والسؤال متى تنتهى ظاهرة البلطجة فى الشوارع ويعود الشارع المصرى إلى سابق عهده، وهل تفاقم ظاهرة البلطجة سببه انشغال الأمن فى محاربة الإرهاب أم أن هناك أسبابا أخري؟! أطفال الشوارع يجيب اللواء «فؤاد علام» – خبير أمنى – مؤكدا أن الشرطة تهتم بالتصدى إلى الإرهاب ومظاهر العنف والخارجين عن القانون مشيرا إلى أن تزايد معدلات جرائم البلطجة يرجع إلى تزايد البطالة بين الشباب بصورة مروعة ومخيفة، فضلا عن تفاقم ظاهرة أطفال الشوارع هؤلاء الأطفال الذين يهددون الأمن القومى المصرى وللأسف ليس هناك دور تربية قادرة على أن ترعى هؤلاء الأطفال. ويناشد اللواء «فؤاد علام» الدولة بأن تستيقظ من نومها وتلتفت إلى هذا الخطر الداهم، وأيضا البلطجية الذين احتلوا شوارع وسط البلد ويختبئون تحت عباءة الباعة الجائلين فكل هؤلاء غاية فى الخطورة وعلينا مواجهتهم فى أسرع وقت قبل أن يتحولوا إلى خطر داهم يهدد أمن البلد. روشتة علاج ويقترح اللواء فؤاد علام عدة مقترحات من أجل السيطرة على تلك الأوضاع المتفاقمة منها زيادة أعداد قوات الشرطة وذلك عن طريق تجنيد حملة الشهادات العليا مثلما حدث فى حرب أكتوبر لأننا نكاد نكون فى حرب ونحتاج لشباب يسهل تدريبهم لمواجهة مثل هؤلاء العصابات المسلحة، ويمكن أيضا تخريج الدفعة النهائية بكلية الشرطة فنحن لدينا 1800 طالب لم يتبق لهم سوى مادتين فحسب ويمكنهم دراستهما أثناء الخدمة لأننا نحتاج إلى أعداد كبيرة من الأفراد ومن ضمن الاقتراحات أيضا استخدام التكنولوجيا الحديثة لتسهيل مأمورية الأمن كأشعة الليزر والبصمات الحديثة وإلزام السيارات مثلا بوضع أجهزة التتبع. وأكد اللواء «فؤاد علام» أن حماية المواطنين يجب أن تكون فى مقدمة اهتمامات الدولة لأنه بدون أمن لن يوجد اقتصاد ولا استثمار ولا سياحة. وتعليقا على تقاعس الأمن وغيابه عن مواجهة البلطجية والقبض عليهم قال إن الترويج لمثل هذه الأقاويل يعتبر خيانة عظمى لأن الشرطة فى ظروف صعبة وتقوم بعملها ودورها على أكمل وجه من حماية البلاد وعلينا أن نبث روح التعاون بين المواطنين والشرطة خاصة وأن أى عسكرى أو ضابط يعمل أكثر من 18 ساعة يوميا ونحن نرى عدد الشهداء الذين يتساقطون فداء للوطن مشيرا إلى أن الشرطة تحتاج فقط إلى تكثيف دورها وزيادة أعداد الأفراد حتى لا تفلح جماعة الإخوان الإرهابية وتشويه صورتها أمام الشعب مرة أخري. الأمن السياسي وأكد «محمد عبدالعزيز» محام ومدير مركز الحقانية للقانون والمحاماة أن الأمن فى مصر بعد الثورة أصبح آمنا سياسيا بالدرجة الأولى على حساب الأمن الجنائى مما أدى إلى وجود بعض الإشكاليات التى تواجه المجتمع بشكل عام فى جرائم ترتكب نتيجة انفلات أمنى وبالتالى ارتفعت بؤر البلطجة وازداد نشاطها وتنوعت جرائمها سواء كانت سرقة سيارات أو شقق بالإضافة إلى جرائم أخرى عديدة تمثل خطورة على المواطنين العاديين ونتيجة ذلك كانت الجرائم لا نتيجة فقط على المواطنين ولكنها استهدفت ضباط وأفراد الشرطة وكل ذلك نتيجة تأثر زائد بالمناخ السياسى سواء فى فترة المجلس العسكرى ثم الإخوان حتى الآن مما أدى إلى وصول الأمر لعودة مباحث أمن الدولة مرة ثانية لمواجهة الإرهاب فقط دون الاهتمام الكافى بالجرائم الجنائية. وأضاف أن الجرائم الإرهابية مرتبطة بنشاط سياسى أما الجرائم الجنائية «البلطجة» تحتاج إلى تدريب عال وتواجد أمنى مكثف أكثر من المعتاد خاصة بعد الثورة وهروب العديد من الجنائيين المحكوم عليهم بأحكام نهائية بالإضافة إلى تراخى الشرطة فى مواجهة البلطجة واستدل على ذلك والكلام مازال ل «محمد عبدالعزيز» مواجهة واغتيال الشرطة فى الشوارع والميادين وبالتالى فإن مواجهة البلطجية لا تقل أهمية عن الجرائم الإرهابية خاصة أن الجرائم الجنائية العادية لا تنال اهتماما إعلاميا مثل الجرائم الإرهابية والداخلية لا تصرح بعدد القضايا التى يتم تسجيلها سنويا خوفا من استخدام تلك الإحصائيات ضدها كدليل على الانفلات الأمنى فى حين أن مثل هذه الإحصائيات كان يتم إعلانها منذ أكثر من 10 سنوات. وطالب «عبدالعزيز» بضرورة إحداث تعديل فى النظام القضائى لسرعة الفصل فى القضايا والاهتمام بأقسام الشرطة وزيادة الدوائر والنيابات الجديدة فلا يعقل أن مدينة مثل دمنهور منذ إنشائها لا يوجد فيها سوى قسم شرطة واحد لا يعمل بكفاءة نظرا للضغط الموجود عليه، ولابد من تطوير أداء الأقسام بزيادة عددها وتخفيف الضغط على النيابات والمحاكم لسرعة الفصل فى القضايا. وأكد أن أعمال البلطجية تندرج تحت جرائم الإرهاب التى عرفها المشرع فى المادة 86 من قانون العقوبات بأنها كل استخدام للقوة والعنف أو التهديد أو الشروع فى القتل يلجأ إليه الجانى تنفيذا لمشروع فردى أو جماعى يهدف إلى الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر إذا كان نتائج ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر. كما وضع المشرع نصوصا لبيان الأفعال التى تعد إرهابا وحدد العقوبات لها فى المادة 86 مكرر ولذلك فإن الأمر يحتاج إلى تفعيل دور الأمن وزيادة أقسام الشرطة وعدد أفرادها. إعادة هيكلة الداخلية وأشارت «د. راجية الجيزاوي» أستاذ علم النفس بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية إلى أن البلطجة كانت موجودة قبل ثورة 25 يناير ولكن حالة الانفلات الأمنى التى شهدها الشارع المصرى فى أعقاب الثورة أدت إلى تزايدها مما جعل المواطن البسيط يفقد الثقة فى حصوله على حقه بالوسائل القانونية المشروعة ولذلك وجدنا العديد من المواطنين يلجأون إلى البلطجة والعنف لحل نزاعاتهم وخلافاتهم بدلا من الذهاب لأقسام الشرطة وبدلا من الانتظار عدة سنوات طويلة أمام أبواب المحاكم وللأسف تلاشت دولة القانون. وأكدت «د. راجية الجيزاوي» أن البلطجية نشأوا وترعرعوا فى ظل نظام مبارك وبمساندة الداخلية وكنا نتمنى أن تتم إعادة هيكلة وزارة الداخلية بعد الثورة ومعالجة العيوب الموجودة بها ولكن للأسف استمرت التجاوزات وأهمها عدم المحاسبة والإفلات من العقاب ويضاف إلى ذلك إمتناع الكثير من رجال الأمن عن العمل عقب الثورة نظرا للكراهية التى حدثت بينهم وبين الشعب، وبعد عودتهم للعمل من جديد ركزوا على محاربة الإرهاب فى حين أن التصدى للإرهاب ليس مهمة كل الضباط والجنود والإدارات ولذلك لابد أن تهتم قوات الأمن بعودة الهدوء والاستقرار والأمان فى الشارع المصرى أولا. ويتفق معها «جمال عيد» مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان قائلا إن حالة الانفلات التى يشهدها الشارع حاليا أحد أسبابها حالة الحرية التى أتيحت للمواطنين بعد القمع الشديد، وهذا الأمر يحدث غالبا عقب الثورات وأعتقد أن الأوضاع تحتاج لبعض الوقت للانضباط. وانتقد «عيد» الداخلية التى تنشغل بالانتقام من الكوادر السياسية والشباب الذين قاموا بالثورة على حساب الاهتمام بأمن الشارع، مشيرا إلى أن الداخلية للأسف لم يتم إصلاحها حتى الآن فهى تقوم بمكافحة الإرهاب بنفس الآليات القديمة، وللأسف لا تستطيع التصدى إلى البلطجية لأنها نفسها تمارس بلطجة ويرى أن الحل هو إصلاح الداخلية وزيادة كفاءاتها لإعادة الأمن بدون تجاوزات. فتش عن البطالة ومن جانبها تؤكد «د. سامية قدري» – أستاذ علم الاجتماع – أن المجتمع المصرى يعيش فى فقر مدقع ويعانى من البطالة الأمر الذى أدى إلى إفلاس الطبقة المتوسطة لصالح الطبقة الأدنى وللأسف الدولة غائبة ولا تهتم بمشكلات المواطنين ولذلك لا يجد المواطن الغلبان أمامه سوى سلوك الأساليب المنحرفة مشيرة إلى ضرورة أن يقوم المجتمع بتفعيل دور القانون. وأضافت من المعروف بعد الثورات أن يظهر العديد من المنحرفين الذين كانوا يعملون فى الخفاء قبل الثورة ويصبح عملهم فى العلن فضلا عن انشغال الأمن فى التصدى للإرهاب والأوضاع السياسية المتردية للبلاد كل هذا ساهم فى انتشار البلطجة بهذا الشكل. وأكدت «د. سامية قدري» أن الحرب ضد الإرهاب ليس مبررا لتخاذل قوات الأمن فمثلا أنا أرى يوميا كما من الدبابات الخاصة بالجيش على الدائرى لتأمين المواطنين هل معنى ذلك أن الجيش انشغل بتأمين الداخل على حساب تأمين الخارج. وطالبت د. سامية بضرورة حماية المواطنين أولا لأن ما يتعرضون له هو نوع من الإرهاب، ومن الجائز أن جماعة الإخوان الإرهابية تستخدم البلطجية لإشاعة الفوضى فى الشارع المصرى وبالتالى يندرج التصدى للبلطجة فى إطار محاربة الإرهاب. السينما والبلطجة وترى «د. سامية قدري» أن جرائم البلطجة تتزايد بشكل ملحوظ بعد عرض أفلام البلطجة مشيرة إلى أن الشباب يحاولون تقليد أبطال هذه الأفلام السينمائية التى تجسد شخصية البلطجى على أنه بطل قادر على تخطى القانون وجمع الأموال دون محاسبة، وطبعا السينما أهدافها تجارية ولذلك فهى تتجاهل معالجة الواقع الأليم الذى نعيشه وتقديم الحلول لهذه الظاهرة فى إطار درامى يخدم القضية. وتختلف معها الناقدة «ماجدة موريس» مشيرة إلى أن أفلاما مثل «عبده موتة» و»قلب الأسد» و»إبراهيم الأبيض» و»الألماني» وغيرها من الأفلام التى جسدت شخصية البلطجى كمرآة للواقع السيئ الذى انتشرت فيه البلطجة مع ازدياد الفقر وارتفاع معدلات البطالة، ولا يمكن أن تكون السينما هى السبب فى ازدياد هذه الجرائم، ولكن يمكن أن يتأثر بهذه الأفلام الشباب الذين يعانون من البطالة والفقر ولديهم استعداد قوى للانحراف فهم يقومون بتقليد ما يرونه فى السينما. الحل الأمني ومن جانبها أكدت «د. سامية قدري» أن الحل الأمثل لمواجهة هذه الظاهرة هو الحل الأمنى نظرا لوجود جماعات بلطجة مسلحة بالإضافة إلى إعمال دولة القانون وسرعة القبض على البلطجية خاصة أن أماكن وجودهم معروفة للجهات الأمنية ويجب أن يتم الحكم عليهم بعقوبات رادعة وبأسرع وقت ممكن ليكونوا عبرة لغيرهم.