بدأت ملامح الدستور الجديد تتضح مع انتقال «لجنة الخمسين» للمرحلة الثانية من عملها، وهي مرحلة المناقشات والتصويت الاسترشادي علي المواد المحالة إليها من اللجان الفرعية ولجنة الصياغة، وخلال الجلسات التي عقدت في نهاية الأسبوع الماضي وخلال هذا الأسبوع انتهت اللجنة من مناقشة 811 مادة، منها عدد كبير من المواد المستحدثة، وهي كل مواد أبواب الدولة والمقدمات الأساسية للمجتمع والحقوق والحريات والواجبات العامة وسيادة القانون. ويمكن القول بدون مبالغة إن ما تم إنجازه حتي الآن يؤكد أن دستور مصر الجديد سيجسد أهداف ومبادئ ثورتي 52 يناير و03 يونيو، وسيتجاوز كل الدساتير المصرية منذ دستور ثورة 9191 الذي صاغته لجنة الثلاثين مرورا بمشروع دستور 4591 ودستور 1791 وصولا إلي دستور 2102 الإخواني – السلفي الذي أسقطته ثورة 03 يونيو، وسيقارن بدساتير الدول الديمقراطية الغربية ودساتير الهند والبرازيليكفي الإشارة لعدد من المواد لندرك القفزة التي تحققت حتي الآن من صياغة دستور يؤسس لدولة مدنية ديمقراطية حديثة في مصر. «تلتزم الدولة بالحقوق والحريات الواردة في الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والتي صدقت عليها مصر». «التعذيب بجميع صوره وأشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم». «المواطنون لدي القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة أو الانتماء السياسي أو لأي سبب آخر، والتمييز والحض علي الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون». «يحظر التهجير القصري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة ولا تسقط بالتقادم». «المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، كما تلتزم مؤسسات الدولة بإيداع الوثائق الرسمية بعد الانتهاء من فترة العمل بها بدار الكتب والوثائق، وينظم القانون قواعد إيداع الوثائق العامة وحفظها وطريقة الحصول علي المعلومات والتظلم من رفض إعطائها وما قد يترتب علي الرفض من مساءلة». وهناك ثلاث مواد خاصة بحرية الصحافة والطباعة والنشر الورقي والمرئي والمسموع والإلكتروني، تتيح إصدار الصحف للمصريين بمجرد الإخطار ويحظر فرض أي رقابة عليها وعلي وسائل الإعلام أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها، أو توقيع عقوبة سالبة في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية. كما تكفل مواد الدستور الحق في السكن وفي الصحة وماء وغذاء صحي ونظيف وكاف، وحقوق العمال والفلاحين. وهناك مواد خاصة بالنوبة وحق النوبيين في إعادة التوطين في مناطقهم، وسيناء وتنميتها، والصعيد.. إلخ. ومع ذلك فهناك بعض الملاحظات السلبية التي يجب التنبه لها قبل القراءة الثانية لمواد الدستور والتصويت عليها. أولي هذه الملاحظات أن هيئة مكتب لجنة الخمسين ولجنة الصياغة – تضمان شخصيات بارزة محترمة – تمارسان عملهما وكأنهما سلطة فوق لجنة الخمسين، مما أدي إلي بعض المشاكل مثل منع الأعضاء الاحتياطيين من حضور اجتماعات اللجنة العامة خلال القراءة الأولي لمواد مشروع الدستور والتصويت الاسترشادي، واستبعاد المواد التي حصلت علي أغلبية في اللجان النوعية لحساب مواد صوت لصالحها أقلية دون الرجوع للجنة المختصة، وعقد الجلسات «مغلقة» دون حضور صحفي أو إعلامي، مما أدي إلي نشر أخبار عن اللجنة غير صحيحة وتصوير لجنة الخمسين أمام الرأي العام وكأنها تعد «طبخة» مسمومة تخشي من تسربها للرأي العام. الملاحظة الثانية تتعلق بدور الأزهر الشريف وممثليه في اللجنة، فقد أحاط البعض الأزهر بهالة من القدسية وأعطوه الحق في أن يمارس ممثلوه نوعا من الفيتو علي أي مادة أو صياغة! الملاحظة الثالثة – والأهم – أن رفض اللجنة النص علي مدنية الدولة، وبقاء المادة الثانية بالإضافة الخاصة بأن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، تلك الإضافة التي لجأ إليها السادات عام 1791 في مناورة سياسية معروفة، والتي جعلت المادة تميز ضد غير المسلمين، وكذلك المادة الثالثة الخاصة بحق المسيحيين واليهود في ممارسة شرائعهم في أحوالهم الشخصية والمادة الرابعة «السابعة الآن» الخاصة بالأزهر والتي دخلت الدستور لأول مرة عام 2102 في ظل الدستور الإخواني – السلفي.. كل ذلك أدي إلي صبغ الدولة المصرية في مشروع الدستور بصبغة الدولة الدينية. ولا تنتقص هذه الملاحظات من أهمية ما تقوم به لجنة الخمسين حتي الآن، والمهم أن تتم معالجة هذه السلبيات بسرعة وحسم، وهذه مسئولية لجنة الخمسين مجتمعة.