أعلن - علي صفحات هذه الجريدة دون غيرها - استعدادي المخلص لأن أضحي بالباقي من عمري.. وهو ضئيل جدا وبالتالي ثمين وغال جدا مقابل أن أعرف من هو المتآمر الفذ الذي استطاع أن يدس علي الحزب الوطني الحاكم - من خلال مجموعة من نوابه - أبشع مجموعة من الأكاذيب والطلبات الفاحشة التي يمكن أن تدفع بهذا الحزب الحاكم إلي الوراء بأكثر مما دفعته سياساته الداخلية والخارجية علي مدي نحو ثلاثين عاما. ذلك أنني لا أستطيع أن أتصور أن ينطلق نائب من هذا الحزب - في مثل الظروف الصعبة التي يمر بها وتضع مستقبله كله - أو مستقبل مصر بدلا من ذلك - في بوتقة خطر داهم - ليقول ما قاله أكثر من نائب «وطني» في جلسة مجلس الشعب يوم الأحد 18 أبريل 2010 أثناء مناقشة المجلس لطريقة تعامل أجهزة الأمن مع المظاهرات يوم 6 أبريل. لقد اعتقد كل منهم أنه قادر علي أن يحرق كل بنود الاحتجاج التي استندت إليها حركة 6 أبريل في مظاهراتها إذا هو وصف الحركة وجماهيرها المتظاهرة بأنهم «شيوعيون» وأنهم امتداد ل «انتفاضة الحرامية» (المصطلح استخدمه الرئيس الراحل أنور السادات في أقصي لحظات اهتزاز حكمه وغضبه من جماهير المتظاهرين يومي (18 و19 يناير 1977). يكتشف المرء أن داخل الحزب الوطني من يدين بمبادئ لا تدين بها السلطة المصرية الحالية - أو هكذا يفترض - من هو مستعد لأن يتحدث عن الشيوعيين وكأنهم مصدر الخطر الأول والأكبر علي أمن مصر ومستقبل شعبها.. فيما كنا نظن أن الشيوعيين المصريين أصبحوا في أمان إذا قالوا إنهم شيوعيون وأنهم شاركوا في نضال هذا الوطن بهذه الصفة ولم يتهربوا منها، تري هل كان يضع أمام عينيه نموذج قرغيزيا أم تايلاند وهو يقول أو يقولون ما قالوه. أكاذيب جاهلة نسي هؤلاء النواب «الوطنيون» أن الشيوعيين المصريين، علي اختلاف تنظيماتهم وتعددها وفي كل العهود الحاكمة من الملكية إلي الناصرية إلي الساداتية إلي العهد الحاضر لم يرفعوا سلاحا ضد أي خصم مصري، لم يضبط أي منهم حاملا سلاحا من أي نوع، ولا حتي «مطوة» صغيرة قبض عليهم دائما وهم في أقصي حالات السلمية والهدوء، ولا يوجد محضر واحد يقول إن أحد الشيوعيين المصريين قاوم القبض عليه بأي درجة من العنف، ولم تذكر محاضر المعتقلات أو يومياتها مرة واحدة ارتفع فيها غضبهم في عز سنين الاعتقال والتعذيب بمقاومة عنيفة من أي نوع، ولا حتي بقبضات الأيدي عارية. الشيوعيون المصريون حملوا السلاح علي الأرض المصرية ضد عدو واحد هو المحتل البريطاني، ووقتها أمدتهم الثورة بالسلاح قبل أن تقوم في مرحلة المقاومة في منطقة قناة السويس بعد إلغاء معاهدة 1936.. وعادت الثورة - بعد أن أصبحت في السلطة فعلا - فأمدت الشيوعيين بالسلاح في المقاومة في منطقة القناة إبان حرب السويس (1956). نسي نواب الحزب الوطني أن المتظاهرين الذين اتهموا في مظاهرات 1977 بالشيوعية وبتعكير الأمن العام وتهديد سلامة الوطن وبأنهم - كما حرص علي أن يردد هؤلاء النواب - عملاء لجهات أجنبية دفعت لهم، أنهم قد نالوا براءة غير مشروطة من القضاء المصري من كل هذه التهم، براءة تضمنت حيثياتها التاريخية ما أدان ولايزال يدين متهمين بالتلفيق والكذب. مزورو التاريخ نسي النواب الذين دعوا إلي إطلاق الرصاص وراء ستارة من تهمة الشيوعية علي المتظاهرين أن الشيوعيين وحدهم قدموا الأدلة الكافية علي أنهم من أنبل الفئات السياسية من الوطنيين المصريين.. آثروا أن يتجاهلوا كل ما نالهم في السجون والمعتقلات وأن يحترموا مبادئهم التي علي أساسها استشهد منهم من استشهد تحت التعذيب ليعلنها أن جمال عبدالناصر - رئيس السلطة التي فعلت بهم ذلك - زعيم وطني يملك برنامجا تقدميا لا يمكن منافسته ويستحق أن يدافع عنه في وقته وإلي الآن ضد أعدائه في الداخل والخارج.. وضد المزورين للتاريخ من كل نوع. نسي نواب الحزب الوطني - تحت رغبة الدس والتحريض - أن الشيوعيين قدموا لمصر علي فترة تقل قليلا عن قرن كامل - منذ بداياتهم الأولي - أنبل مجموعات المناضلين والمثقفين بأعداد لا نظير لها في أي من التنظيمات السياسية المصرية التي تعرضت للتجريم والتحريم، أو بأنهم لم يعرفوا - لسبب أو لآخر - من كان شهدي عطية الشافعي «وقد وقف العظيم جمال عبدالناصر حدادا عليه في حفل في بلجراد عندما أعلن في الحفل عن استشهاده في المعتقل.. وكان ناصر يزور يوغوسلافيا ويكرم في الحفل برئاسة جوزيف تيتو». ولم يعرفوا من كان محمود أمين العالم - ولا حاجة به إلي تعريف فهو ألمع المثقفين اليساريين في الوطن العربي كله - ولا من كان عبدالعظيم أنيس عالم الرياضيات البحتة الذي ترك الأستاذية في جامعة لندن بمجرد أن بدأ العدوان الثلاثي «البريطاني - الفرنسي - الإسرائيلي» علي مصر، ومن كان عالم الاقتصاد الفذ إبراهيم سعدالدين الذي عهد إليه عبدالناصر برئاسة «المعهد العالي للدراسات الاشتراكية».. ولا من كان.. ومن كان، والقائمة أطول من أن يحصيها مقال في جريدة، كانوا شيوعيين أظهروا استعدادا للتضحية من أجل شعب مصر ولم يستحق أي منهم ولاء أي ممن تعلموا عليهم أن يطلق عليه الرصاص كما دعا نواب من الحزب الوطني في سابقة لا نظير لها في تاريخ هذا الشعب. أعلم يقينا أنه ليس صحيحا أن كل الذين شاركوا في مظاهرات 6 أبريل الاحتجاجية كانوا شيوعيين.. بل لا أعرف من منهم الشيوعي ومن منهم الوطني الذي لا ينتمي لأي تنظيم أو أيديولوجية سوي حب مصر، لكني أعلم - أو كنت أظن في تلك اللحظة - أن السلطة الحاكمة الحالية في مصر أدركت منذ وقت غير قصير أن من شروط الديمقراطية - حتي الشكلي منها - ألا يجرم الشيوعيون لمجرد كونهم شيوعيين، ربما لا تمنحهم حق تكوين تنظيمات.. لكنها أبدا لا تفكر في إطلاق الرصاص عليهم، وهم الذين لم يتخطوا حدود الأفكار المجردة في دفاعهم عن عمال هذا البلد وفلاحيه ومثقفيه وفقرائه، إذا شاركوا أبناء وطنهم تحركهم السلمي من أجل حقوق الإنسان. خطط شيطانية ولعل أقسي ما ورد من اتهامات للشباب الوطنيين المحتجين الزعم بأنهم عملاء وأنهم يتلقون مقابلا من الخارج. تري من قصد أصحاب الاتهامات بهذا الاتهام؟.. أمريكا؟ وهل هناك مجال للهزل إلي هذا الحد؟ ماذا يضير أمريكا في نظامنا لتمول مظاهرات ضده؟ آه.. لابد أن المقصود هو الاتحاد السوفيتي، لكن - لنتذكر - أن الاتحاد السوفيتي قد مات منذ عشرين عاما، وماتت معه خططه الشيطانية الحقيقي منها والمتخيل. إسرائيل؟ هل يسمح النظام الحاكم - وسنده الحزب الوطني - بأن تعبث إسرائيل بأمن الدولة المصرية إلي هذا الحد، دون أن تفضح دورها، بل دون أن تنهي العمل بمعاهدة واتفاقات كامب ديفيد؟! هل إذا كانت إسرائيل هي مصدر هذا التمويل تبقي العلاقات كما هي؟.. ويكتفي باتهام المحتجين - القابضين - بأنهم شيوعيون؟. إيران؟ إيران بالتأكيد، إنما هنا أيضا تبقي معضلة اتهام «عملاء إيران» بالشيوعية هذه - بالتعبير الشعبي - «فشر كبيرة» - لا يمكن أخذها بأي درجة من الجدية، كان الأولي أن يخرج الشيوعيون الإيرانيون الباقون علي قيد الحياة من السجون الإيرانية.. أو يعودوا من المنافي العديدة التي فتحت أمامهم أبوابها. يبقي اقتناعي بأن من يدعون إلي إطلاق النار علي الشبان المصريين الذين يحتجون أيا كان سبب احتجاجهم، إنما يفعل ذلك عامدا متعمدا راميا إلي إلحاق أكبر الأذي بالحزب الحاكم وبكل ما له صلة بالحكم في هذا البلد. إن البلد مشحون من أوله إلي آخره بغضب واستياء واحتجاج معروفة أسبابه للقاصي والداني.. وعندما تأتي هذه الدعوة في مثل هذا الوقت، في مثل هذه الظروف، لا يمكن أن تكون بريئة، ليس من تهمة الشيوعية، إنما من تهمة التحريض والتخريب ضد أمن الدولة. حاشية: كل عضو في الحزب الحاكم لا يوجه احتجاجا ضد هذا التحريض ويطالب علي الأقل بالمساءلة سيتحمل بالتأكيد مسئولية ما يمكن أن يقع (...).