لا يبدو واضحا حتي الآن، إلام ستنتهي مظاهرات الجوعي للخبز والحرية في السودان، التي تمتد لأكثر من أسبوع، والتي اندلعت في أعقاب رفع الحكومة الدعم عن الوقود، تنفيذا لشروط صندوق النقد الدولي، التي امتثلت لها حكومة الإنقاذ الدينية الطفيلية، فمنحت السودان لقب واحدة من أكثر الدول فقرا، رغم ثراء مواردها الطبيعية. وحتي الآن، أسفرت المظاهرات العفوية عن مقتل المئات واعتقال آلاف المواطنين العزل والسلميين جراء القمع الوحشي الذي يمارسه نظام البشير، دفاعا عن بقائه في السلطة حتي لو كان الثمن فصل الجنوب، بعد عقد من الحروب العبثية معه، وامتداد هذه الحروب إلي دارفور في الغرب وجنوب كردفان والنيل الأزرق في الشرق، بعد أن أصبح إشعالها، امتيازا يحصد به أغنياء الحرب، من أنصار حزب المؤتمر الوطني الحاكم وأهله وعشيرته ثرواتهم. نحو ربع قرن من انقلاب البشير الديني علي حكم ديمقراطي منتخب، انتهت بتدمير مؤسسات الدولة ونهب مواردها، وتفتيت الجيش السوداني والشرطة والنقابات وتحزيبها لصالح المليشيات الشعبية التابعة مباشرة لرئاسة الجمهورية، وقيادات الحزب الحاكم، ولبناء منظمات نقابية موالية للحكم القائم، وحصار الأحزاب، والسعي الحثيث لأنقسامها، والتلويح لها بذهب المعز وسيفه إن اقتضي الأمر. ربع قرن من حكم يبشر بدولة الخلافة، انتهت بعشرة ملايين مهاجر من أمهر الكفاءات متفرقين في أنحاء العالم بحثا عن عيش كريم، بعد أن أدت سياسته الجاهلة والفاشلة إلي انتشار المحسوبية والفساد، وسيادة نمط اصطفاء الأهل والعشيرة التي اقترنت بقمع الحريات الشخصية وحريات الإعلام والصحافة والتظاهر السلمي والاجتماع، بعد أن مكنت الدولة البوليسية لنفسها كل أدوات القمع التي يساندها التحالف مع تنظيم القاعدة، والأنظمة الاستبدادية في إيران وليبيا والدول الإفريقية المجاورة. تحمل الشعب السوداني في نهاية المطاف ثمن فشل النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهو فشل قاد رئيسه وقيادات حكمه، للمطاردة من قبل المحكمة الجنائية الدولية. سقوط نظام الإخوان في مصر، يلقي بظله قويا علي نظام البشير، الذي يترنح أمام مطالبات المتظاهرين برحيله، وشأن كل النظم الشمولية الفاشية، يتمسك مسئولوه باستعلاء يندر مثيله برفع سعر الوقود، وعدم الرجوع عن القرارات التي تسببت في اندلاع المظاهرات، ولا يخجل من وصم المتظاهرين بالإرهابيين وبالضلوع في مؤامرات خارجية. من السابق لأوانه توقع بالمنحي الذي ستصل إليه مظاهرات السودانيين خاصة بعد منع الإعلام من متابعتها، وحصر النشر علي التقارير الرسمية الحافلة بالاكاذيب والادعاءات بأن صور القتلي هي لمتظاهرين مصريين، وهي أكاذيب تجمع بين حسنيين، نفي القمع الوحشي الذي تواجه به السلطات المظاهرات السلمية، وتشويه الثورة المصرية التي أطاحت بحلفائه من جماعة الإخوان في مصر! وبرغم ترنحه، من المبكر الجزم، بأن ثورات الربيع العربي، تمتد إلي السودان بسبب القمع البوليسي الوحشي للمظاهرات، وتفتت قوي المعارضة، وتحزب القوي الأمنية والقوات المسلحة النظامية، لكن الشعب السوداني الذي استطاع في قرن واحد أن يسقط نظامين مستبدين فاشلين في ثورة اكتوبر عام 1964 ضد «ابراهيم عبود» وانتفاضة ابريل عام 1985 التي اطاحت بجعفر نميري برغم مساندة القوي الامبريالية لنظاميهما، قادر علي ابتداع أساليب جديدة لمواصلة نضاله لاسقاط نظام قسم بلاده، ونهب مواردها، وأجاع شعبها وشرده، واقصي قواه السياسية وهمشها، لينفرد البشير بالسلطة، ويتمسك بالبقاء فيها، حتي لو كان الثمن بحارا من دماء الشعب السوداني، وأطلال وطن، ولا يخجل بعد ذلك من أن ينسب كل هذا الخراب إلي الحكم باسم الدين! وهذا درس ينبغي أن يتعلمه كل الذين يسوقون لتيار الإسلام السياسي في مصر، يقول أن الاحزاب التي ترفع عمامة إسلامية تقود بلدانها إلي هذا المصير الأسود!