ما الذى يغرى المشاهد فى حوارات النجوم؟ هل هو بريق النجومية نفسه؟ أم «الشو» الإعلامى لهذه الحوارات وأسلوب مقدمى البرامج فى الحديث مع النجوم؟ أم حب المشاهد لهذا النجم أو ذاك ورغبته فى معرفة المزيد عنه؟ أم الرهان على الجديد، خصوصا مع محاور كبير له نفس المهارة فى عالمه؟ هذه الأسئلة وغيرها كان سببها الحوار الذى أجراه يوسف شريف رزق الله مع نور الشريف وعرض على شاشة نايل سينما ضمن برنامجها الشهير «ستديو مصر»، وكانت خلفيته جدران معبد الكرنك والملامح التاريخية العريقة لمدينة الأقصر، وحيث تم تكريم نور الشريف فى الدورة الثانية لمهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية فى نهاية فبراير الماضي، فى مقدمة الصورة نكتشف كمشاهدين علامات الزمن التى وضعت بصماتها على ملامح النجم الكبير، ونكتشف أيضا أنه – أى نور الشريف – لم يبذل جهدا فى إخفائها وإنما يبدو سعيدا وفرحا بالشعر الأبيض وبالصورة التلقائية له كإنسان قبل أن يكون نجما وغيرها من التغييرات التى طالت صورة «الفتى الأول» لفترة غير قصيرة، وفى خلفية الصورة يتحرك بنا المخرج «مهاب زنون» ليبتعد ويقترب من ملامح المكان الطاغية وحيث جلس المحاور والنجم على كرسيين فى مساحة خالية فى مقدمة الطريق للمعبد، يبتعد أحيانا لنرى حركة الناس، والشباب والأطفال حين يرون النجم ولديهم رغبة الانتقال إليه ثم يبتعدون حتى لا يتوقف العمل، أما فى عمق الصورة فأنت تكتشف معنى «فن الحوار» وأهمية ثقافة المحاور وتخصصه فيما يتصدى له وأيضا إدراك النجم لهذا جيدا، فقد كانت ردود نور الشريف على أسئلة يوسف شريف تمثل نوعا من الاعترافات التلقائية والاحترافية أيضا التى تفاجئ المشاهد أحيانا وتدهشه فى أحيان أخري، خاصة وهو يتحدث عن علاقته بالمخرجين الذين تعامل معهم، وكيف رأى عن قرب اثنين من أكبر علامات السينما المصرية وهما يوسف شاهين وعاطف الطيب، تكتشف كمشاهد أن العلاقة بين المخرج والممثل ليست إصدار أوامر وصرخات وشد شعر «كما درج فن السخرية على وصف المخرج» وإنما تفاهم ومقدرة كل منهما على استيعاب الآخر لدرجة الوصول إلى لغة مشتركة أو نظرة عين تعنى التنازل عن بعض المفردات لصالح العمل، هو ما تطرق إليه الحوار عن أفلام مثل «سواق الأتوبيس» و»ليلة ساخنة» لعاطف الطيب و»حدوتة مصرية» و»المصير» ليوسف شاهين مع اعترافات النجم بفضل هؤلاء عليه ومفاجآت المحاور له بأسئلة عن أفلام لم نعرفها ولم تعرض وهى معلومات قد لا يعرفها أغلب العاملين فى الفن أنفسهم مثل فيلم بعنوان «خيط أبيض وخيط أسود» عن القضية الفلسطينية والحكاية الأكثر إثارة وغموضا وراء إنتاجه وعدم استكماله، ومثل فيلم «الظاهر بيبرس» المغربى وأسئلة أخرى عن حالة النجم كإنسان.. وموقفه فى هذه اللحظات، وما أروع حكايته عن علاقة الصداقة والتقدير العميق لأم بناته «بوسي» التى تقف معه دائما ويتشاركان رحلة إنسانية جميلة وممتدة وهو جانب من حياة الناس فى مصر يطرح للمرة الأولى من خلال حوار تليفزيونى عام ليقدم تفسيرا مهما لأسئلة تتردد كثيرا فى وسائل الإعلام، وأحيانا من باب الإثارة، حول علاقة نور الشريف بزوجته السابقة بوسي، وهنا أراد هو أن يعبر عن هذا الجزء من الحياة الخاصة بما يستحقه من احترام وتقدير وما يستحقه المشاهد أيضا من احترام له، وربما جاء هذا الجزء الأخير من الحوار ليكون خاتمة طبيعية لحياة فنية خصبة ومثمرة وصلت بصاحبها إلى فلسفة الحياة من خلال ثقافته وقراءاته الدائمة وعشقه للكتب وللحياة الهادئة.. ولنجد أنفسنا فى نهاية الحلقة التى استمرت ساعتين وقد اكتملت معرفتنا بهذا الفنان تقريبا فلن يستطيع أى محاور آخر أن يستخرج منه أكثر مما فعل يوسف شريف، كما أن مناخ العمل وطبيعة المكان، والمناسبة أضافتا سعادة واضحة على ملامح الفنان فانطلق فى سرد مسيرته وفى التوقف لدى الأجزاء المؤثرة لديه، وأيضا فإن المخرج لم يقصر فى الاستعانة بعدد كبير من مشاهد الأفلام التى دار حولها الحوار إضافة إلى ذلك البرومو الخاص بتطور نور الشريف سينمائيا من خلال تطور واختلاف شخصياته الدرامية والتى بدأ بها من دور الشاب الرومانسى فى «قصر الشوق» لنجيب محفوظ إلى أدوار مرحلة النضج، أننا هنا بإزاء حالة نموذجية لهذا النوع من الحوارات التليفزيونية التى تتوافر لها كل العناصر لتصل بالبرنامج نفسه إلى اعتباره وثيقة على حياة وإبداع ضيفه، وأيضا وثيقة على مقدرة واستعداد مقدم البرنامج لتقديم عمل إبداعى راق فى صورة حوار.. وربما لو كانت هناك جائزة للحوار المتخصص لنالها هذا الحوار الممتع والمهم معا، ولكن هذه الجوائز لا توجد الآن بعد توقف مهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون الذى كان يعنى بكل نوعيات العمل التليفزيوني، لكننا هنا أيضا إزاء قناة متخصصة هى النايل سينما التى تقدم نوعا من التغطيات السينمائية للمهرجانات العربية والدولية لا تقدمها أى قناة أخري، عربية أو أجنبية، برغم الفارق الكبير فى الإمكانات، وللحقيقة فإننا فى إطار هذا الجهد المبدع للقناة وفريق عملها نطالب المسئولين عن القنوات المتخصصة وعن التليفزيون المصرى كله بأن يتحرروا من أمور عديدة، وأولها سياسة تعتيم التليفزيون على ما يقدم من خلال قنواته ويستحق التنويه عنه، ولا يوجد جهاز إعلامى فى العالم يسعى إلى صرف المشاهدين عن برامجه كما يفعل التليفزيون المصرى وهناك عشرات الوقائع عن أحداث نقلتها قناة «نايل سينما» بدون أى إعلان عنها، بل بدون وضعها فى قائمة «تشاهد اليوم» التى لا تتغير، وفى إطار هذا فإن لهذه القناة المجتهدة والتى تستحق الدعم مطالب وأولها هو حل مشكلاتها ودعم اجتهادها فى كونها أهم نافذة لمتابعة شئون السينما وأحوال صناعتها ومسيرة المبدعين بها.. وأيضا ثقافتها.. فهل هناك من يهتم بالثقافة اليوم فى القنوات الأخري.