إعلام القاهرةتشكل قضية «استقلال الجامعات» تحديا كبيرا يواجه الجامعات المصرية بسبب عدم تخلى النخب الحاكمة عن سيطرتها القوية على مؤسسات التعليم الجامعى فالدولة بحكم إنفاقها على التعليم الجامعى تسيطر على مجمل الشئون الجامعية من خلال المجلس الأعلى للجامعات ووزير التعليم العالى ورغم أن الخطاب الرسمى قد دأب منذ السبعينيات فى القرن الماضى على تأكيد استقلال الجامعات ماليا وأكاديميا لكن الجامعات لاتزال بعيدة عن الاستقلال الحقيقى وقد برزت إشكالية استقلال الجامعة منذ عام 1961 الذى شهد إنشاء وزارة التعليم العالى وأصبح وزيرها هو الرئيس الأعلى للجامعات ثم تفاقمت هذه الإشكالية منذ السبعينيات بتزايد سلطة المؤسسة الأمنية داخل الجامعات. وتشير الدراسات الراهنة إلى اهتمام أساتذة الجامعات بقضية استقلال الجامعات باعتبارها شرطا أساسيا لتصحيح منظومة التعليم الجامعى وفيما يتعلق بكيفية تحقيق استقلال الجامعات يركز الأساتذة على ضرورة استقلال الموازنة العامة للجامعات وضمان حق الأساتذة فى انتخاب القيادات الجامعية «وقد تحقق هذا المطلب منذ 2012» وضمان عدم تدخل الأمن فى الشئون الجامعية إذا كانوا يربطون بين تبعية الحرس الجامعى لوزارة الداخلية ودوره فى الانتقاص من استقلال الجامعات قبل صدور الحكم القضائى ببطلان وجود هذا الحرس واستبداله بحرس مدنى أما عن دور الأمن فى الجامعات فالواقع أن هيمنة الجهاز الأمنى على مجمل مفردات المنظومة الجامعية على مدى سنوات طويلة بدأت فى فترة حكم السادات وتصاعد دورهم واعتدائهم على الحقوق الأكاديمية والمهنية لأساتذة الجامعات وطلابها للدرجة التى وصلنا به للتدخل فى درجات الطلاب كما كان لهم دور أساسى فى إقصاء الكثير منهم من الأنشطة الطلابية وكان من الممكن القبض على الطالب أو الأستاذ من داخل حرم الجامعة نفسه دون أدنى احترام أو التزام بذات وتقاليد الجامعة مما أسفر عن انتشار بل ترسخ الممارسات الفجة المعادية والمتناقضة مع تراث الجامعة واستقلالها من ناحية وإهدار النصوص القانونية التى تنظم الشئون الجامعية من ناحية أخري، الأمر الذى أدى إلى تقزيم دور الجامعات فى ظل الحرص السلطوى على تدجينها لصالح السياسات الحكومية وأدى بالتالى إلى تحويل الأساتذة إلى موظفين تكنوقراط على حساب دورهم التربوى والعلمي، ورغم نجاح القوى الطليعية فى الجامعات المصرية فى الحصول على حكم قضائى يقضى بإقصاء الحرس الجامعى التابع لوزارة الداخلية واستبداله بحرس مدنى تفعيلا للمادة 217 من قانون تنظيم الجامعات فإن استمرار العقلية الأمنية فى إدارة شئون العديد من الجامعات المصرية لايزال سائدا ويحتاج اقتلاع هذا الميراث الأمنى البغيض والذى لايزال متغلغلا فى نفوس وسلوكيات معظم الطلاب والأساتذة إلى جهود متواصلة تستهدف استعادة روح الثقة والطمأنينة لدى الجمهور الجامعي، ولا شك أن تحرير أساتذة الجامعات وطلابها من تركة الخوف والحذر لن يتحقق بصورة واقعية إلا إذا تحررت الجامعات من التدخلات السياسية والأمنية. وهنا يجدر الإشارة إلى المشهد الراهن الذى يشير إلى تصاعد المظاهرات الطلابية التى يتزعمها الطلاب المنتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين واضطرار بعض رؤساء الجامعات إلى الاستعانة بالشرطة والسماح لها بدخول الجامعات وقد أسفر ذلك عن تصاعد هذه المظاهرات وارتكاب الكثير من الجرائم فى حق الجامعة وأساتذتها وطلابها ولم يؤد التدخل الأمنى من خارج الجامعة إلى القضاء على هذه المظاهرات أو إعادة الاستقرار داخل الجامعات لأن الحل الأمنى وحده لا يحقق الاستقرار خصوصا فى الجامعات المصرية بل يكشف عن غياب الرؤية الاستراتيجية والسياسية الصحيحة والإصرار على استمرار النهج الأمنى العقيم الذى ترسخ خلال فترة حكم مبارك والذى لايزال سائدا حتى الآن والخلاصة أن الأمن لم يغير من استراتيجيته رغم تغير الظروف ولا يمكن تحميله وحده المسئولية الكاملة عن استقرار الجامعات وأمن المجتمع المصرى فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الوطن.