اشتعلت حرب البلاغات للنيابة الإدارية بين القائمين علي الهيئة القومية لضمان جودة التعليم، تشمل الاتهامات إهدار المال العام والفساد الإداري في صرف المكافآت لأعضاء مجلس الإدارة، في حين ألزمت وزارة التعليم العالي المعاهد العليا والكليات بضرورة التقدم للحصول علي اعتماد الهيئة القومية لضمان الجودة قبل ديسمبر المقبل والسؤال الذي يطرح نفسه هل تصبح هذه الهيئة في مهب الريح أم يتم وضع معايير جديدة تواجه وقوعها في شبكات الفساد المالي والإداري، وتدفعها لتكون أداة فعلية لتطوير التعليم وضمان جودته؟ أم أن الأمر كله يحتاج إلي إعادة نقاش وتقييم حول جدوي وجود هذه الهيئة من الأصل؟. الهيئة أنشئت بموجب القانون (82) لسنة 2006 وبدأت عملها في عام 2007، وخلال عملها منذ إنشائها لم يتم اعتماد سوي 10 كليات و10% من المدارس التي تبلغ حوالي 40 ألف مدرسة، برغم نص قانون الهيئة الملزم للمدارس والجامعات بضرورة الحصول علي اعتماد الهيئة خلال السنوات الثماني الأولي من إنشائها، وحتي الآن تعتبر مؤشرات الحصول علي الجودة للمدارس والجامعات ضئيلة ولا تذكر. الدكتورة ثريا عبدالجواد الأستاذ بجامعة المنوفية تري أن مشروعات الجودة والتطوير عبارة عن «فلوس» تصرف هباء، ولا تؤدي من قريب أو بعيد إلي تطوير الجامعات، وهي عبارة عن استيفاء أوراق وإلهاء لأعضاء هيئات التدريس، لأنه شغل علي الورق لا أكثر ولا أقل، واستقطاب لأعضاء هيئات التدريس، لأن هناك جزءا من الأساتذة يعملون في الجودة، وتصرف لهم مكافآت مالية كبيرة، ومن يعمل في الجودة هم المقربون من العميد وليس علي أساس معايير الكفاءة، الجامعات لن تتحسن بمشروع الجودة ولا إنقاذ التعليم سيكون بالجودة، لأن كل الشغل في هذا الموضوع هو مجرد حصول الكلية علي الجودة دون مردود حقيقي يهدف فعليا إلي التطوير، طالما ظل الموضوع استيفاء أوراق دون جودة حقيقية بالمعني المعروف. إرسال البعثات أجدي للتطوير وتقول ثريا عبدالجواد: إن المشروع ينقسم إلي ثلاثة أقسام، أولا: إنشاء وحدة داخل الجامعة لتعريف الأساتذة بالجودة ومعاييرها والمطلوب للحصول علي الجودة، ثم بعد ذلك اعتماد مشروع التطوير للحصول علي الاعتماد، ثم المرحلة النهائية أي الاعتماد للكلية، وكان الأولي بدلا من إنشاء هذه الهيئة هو السعي الحقيقي للتطوير بإرسال بعثات لأعضاء هيئات التدريس وتزويدهم بالدوريات العلمية، وكذلك تطوير المعامل والمدرجات ومكتبات الجامعة، وكذلك بناء جامعات جديدة لتواكب الإقبال علي التعليم الجامعي، ولتقليل كثافة المدرجات، أما هذه المشاريع المسماة بالجودة فطالما أنها تعتمد علي ملء أوراق نمطية فسيكون المنتج النهائي للتطوير صفرا، هذه الهيئة تكلف مبالغ مالية طائلة وهي قروض تتحملها الدولة، وهذا فساد لأن هذه الملايين تصرف مكافآت للعاملين بهذا المشروع، الذي لا يؤدي إلي أي تطوير للتعليم بل هو إهدار للمال العام، وعلي حسب ثريا عبدالجواد أنه يقال إن الكليات تدفع مبالغ مالية لأعضاء الفريق الذي سيقرر جودة الكلية من أجل اعتمادها، وإذا كنا نريد تطوير التعليم فلابد من رؤية وهدف حقيقي للتطوير وليس مجرد كلام علي الورق. التمويل للمكافآت الدكتورة ليلي سويف – الأستاذ بجامعة القاهرة – تقول: هناك بعض المعايير الموضوعية يتم تطبيقها فمثلا تمت زيادة عدد ساعات فتح المكتبة في الكلية وبعض الأشياء الأخري، وهذا يختلف من كلية إلي أخري، ولكنه تحسن طفيف، وهناك فروق بين كلية وأخري حسب العميد ومجلس الكلية، فهناك كليات بتصرف الفلوس علي التطوير، وكليات أخري يذهب الجزء الأكبر للمكافآت، وبالطبع لابد من وجود رقابة علي جودة التعليم داخل المؤسسات الجامعية، وخاصة أن هناك مؤسسات عامة وأخري خاصة، والمشكلة ليست في الجودة، ولكن في طريقة التنفيذ، لأن معظم عملنا ورقي أي تستيف أوراق، لأنه يراقب معايير شكلية علي الورق، ولابد من الشفافية في عمل الهيئة وما يصرف من مكافآت حتي يمكن محاربة أي فساد وخاصة أن العاملين في المشروع يتقاضون مبالغ مالية كبيرة، ومن العجائب أن كلية علوم المنصورة حصلت علي الجودة، وعلوم القاهرة لا، رغم أن خريج علوم القاهرة حين يسافر في بعثة يبقي مندمجا ويدرس ويحصل علي الشهادة بإجادة وسهولة، وهذا معناه أن المعايير ورقية وشكلية، وإصلاح التعليم ليس له أي علاقة بهذا الفيلم، إصلاح التعليم يتطلب دعم التعليم بإنشاء كليات جديدة وزيادة الإنفاق علي التعليم والبحث العلمي. مشروعات وهمية الدكتور كمال نجيب – الأستاذ بجامعة الإسكندرية – يقول: في ضوء الخبرة داخل الجامعات والاتصال بالمدارس خلال السنوات الماضية كل المشروعات التي تمت هي مشروعات وافدة من الغرب، وهي وليدة مؤسسات التمويل الدولية وهيئة المعونة الأمريكية، وهي في ضوء الدراسات الأكاديمية مشروعات وهمية ومصطلحات جوفاء ليس لها أي إنجازات، بل تقدم شهادات مزيفة وكاذبة، وهناك مدارس حصلت علي الجودة ينقصها كثير من الجودة، مفهوم الجودة عندنا معايير ورقية، وعلي حسب كمال نجيب أنه يشك في الهدف الحقيقي للتمويل الأجنبي، سواء البنك الدولي الذي أشرف علي عملية تطوير التعليم الجامعي قبل ذلك وكان الهدف هو تجميع مجموعة من الخبراء الوطنيين المصريين لكي يتبنوا هذه الأفكار ويروجوا لها ويقبضوا الثمن، الهدف الأساسي ليس تطوير التعليم، لأن جودة التعليم تتطلب جودة التمويل والمطلوب هو تحقيق هذه الجودة، أما المؤسسات الدولية فتهدف إلي خصخصة التعليم وخاصة الجامعي. العدالة الاجتماعية ويؤكد نجيب أن مشاريع الجودة تتطلب أن يتحول المدرس سواء داخل المدرسة أو الجامعة إلي دمية، والمعايير التي يضعونها هي لفرض قيود علي حركة الأفراد داخل هذه المؤسسات الجامعية، ويتساءل نجيب كيف نحقق الجودة داخل كلية حكومية فيها جزء من الطلاب يدفع عشرات الآلاف ويتلقي تعليما متميزا وطالب آخر داخل نفس الكلية لا يتلقي هذا التعليم؟ ويضيف نجيب قائلا: لابد أولا من تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية داخل مؤسسات التعليم الحكومي، لأننا في عصر مازال الأغنياء يتعلمون تعليما متميزا حتي داخل الجامعات الحكومية فضلا عن الخاصة، ويحصلون علي فرص عمل متميزة لا يحصل عليها الفقراء، ويتساءل عن أي معايير للجودة يتحدثون، هيئات الجودة مؤسسات وهمية، ويجب علي وزراء التعليم أن تكون عندهم رؤية لأهداف التعليم وكيفية تطويره بدلا من الجودة الزائفة. إهدار للوقت فيكتور ثابت – مدرس – يقول: هي ليست سوي معايير ورقية وشكلية فقط بل تستهلك كثيرا من وقت المدرسين، بملء أوراق غير مفيدة للطلاب، كما أن هناك تباينا بين المدارس سواء في القري والمدن أو بين مدارس المدن والعشوائيات، ولذلك سوف يكون حصول المدارس الخاصة والتجريبية علي الجودة أكثر، لأن قدرات وإمكانات هذه المدارس أكبر بكثير من المدارس الحكومية، ولذلك كان لابد قبل أن يفرض الجودة والاعتماد علي المدارس، أن نبدأ بتحقيق المساواة بينهم في الإمكانات والتجهيزات المدرسية، وكذلك تقليل كثافة الفصول لكي تكون مؤهلة للحصول علي الجودة إلي جانب تدريب المعلم وزيادة راتبه، لأن من سيحصل علي الجودة هي مدارس الأغنياء وليس المدارس الحكومية لأبناء الفقراء.