نحتاج هذه الأيام الي ميثاق شرف اعلامي ينص علي تجريم أي خطاب اعلامي يستخدم لغة وعبارات ومرادفات متدنية المعاني لا تليق أن تلقي علي مسامع الجمهور. وتجرم استخدام إيحاءات وايماءات جنسية " وذلك بعد انتشار هذه البذاءات اللغوية علي القنوات الخاصة والقنوات الفضائية وذلك بزعم حرية الرأي وهي في واقع الأمر لا تتعدي كونها " ردحا اعلاميا" ولمعرفة السبب وراء تخلي الخطاب الآعلامي عن لغته الراقية كان لنا هذا التحقيق مع بعض الإعلاميين . يؤكد الكاتب صلاح عيسي وكيل المجلس الأعلي للصحافة وجود قواعد أدبية علي أساسها تمنح هيئة الاستثمار التراخيص للقنوات الفضائية . وفيما يتعلق بموضوع اللغة المتدنية هناك تقاليد مهنية دولية متعارف عليها . قد لا تكون موجودة في مصر. وحاليا هناك مساحة واسعة من الحريات لدي القنوات الفضائية وغيرها من الصحف مما يتيح للبعض. ان يترخص وهذه الظاهرة كانت موجودة من قبل في القنوات الفضائية التي كان يديرها التيار الاسلامي. وكانت موجودة بكثافة في هذه القنوات سواء الشتائم او التكفير أو الاتهام بالشذوذ الجنسي أو انتهاك الحق في الخصوصية أو اصدار احكام بعدم ايمان الآخرين, وكل هذا اخطاء مهنية تحظرها المواثيق, والمدونات الاخلاقية لمهنة الاعلام موجودة ولكن لم يكن هناك احد يحاسب عليها لأنه لم يكن هناك اولا ميثاق ملزم, وثانيا لا توجد آلية للمحاسبة سوي القانون العام وهو الذي يتيح للمتضرر ان يرفع دعاوي امام القضاء وبعض المتضررين رفعوا فعلا قضايا بهذا الشأن ضد بعض القنوات للمطالبة باغلاقها . باعتبار أن ما يبث يمثل جريمة , سواء طعنا او قذفا في حقهم , والآن جزء كبير من ادلة الأتهام في القضايا المنظورة بالتحريض علي الأرهاب ..الخ تستند علي أقوال وردت علي لسان المتهمين في مداخلات مع التلفزيونات أو تصريحات أدلوا بها ..الخ , لكن نحن في حاجة ماسة لميثاق شرف بالفعل بالنسبة الاعلام المرئي . فالدستور المصري صريح في ان النقابات هي التي تضع مواثيق الشرف المهنية هي النقابات المعنية وهذا موجود في نقابة المحامين وفي نقابة المهندسين والاطباء والصحفيين ,هذه النقابات المهنية حسب نص الدستور لها مواثيق أخلاقية لممارسة المهنة وقوانين هذه النقابات تجيز للنقابة أن تحيل من يخالف هذه المواثيق إلي التأديب وتصدر عليه عقوبات تتراوح مابين اللوم والغرامة والوقف عن ممارسة المهنة لفترات متدرجة تنتهي بالمنع من مزاولة المهنة أو شطب اسم مرتكب المخالفة من جدول النقابة وبالتالي يفقد حقه في ممارسة المهنة . المهنة التي لا توجد لها نقابة هي مهنة الإعلاميين الذين يعملون في مجال البث المرئي والمسموع وكان لديهم مشروع لإنشاء هذه النقابة ووضعوا مشروع قانون لها وهذا المشروع كان تضمن عقوبات تأديبية علي مخالفة مواثيق الشرف الإعلامية وقد يتضمن هذه العقوبات ولكن المشروع لم يصدر به قانون حتي الآن ,لأن تأسيس النقابات لابد أن يصدر بقانون ,فاذا كانت الحكومة لديها مشروع أو كان موجودا في خارطة الطريق إشارة إلي وجود ميثاق شرف اعلامي فلابد أن يسبق ذلك بخطوة تأسيس نقابة للاعلاميين واصدار قانون بتأسيس نقابة للإعلاميين ثم هذه النقابة تضع ميثاق الشرف وتضع آليه محاسبة من يخالفه من أعضائها والجزاءات التي تترتب علي مخالفة هذا الميثاق. لغة راقية متحضرة وتؤكد دكتورة دينا فاروق ابو زيد الأستاذ المساعد بقسم الاعلام جامعة عين شمس أن الاعلام المرئي في الفترة الأخيرة وبالتحديد القنوات الفضائية العربية والمصرية الخاصة وهذه عددها كبير ومشاهدتها عالية الكثافة, بدأت تقع في أخطاء فادحة مثل استخدام لغة الشارع في الحوار. صحيح انه لا يجب استخدام لغة مستواها أعلي من مستوي المشاهد ,ولكن قواعد واخلاقيات الاعلام تؤكد أهمية الارتقاء بلغة البث و الحوار. لترفع من المستوي الثقافي والحضاري للمشاهد. ثانيا عاداتنا وتقاليدنا و أخلاقاتنا لاتسمح بالسباب باذاعة التحريض والسب والقذف علي الشاشات فيشاهدها الجمهور من مختلف الأعمار والمستويات . خاصة وان هذه القنوات متاحة ويتابعها الأطفال في أي وقت, واحيانا تكون المشاهدة بدون رقابة من الوالدين, وبالتالي هذه اللغة وبالتحديد الشتائم والتحريض غير مقبولا علي الأطلاق . وتستطرد أبو زيد قائلة كذلك فكرة النقد الذي تحول الي هجوم وتحريض و قذف وتشهير وتخوين بمعني تبادل الاتهامات بين الشخصيات العامة التي للأسف استغلت الحرية الناتجة عن ثورتي 25 يناير و30 يونيو بشكل سيء, فتحت شعار " الحرية " نجد اعلاميا او ضيفا جريئا" وبدعوي الرغبة في جذب الجمهور وتقديم برنامج يحقق صدي كبيرا لدي الجمهور, نجد البعض يوجه سيل من الاتهامات لبعض السياسيين او المسئولين بدون ادلة أو مستندات , وفي بعض الأوقات ينال السب والقذف وتناول الأعراض من أشخاص قريبين من هؤلاء. وتستطرد قائلة إن سبب انتشار هذه الظاهرة يرجع لأعتقاد البعض الحرية والديمقراطة التي منحتنا اياها الثورة يمكن ان تمارس بدون رقابة او ضوابط او حدود وهذا فهم خاطيء للحرية . ودائما ما يقع السياسين والاشخاص الذين يعملون في المراحل الانتقالية في اخطاء,ومع الوقت ستختفي هذه الاخطاء وتتراجع. الكبت والقمع يقول الأعلامي دكتور خالد منتصر : فهم الحرية علي انها أن تفعل أي شيء ولا يوجد اي حدود او اي اطار لهذه الحرية هذا الفهم الذي جاء بعد سنوات طويلة من الكبت والقمع وأدي الي هذا رد الفعل المبالغ فيه بالأضافة لدور الاحتقان الموجود الذي جعل كل فرد في المجتمع لا يقف أبدا في منطقة رمادية بل هو مجبر علي ان يختار بين ابيض واسود. حالة الاحتقان هذه هي التي جعلت الخطاب الاعلامي متدنيا الي هذا المستوي . وفي نفس السياق يقول دكتور صلاح السروي أستاذ الأدب المقارن بكلية الآداب جامعة حلوان السبب في تدهور الخطاب الاعلامي انه في المراحل المصيرية الكبري في تاريخ الشعوب تسود لغة إعلامية ذات طابع تحريضي أو أحادي مما يجعل من يتبني موقفا معينا ينظر بعين " التخوين والتكفير " إلي الطرف الأخر وهذا يحدث في اوقات الحروب والثورات الكبري ومن ثم تغلب لغة الادانة والتشهير علي لغة التحليل ومحاولة الفهم وهذا هو الوقت المناسب لظهور من يدعون امتلاك الحقيقة المطلقة سواء كانت وطنية , أو دينية أوسياسية ومن ثم تصبح لغة الأدانة هي الاكثر رواجا وتصبح الرغبة في النيل من الطرف الآخر متغلبة علي محاولة تفهم وتبصر المواقف السياسية . ثانيا من يهيمنون علي الخطاب الإعلامي هم في حقيقة الأمر من يتسترون بالموقف الوطني وهم في نفس الوقت يمثلون المستوي الأكثر بؤسا في السياسة المصرية من حيث انتمائهم لدولة مبارك. وهناك من يستخدم لغة فيها جرأة اخلاقية وايحاءات جنسية وبأستثناء باسم يوسف الذي يعد مختلفا نوعيا . فكل هؤلاء ينتمون الي المدرسة الأكثر بؤسا في الثقافة المصرية وفي المجتمع المصري وهي مدرسة ورثناها عن اعلام الترويج والتشهير و التحريض والتعبئة الذي ساد في مصر منذ عام 52 تقريبا، وهذا اعلام ليس لديه خطوط حمراء لا انسانية ولا اخلاقية إلا فيما يتعلق بالرموز التي يخدم عليها . فهو مستعد ان يقترف اويستخدم أبشع انواع الألفاظ والممارسات . طابع ترفيهي ويستطرد السروي قائلا باسم يوسف لا اعتبره اعلاميا فبرنامجه ذو طابع ترفيهي يتخذ من الاوضاع السياسية وسيلة لاختلاق النكتة و الموقف المضحك . وهو الي حد كبير يشبه فكرة نشأة الكوميديا في بدايتها التاريخية الأولي عند اليونان . حيث كانت تقوم علي مفهوم السخرية من المعاصرين و نقدهم . وتفجير الموقف الكوميدي من خلال ابراز المتناقضات, وهذه هي أدوات باسم يوسف محاولة العثور علي المواقف المتناقضة وابرازها للسخرية ونقد أصحابها.