مات نيلسون مانديلا.. وودعته شعوب العالم رغم اختلاف ألوانها.. واحتل خبر وفاته مانشيتات الصحف بكل اللغات.. وأعلنت حالة الحداد فى عواصم العالم.. بصرف النظر عن هويتها.. وديانتها.. وثقافتها.. لسبب بسيط هو أن مانديلا حقق استقلال بلاده وحول إصلاحها إلى واقع.. وأنجز نهضة لم تعرفها العديد من الدول الأفريقية الأخري.. بالحب.. وكان على حق زعيما للحب. لقد عرفت أفريقيا الكثير من الزعماء الذين سجلوا البطولات بالسلاح.. وبمعارك التحرير وحروب العصابات.. ولكن مانديلا اكتسب احترام العالم لأنه خاض معركة الاستقلال بأسلحة غير تقليدية.. وبلغة يفهمها العالم.. وهى لغة الحب! لقد حل الحب.. محل الحرب فى خطابه السياسى لتحرير بلاده من قبضة التفرقة العنصرية التى كان يمارسها المستعمرون البيض الذين يملكون كل ثروات البلاد.. من أرض وطين وبشر.. ليست لهم أي حقوق بسبب لون البشرة التى خلقهم الله عليها. كان خطاب مانديلا.. هو رسالة حب. هو دعوة لأن يحب الإنسان كل مخلوقات الله.. بصرف النظر عن اللون.. أو الجنس. لقد عبر مانديلا بحق.. عن عبقرية الحب! لم يطلب مانديلا السلاح من قوى الحرب الباردة.. ليقع بعد ذلك فى أحضانها.. ولم يعلن أمام جماهيره الغفيرة من ملايين السود أن حذاء أى مواطن أسود برقبة ألف من السكان البيض.. ولم يقل إن حذاء أى أخ من السود برقبة ألف من العلمانيين البيض!! لم يعرض مانديلا فتيات جنوب أفريقيا على الخروج فى تجمعات لقطع الطرق وارتكاب أعمال الفسق والفجور.. لشل حياة الأقلية البيضاء وخطف أطفالها وإحراق كنائسها.. وتهديد حياتها ليرغمها على الهجرة.. وتحرير جنوب أفريقيا من ديانتها ومعتقداتها.. وناسها.. وبشرها! لا.. مانديلا.. لم يفعل ذلك.. وأذكر الآن الخطاب الذى بعث به فى مايو سنة 1961 إلى رئيس وزراء جنوب أفريقيا الدكتور فيرورد.. وكان ذلك قبل الانتخابات وإعلان الدستور الجديد فى 31 مايو 1961.. وقال فيه إن كل ما نطلبه.. هو «الاندماج».. وأن نعيش سويا.. وأن نعيد للبلاد رشدها.. وأن نزيل كل آثار التفرقة العنصرية.. لأن الكلام وحده لا خير فيه إذا لم يصحبه العمل! والمثير فى الموضوع أن دعوة الحب التى أطلقها مانديلا.. وكررها فى كل خطاباته.. استطاعت تغيير الثقافة السائدة بين البيض والسود فى جنوب أفريقيا.. وأزالت ثقافة العداء والكراهية والتعصب.. وانتشرت ثقافة الاندماج والحب والتعاون المشترك بين الجانبين.. جانب السود.. وجانب البيض.. وأزالت حواجز الكراهية والتربص والتحريض على الانتقام.. وأوجدت ثقافة جديدة تقوم على الحب.. والتعاون بين مخلوقات الله. وكانت هذه الثقافة الجديدة.. ثقافة الحب.. هى السبب ليس فقط فى استقلال جنوب أفريقيا.. ولا فى النص الدستورى على المساواة بين المواطنين بصرف النظر عن اللون والجنس والعقيدة الدينية.. وإنما كانت السبب فى النهضة التى حققتها جنوب أفريقيا.. بلا أرواح أزهقت.. وبلا دور عبادة أحرقت. لقد حقق مانديلا.. معجزته.. بالحب.. وبالحب وحده.. ودعه العالم!