ما الخيارات الفلسطينية بعد أن قررت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واللجنة المركزية لحركة فتح ايقاف المفاوضات المباشرة مع إسرائيل؟ وما حدود القدرات العربية لمواجهة هذا الموقف الإسرائيلي الرافض لكل النداءات والمبادرات العربية والدولية؟ وما موقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد أن فشلت الجهود التي قادها شخصيا منذ أقل من شهر في اللقاء الخماسي في البيت الأبيض لتحريك عملية السلام والتوصل إلي اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني بعد عام؟ وأخيراً ما استراتيجية الحكومة الإسرائيلية في الفترة الحالية والقادمة وكيف تخطط لمواجهة ردود الفعل الفلسطينية والعربية والأمريكية، إضافة إلي ردود الفعل الأوربية والدولية الأخري؟ القرار التاريخي الرئيس الفلسطيني محمود عباس لم يكن يخفي ابدا تشاؤمه من عدم امكانية تحقيق نتائج إيجابية للمباحثات الإسرائيلية الفلسطينية المباشرة. وأكد أنه ذهب إلي تلك المفاوضات بعد الدعوة تلقاها من الرئيس الأمريكي باراك أوباما للذهاب إلي واشنطن والمشاركة في القمة الخماسية بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومظلة دعم عربية قدمها الرئيس حسني مبارك والعاهد الأردني الملك عبد الله، وأكد أوباما أنه يريد إطلاق المفاوضات المباشرة علي مستوي رئاسي وبمشاركة المبعوث الأمريكي ميتشل للتوصل إلي اتفاق سلام في خلال عام، مؤكداً أن كثيرا من العقبات ستظهر وينبغي التغلب عليها. ولكن أول عقبة وهي الخاصة بالاستيطان أفشلت تلك المفاوضات علي الرغم من التحذيرات والنداءات بل والاستعطافات الفلسطينية والعربية والأوربية والأمريكية لإسرائيل بتجميد مؤقت للاستيطان ولمدة 3 شهور فقط، ريثما تتضح مسيرة المفاوضات المباشرة وما إذا كان سيتم التوصل إلي اتفاق إسرائيلي فلسطيني لترسي الحدود الجديدة بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية التي ستقام عليها الدولة المستقلة.ولم يكن بوسع عباس مواصلة المفاوضات في ظل الاستيطان بأي حال من الأحوال، وقد أكد ذلك بوضوح ولم يكن خافيا علي أحد أن عباس يتفاوض وظهره قد أصبح للحائط ولم يعد يبقي سوي أن يرفع الراية البيضاء ويستسلم لكل الشروط الإسرائيلية ويتفاوض في ظل الاستيطان ، وهو ما سيعني الحكم عليه بالتفريط والخيانة من قبل الشعب الفلسطيني والمنظمات الراديكالية مثل حماس علي وجه الخصوص. وبالتالي فإن حسابات عباس كانت تقوم علي فكرة جيدة وهي القبول بالمشاركة في المفاوضات المباشرة بناء علي تفويض من منظمة التحرير ومركزية فتح، ثم تفويض عربي من الرباعية العربية، ومشاركة في القمة الخماسية للرئيس حسني مبارك والملك عبد الله العاهل الأردني، إضافة إلي رسالة في الرباعية الدولية إعادت تأكيد أسس المفاوضات وفقا بيان الرباعية الدولية الذي حدد قواعد التفاوض بمبدأ دولتين . وفي ظل تلك الظروف كان موقف عباس قويا إلي حد كبير واستطاع تجاهل اتهامات حماس والتنظيمات الراديكالية الأخري له «بالتفريط» وبالمشاركة في صفقة تنازلات جديدة كما استطاع تجاهل الانتقادات العربية التقليدية من جانب سوريا وليبيا علي وجه الخصوص، وبالتالي قبل المشاركة في عملية سلام ومفاوضات جديدة بدون أي شروط وفي ظل فترة زمنية محدودة للغاية ، حيث كانت فترة تجميد الاستيطان ممتدة حتي 26 سبتمبر الماضي فقط، وبنهاية تلك الفترة فأن استمرار الاستيطان نسف عمليا استمرار المفاوضات المباشرة، وبالتالي فإن حسابات عباس تغيرت فكما وظف المشاركة في المفاوضات المباشرة لمصلحته، فأن وجد في الانسحاب منها مصلحة لزعامته شخصيا وللقضية الفلسطينية، فلا أحد الآن يستطيع اتهامه بالتهم التقليدية، وهو لم يذعن للضغوط الإسرائيلية ولا الأمريكية، وأصبح يحظي بيان فلسطيني وعربي كاملين، وتفهم أوروبي للموققف الفلسطيني وبالتالي تغيرت خيارات محمود عباس وأصبحت محدودة مابين عدة اتجاهات. في مجلس الأمن الاتجاه الأول اللجوء إلي مجلس الأمن الدولي بناء علي قرار عربي يتخذ من لجنة المتابعة العربية التي ستجتمع اليوم في مدينة «سرت» الليبية علي هامش اجتماعات القمة العربية الأفريقية، وهناك امكانية لعقد قمة عربية بمن حضر في سرت لدعم هذا التوجه وقد استراحت مصر لعقد هذا الاجتماع في سرت، حيث لا تتهم من قبل الولاياتالمتحدة وإسرائيل بالمشاركة في اجهاض عملية السلام وعدم القيام بدور فاعل لاستمرارها. وهناك توجه آخر بتصعيد ضد إسرائيل باتخاذ قرار بقطع العلاقات السياسية والاقتصادية معها، أو علي أقل تقدير تجميد تلك العلاقات وفقا لموقف كل دولة عربية علي حدة ومراعاة لظروفها ، وأن كانت الضغوط ستشتد علي مصر والأردن بالذات. وأخيراً فإن عباس يملك ورقة أخري لتقديم استقالته وإعلان نهاية مسيرة المفاوضات التي بدأها هو شخصياً في 1992 وأسفرت عن اتفاق أوسلو للسلام، أول اتفاق سلام إسرائيلي، فلسطيني ويترك الساحة لحماس والفصائل الأخري، خاصة أن الموقف الإسرائيلي المتشدد قد أدي لتقارب فتح وحماس وهناك أنباء عن قرب التوصل إلي مصالحة بينهما.