أبدي صحفي أمريكي دهشته لإعلان حزب التجمع اليساري دعمه لما يسميه «حكم العسكر» وعدم انحيازه لمرشح مدني في الانتخابات الرئاسية، وسألني لماذا أيدتم ما أطلق عليه «سلطة الانقلاب»؟ قلت له إن الغرب عموما والإدارة الأمريكية علي وجه الخصوص، لا تريدان أن يتعاملا مع الواقع الفعلي لما جري في الثلاثين من يونيو الماضي، باعتباره ثورة شعبية، ورفضا جماهيريا كاسحا لحكم الإخوان الفاشل، انحازت له القوات المسلحة، بعد أن باءت بالفشل محاولات قادة الجيش لدفع الرئيس السابق «مرسي» إلي تعديل سياساته أو الاستجابة لمطالب الشعب بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ووقف الصدام المستمر الذي تقوم به الرئاسة والجماعة مع كافة مؤسسات الدولة القضائية والإعلامية والسياسية والحزبية والأمنية. وما حدث في ثورتي 25 يناير و30 يونيو لم يكن انقلابا عسكريا، بل بدأ بثورة شعبية انحاز إليها الجيش، ولم تبدأ من داخله علي يد جنرال مغامر كما هو معهود في ظاهرة الحكم العسكري التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية، وكادت أن تنقرض تماما الآن، وثورة 30 يونيو لم تكن انقلابا علي حكم مدني، بل كان الشعب المصري هو الفاعل الأساسي فيها، لرفضه لإقامة نظام استبداد ديني، ليحل محل الاستبداد الذي كان سائدا قبل ذلك، ويهدم قواعد الدولة المدنية ليحل محلها جيش مدني مدجج بالسلاح نري آثاره فيما يجري من إرهاب الآن. اختار الجيش الذي يتكون من أبناء العمال والفلاحين والطبقات الوسطي، أن يدافع عن الدولة المدنية، وأن يمنع حربا أهلية تتحول فيها مصر إلي بلد طائفي، فإنحاز لمطالب الشعب المصري، وهناك رأي عام مصري تخلق لدي الأجيال الجديدة، يقاوم نزعات الاستبداد لدي من يحكمون، وهذا الوعي سيكون هو حائط الصد الذي يحول دون تنامي تلك النزعات ومشكلة مصر الآن ليست في أكذوبة ما يسمي «حكم العسكر» الذي يروج له المغرضون والمخدعون والمتربصون، إذ في ظل «حكم العسكر» تم وضع أفضل الدساتير المصرية وأكثرها ديمقراطية، وسلطة الرئيس القادم به، هي أقل مما كان يحوزه الرئيس الإخواني المعزول، فضلا عن أنه ينطوي علي توازن دقيق بين سلطات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ومجلس النواب. قلت له إن معركة الرئاسة في مصر، لا تدور بين مدني وعسكري، إذ أن المرشحين الرئيسيين بها ينتميان إلي معسكر الثورة، ويطرحان نفس البرامج، لكن المشكلة من منهما يتمتع بظهير شعبي يمكنه من اتخاذ قرارات صعبة لإعادة بناء الدولة، وأن الدولة المصرية التي تحللت أعمدتها، وترهلت أجهزتها وتسودها فوضي غير مسبوقة يسعي إليها بشكل متعمد ومخطط الإرهابيون، تتطلب رجل دولة لديه خبرة بالقيادة، ولديه رؤية واضحة، ويحوز علي ثقة شعبية تمكنه من اتخاذ أصعب القرارات حتي تستقيم الأمور، وتخرج مصر من أزمتها الراهنة، دولة مدنية ديمقراطية حديثة تليق بتاريخها وبشعبها.