مناضلات يساريات ليلي الشال «1» «عندما بدأ العدوان الثلاثي كنا قد تدربنا علي حمل السلاح وأرسلنا الحزب بتنسيق مع العسكريين إلي منطقة ابو صوير. هناك شاهدت في ريف مصر فتيات يتقدن حماسا ووطنية واستعداداً للتضحية ، قمنا بحملات توعية وعمل تنظيمي يسعي لمشاركة المواطنين ضد المحتلين في حالة تقدمهم إلي المنطقة . هناك عشت أجمل أيام النضال ، حيث الجماهير تعشق الوطن بحق، وتتمني التضحية من أجله بحق. وبين هؤلاء فتيات يمتلكن حماساً دافقا. ووعيا فطريا يستحق الاحترام». ليلي الشال «في حوار معي» الأب كان مديراً لمصنع السكر ثم مفتشا لعديد من التفاتيش الملكية والنداء الذي تسمعه كان «البيه المدير» أو «البيه المفتش». عندما ولدت كان الأب مديرا لمصنع السكر في الشيخ فضل، العمال يحيون حياة بائسة ، أجور هزيلة ، وظروف عمل غاية في الصعوبة فمنحهم البيه المدير بعضا قليلا من راحة وقليلا جدا من زيادة في الأجر. عبود باشا صاحب المصنع، غضب فلا مجال عنده لأي مشاعر، الأب غادر العمل مرغما وأصبح مفتشا لتفاتيش ولي العهد (الأمير محمد علي) وفي كل صباح كانت كارتة البيع المفتش تنقل البنات ومنهن ليلي إلي مدرسة الراهبات في الزقازيق. لكن الأب يموت سريعا. وترحل الأم بالابناء إلي القاهرة . هناك كان اليوزباشي محمود المناسترلي شقيق اختها وابن خالتها. محمود كان شيوعيا وعمل طويلا مع تنظيم الضباط الأحرار. كانت سنة أولي ثانوي بمدرسة الجيزة الثانوية ، عندما اعطاها محمود رواية الأم. سحرتها هذه الرواية الفتي المناضل «بافل» وامه وصراعهما ضد الاستغلال عاشا دوما في وجدانها، وتأتي أحداث مارس 1954 لتخرج في المظاهرات ومحمود يوجهها ويلقنها الشعارات التي تهتف بها دفاعا عن الديمقراطية ، لكن الضوء لم يزل خافتا. ثم أتي الضوء مبهرا عندما تتلمذت في 1955 علي يدي شهدي عطية . كان شهدي قد أنهي مدة سجن استطالت ثماني سنوات «أشغال شاقة» وتبقت خمس سنوات أخري «مراقبة » أو ما يسمي قانونا بالعقوبة التبعية . حيث يتحتم أن يبقي حبيس بيته من لحظة الغروب حتي لحظة الشروق. أمعن شهدي في الاستفادة من فترة الاحتجاز القسري في منزله كل يوم، يكتب، يترجم لكن عشقه الأكبر كان مدرسة الكادر التي نظمها لتدريس النظرية والتاريخ والفلسفة والأداء التنظيمي. ليلي كانت تعبر الكوبري لتصل قادمة من المنيل إلي شارع قصر العيني. تسير مسحورة بانتظارمعرفة متدفقة وتعود مسحورة بما تلقنت. ورويدا رويدا يستضيء القلب والعقل معا، ويترسخ لهيب الضوء في وجدان تعلم كيف يحتضنه. في هذه الاثناء كانت عدة منظمات صغيرة قد انضمت إلي «حدتو» بفضل جهود مشتركة لشهدي عطية ومحمود أمين العالم وقيادات المنظمات في سجن القناطر ويتأسس الحزب الموحد. وإذ تنتهي الدراسة الثانوية تلتحق بكلية التجارة قسم علوم سياسية . كان الحكم الناصري قد أصبح حليفا وكان الشيوعيون قد أسهموا وبحماس في حماية الجبهة الداخلية بعد تأميم قناة السويس والمقاتلون والكوادر من قيادات الحزب ومنهم ليلي اخترقوا حصار بورسعيد أو تمركزوا في تخوم هذه المدينة استعدادا لمواجهة أي تقدم يجازف به العدو. وبدأت فترة من الازدهار الحزبي في الجامعة . وتشلكت قيادة منها عادل حسين ومحمد عمارة وفؤاد التهامي وعلي الشريف ونهضت براعم نضالية بغير حصر والقائد لكل ذلك كان الرفيق جمال غالي (احد قادة الجامعة في الاربعينيات). ليلي أصبحت قائدة طلابية حقيقية ، وتمرست في النضال في أخطر مناطق التماس مع بورسعيد حيث الاحتلال الثلاثي، وعرفت كيف تكسب قلوب البسطاء وكيف تعرض أفكارها علي البسطاء، وتدربت علي السلاح واستخدام القنبلة والتمريض والاسعاف عبر اللجنة النسائية للمقاومة الشعبية، وخاصة في فرعها بالجيزة حيث عملت هي وثريا ابراهيم في تنسيق جاء مع ممثل النظام آنذاك ابو الفضل الجيزاوي ، وفي أبو صوير تجلت كل مهاراتها. وإذ يهزم العدوان تسلم سلاحها وتعود إلي الجامعة ، ويبدأ مجال آخر للتنسيق مع الحليف الناصري هو «لجان باندونج» وهي تشكيلات شبابية يقودها الضابط وحيد رمضان من مقر مهيب في قصر عابدين للعمل في ظلال كتلة عدم الانحياز ويكون جوهر تحركات هذه اللجان هو التعبئة الشعبية ضد الاستعمار الأمريكي والصهيونية . وتمثل ليلي الشال ومحمد عمارة شباب الحزب الموحد في التنسيق مع وحيد رمضان. وفي غمار هذا العمل المشترك مع الحليف الناصري يحدث ما يكشف النقاب عن حقيقة الحليف وحقيقة التحالف. ففي الأردن يتحرك القصر الملكي ليدبر انقلابا ضد حكومة الزعيم الوطني سليمان النابلسي. وتلتهب الصحف الحكومية والاذاعات المصرية وصوت العرب بهجوم شديد القسوة علي النظام الأردني ودفاعا عن الزعيم الوطني النابلسي. وربما لأن الرفاق في الجامعة صدقوا دفاع الحليف عن النابلسي أو ربما وجدوا فرصة للتنفس الجماهيري بعد فترة قهر لأي تحرك طلابي. المهم قام الرفاق بعقد مؤتمر جماهيري في الجامعة خطبوا ما شاءت لهم قدراته الخطابية ، هتفوا بأعلي صوت وتنفست الجامعة ، ولكن من قال إن الحليف الناصري يرغب أو يسمح بأن تتنفس الجامعة حتي ولو كانت تهتف بما يقول به النظام خاصة إذا كان هذا التنفس تحت قيادة الشيوعيين. تحرك النمر، برزت أنياب لا تعترف بصداقة ولا بحليف ولا تحالف. أحيل كثير من الرفاق إلي مجلس تأديب . هي ومحمد عمارة نالا العقاب الأشد الفصل عاما من الجامعة . ذهبت هي ومحمد عمارة إلي وكيل الحليف في لجان باندونج وحيد رمضان وجدا لقاء باردا ومتجهما وتبدي النمر الشرس علي حقيقته. ومن يومها أدركت ليلي حقيقة هذا الحليف. فكيف كان الأمر بعد ذلك.