أشعل حزب الله حرباً طائفية في سورية ولبنان، كان الجميع يحاولون تفاديها منذ بدء انطلاقة الثورة السورية، أو علي الأقل كانو يظهرون أنفسهم براء منها، ويؤكدون أن الصراعات القائمة والمحتملة هي صراعات سياسية. وكانت فصائل الثورة السورية السياسية والمسلحة تكرر ليل نهار أنها لن تسقط في وحل الصراعات الطائفية، كما كانت الفصائل المسلحة تبتعد عن الدخول في أي صراع يمكن أن يشتم منه أنه صراع طائفي. واستمرت فصائل الثورة السورية تتهم النظام السياسي والسلطة بأنها تحاول أن تخلق شروطاً سياسية واجتماعية لبذر الفتنة الطائفية لتبرر بالتالي قمعها الوحشي لشعبها، وطالما سمعنا أطياف المعارضة السورية (المسلحة والسياسية) تقول إن الحرب هي بين الشعب والسلطة، وليست بأي حال حرباً طائفية. كشف المستور قبل شهر تقريباً، تم كشف ماكان مستوراً وهو وجود مقاتلين من حزب الله اللبناني يحاربون مع الجيش السوري النظامي، ويتولون العمليات التي لا يستطيع الجيش القيام بها (كحرب الشوارع والمدن) أو لا يجرؤ علي القيام بها، وتأكد للرأي العام السوري واللبناني وجود هؤلاء المحاربين، وذلك من خلال (جنازات) دفن القتلي التي أخذت تتسرب من البلدات والقري اللبنانية، ولم يعد بالإمكان إخفاء مشاركة حزب الله هذه، أو التستر عليها. كان السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله قبل ذلك كما كان إعلام الحزب بمجمله ينكر تواجد محاربين من الحزب في سورية، وصار – بعد تعدد جنازات القتلي – من المتعذر إنكار هذا التواجد من جهة. والأهم كان علي الأمين العام وإعلام الحزب تبرير هذا التواجد من جهة أخري، وكان التبرير مصطنعاً ومتردداً ومخالفاً للقوانين في البلدين السوري واللبناني، وعاملاً جدياً في تغيير أهداف الصراع في داخل سورية ولبنان. ففي المرحلة الأولي برر حزب الله تدخله وخوض المعارك مع القوات النظامية السورية بأنه يدافع عن عدة قري سورية علي الحدود اللبنانية، معظم سكانها من اللبنانيين، وأنه أرسل قواته لحماية الأماكن الشيعية المقدسة (مثل ضريح السيدة زينب في دمشق)، وغيره من الأماكن في مناطق سورية أخري، ولكن هذا التبرير لاقي نقداً لاذعاً من السوريين واللبنانيين الذين قالوا إن هذه المهمة هي مهمة الدولة السورية وليست مهمة قوات أجنبية غير سورية، كما أن الجميع تحدوا حزب الله أن يثبت حدوث اعتداء واحد علي الأماكن الشيعية في سورية، بل أكدوا العكس من ذلك بأن هذه الأماكن هي أماكن مقدسة عند السنة أيضاً ، ثم استغرب لبنان الرسمي والشعبي، أن يعطي حزب لبناني لنفسه الحق بإرسال مسلحيه ليحارب في دولة شقيقة مجاورة دون علم الدولة اللبنانية، وأخيراً حرّض قرار حزب الله بعض فصائل التنظيمات السنية في لبنان أن تعلن أنها سترسل مسلحيها أيضاً لدعم الشعب السوري، رغم أن الأحزاب السنية الرئيسية في لبنان أدانت هذا العمل إلا أنها رفضت مطلقاً عملية المشاركة في الصراعات السورية. وهكذا شعرت سياسة حزب الله وسياسة من هو خلفها فداحة قرار التدخل، وإمكانية إثارته لفتن طائفية، وخطورة خطاب التبرير، فطلع السيد نصر الله في خطاب متلفز أعطي لقرار حزب الله وتدخله مبررات جديدة مختلفة عن السابقة، وبعيدة عن التلوث بالخطاب الطائفي. الطابع الطائفي قال الأمين العام لحزب الله هذه المرة، أن تدخل الحزب إنما هو لحماية ظهره السوري، لأن سقوط النظام السوري هو أمر خطر علي حزب الله، ولذلك تدخل لنصرته، ولم يتعرض ببنت شفة للأسباب الطائفية التي ذكرها الحزب سابقا ، لكنه تورط بأن طالب الجهات اللبنانية المعادية لحزب الله أن تذهب إلي سورية لتصارع الحزب هناك وكأن سورية ساحة حرب، وهذا أزعج السوريين كثيراً، كما أدان الأمين العام الثورة السورية وعبر عن عدائه لها. علي أي حال، أعطي تدخل حزب الله المسلح في الشأن السوري طابعاً جديداً للصراع، كشف الغطاء عن أن السلطة السورية التي فشلت في تحويله إلي صراع طائفي لتبرير وحشية قمعها، لجأت إليه لإعطائه هذا الطابع، ومن جهة أخري أثبت التدخل ما كانت السياسة الإيرانية تنكره منذ زمن طويل وتصد عنها غائلة التدخل، إذ أن الناس هنا مقتنعون بأن حزب الله تدخل بأوامر إيرانية، وتأكدت قناعاتهم السابقة بأن إيران تشن حرباً طائفية. وهذا زاد الحقد الطائفي في سورية، رغم أنه لم يؤد إلي ممارسات طائفية حتي الآن، وأخيراً لم يعد في سورية كما يبدو أنصار كثر لحزب الله، وقليلون هم الذين يعتبرونه حزب مقاومة، ويتذكرون سمعته الكبيرة التي بناها خلال العدوان الإسرائيلي علي لبنان عام 2006، كما يتذكرون ، بالمناسبة ، دعم الشعب السوري غير المحدود لللاجئين اللبنانيين في ذلك العام، حيث يقابلون الآن بالجحود بل وبالعدوان عليهم، وبعضهم يعتبر أن السلطة السورية بقبولها تدخل حزب الله، أعطت الشرعية لكل تدخل عسكري أجنبي في الشأن السوري، علي مبدأ المعاملة بالمثل. يبدو أنها خطيئة تاريخية وقعت بها السياسة الإيرانية وحلفاؤها في لبنان وسورية: ستكون لها نتائج لا تحمد عقباها.