السلطة بانقلاب عسكري علي حكم ديمقراطي نحو 22 عاما متصلة، فبددت ثروات السودان، وعمقت الخلافات بين أعراقه وقومياته وأديانه وثقافاته حين جنحت إلي رفع شعارات تستهدف إقامة أممية إسلامية في الإقليم وعلي المستوي الدولي، بسياسات تفتقد إلي الرشد، وتتسم بالمغامرة والمقامرة والمراهقة السياسية، التي تدفع أبناء الوطن الواحد في جنوب السودان، إلي اعتبار يوم الاستفتاء المفضي إلي الانفصال يوما للبهجة والفرح والسعادة، يوم عيد، كما بدا في كل الفضائيات التي تابعت اليوم الأول لاستفتاء الجنوب وأبرزت التجمعات التي تجوب شوارع مدن الجنوب العشر وهي ترتدي شعارات تدعو للتصويت للانفصال، وتهتف «للتحرير من الشمال» ومن «العرب»! الخطوة التالية مع بزوغ الدولة الأفريقية رقم 54، أو دولة «السودان الجديد» كما يعد قادة الجنوب بتسميتها، هي الأجدر الآن بالاهتمام بدلا من اللوم، والندب، والصراخ كي يصبح هذا الانفصال «خيرا علي السودان كله» كما قال «د. لوال رنيق» القيادي في الحركة الشعبية ووزير النفط السوداني لقناة الجزيرة، فهو كما يقول يحقق للجنوبيين الحرية والاستقلال، ويحفظ في نفس الوقت أطر التعاون بين الشمال والجنوب وربما يمهد للوحدة بينهما في المستقبل. ولكي يصبح ممكنا ما ينادي به القيادي الجنوبي، فإن شروط ذلك تبقي مرهونة بالمساعدات العربية لدولة الجنوب الناشئة، والمصرية علي وجه الخصوص، وبمعادلة سياسية جديدة في الخرطوم، تحظي بوفاق وطني واسع، وتستوعب قوي المعارضة الشمالية بما يمهد لحل ترضي به جميع الأطراف لمشكلة «دارفور» ويفتح المجال لأوسع مشاركة سياسية في حكم البلاد، كي لا يكون انفصال الجنوب مقدمة لتفتيت الشمال.