أعلنت الحكومة يوم الاثنين قبل الماضي في مؤتمر «تنمية محور قناة السويس» الذي عقد بقاعة المؤتمرات بمدينة نصر، وبحضور د. هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء ود. طارق وفيق وزير الإسكان ود. حاتم عبداللطيف وزير النقل والمواصلات ود. عمرو دراج وزير التخطيط والتعاون الدولي والفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس وبحضور محافظي بورسعيد والإسماعيلية والسويس وعدد من المستثمرين المصريين والعرب والأجانب إضافة إلي عدد من أهالي سيناء وعدد من السفراء المعتمدين في مصر.. أن مشروع تنمية محور قناة السويس سيكون «محور حياة ونمو وكنز استراتيجي» و«اللبنة الأولي لتحقيق الانطلاق الاقتصادي»، وأن هناك «دولا مجاورة من مصلحتها ألا يقوم هذا المشروع مثل إسرائيل وكذلك دبي خوفا من تأثير هذا المشروع علي موانيها». وأثار هذا الإعلان يوم 13 مايو الحالي، وقبل ذلك ما نشرته صحيفة «المصري اليوم» يوم 27 أبريل عن مشروع قانون تنمية محور قناة السويس بمواده الثلاثين، والكشف عن استقالة الفريق الاستشاري للمشروع برئاسة د. عصام شرف منذ ما يزيد علي ثلاثة أشهر.. أثار ردود أفعال واسعة علي مستوي الخبراء والفنيين والأحزاب والقوي السياسية والتجمعات الشعبية. وهناك اتفاق علي أهمية فكرة «تنمية محور قناة السويس» التي طرحت منذ ما يزيد علي 15 عاما وتمت من أجل تنفيذها دراسات وجهود عديدة، فقناة السويس – كما يقول «د. علي بسيوني» عضو الفريق الاستشاري المستقيل من المشروع والخبير في اقتصاديات النقل البحري والباحث الرئيسي لأكاديمية البحث العلمي الخاصة بمحور قناة السويس – «يمر من خلالها 10% من حجم التجارة العالمية، وتحمل السفن المارة بالقناة 35 مليون حاوية في العام بما يمثل 20% من عدد الحاويات في العالم، وإذا ما قارنا بين دولتي مصر وسنغافورة وفقا لإحصاءات 2010، فإن عدد السفن المترددة علي الموانئ المصرية بالبحر الأحمر والبحر المتوسط 26 ألف سفينة، بينما يبلغ عدد السفن المترددة علي موانئ سنغافورة 127 ألفا و299، رغم أن هناك تشابها في الظروف بين البلدين ولكن الفارق يكمن في الاستثمار الأمثل للإمكانات، كما أن رسوم العبور في قناة السويس حققت في العام الماضي 4.5 مليار دولار 60% للحاويات والتي بلغ عددها 31 مليون حاوية بمتوسط 91 دولارا للحاوية الواحدة، وهذه الأرقام هزيلة جدا إذا ما قورنت بالموانئ العالمية، واستشهد أيضا بميناء «روتردام» الذي حقق 22 مليار يورو في السنة، لذلك أقول للجميع إننا لابد أن نتكاتف جميعا في العمل من أجل إنجاح هذا المشروع». ولكن الخلاف والمعارضة للمشروع تنصب علي الشروط والتفاصيل ومشروع القانون الخاص بالمشروع الذي أعدته حكومة هشام قنديل. ويلخص المستشار طارق البشري في مقاله المهم الذي نشره في 10 مايو الحالي بصحيفة الشروق عورات هذا المشروع. - فالمشروع يجعل «إقليم قناة السويس» دولة داخل الدولة، فمواد القانون الثلاثيني ترفع يد السلطة المصرية عن هذا الإقليم ولا يبقي أي مظهر أو عنصر من مظاهر هذه السلطة علي إقليم مفروض أنه ينتمي لمصر وأنه جزء من أرضها، ويقرر في كل مواده «تنازل الدولة عن السيطرة عليه وانحسار ولايتها عنه» واستبعاد هذا الإقليم من كل النظم السارية في عموم الدولة المصرية. - ويمنح المشروع سلطات مطلقة لرئيس الجمهورية لا يملكها دستوريا.. فمشروع القانون لم يرسم حدود إقليم قناة السويس وترك لرئيس الجمهورية إصدار قرار بتحديده، وهو ما يعني أن لرئيس الجمهورية أن يقتطع من أرض مصر ما يشاء وبالحدود التي يراها، فيخرجها من سيادة القوانين المصرية عليها ومن هيمنة أجهزة الدولة، بالتناقض مع النص الدستوري الذي يقول إن مصر دولة مستقلة «موحدة لا تقبل التجزئة». - ولا تتبع «الهيئة العامة لتنمية إقليم قناة السويس» المنشأة طبقا لمشروع القانون أي كيان مؤسسي في مصر إلا رئيس الجمهورية، فهو الذي يضع بقرار منه قانونها الأساسي وهو الذي يحدد الأبعاد والحدود والمناطق الخاصة والمشروعات الداخلة في نطاق الهيئة. - وينزع المشروع اختصاصات محافظي بورسعيد والإسماعيلية والسويس، فهم يتبعون مجلس إدارة الإقليم في الواقع الفعلي، وتستطيع هذه الهيئة أن تنشئ لها فروعا داخل البلاد وخارجها، وللهيئة اختصاصات الوزراء ولكنها ليست مسئولة أمام السلطة التشريعية. - ومجلس إدارة الهيئة المكون من رئيس و14 عضوا يعينهم رئيس الجمهورية وحده دون شريك له في اختيارهم، والهيئة وما تسيطر عليه من إقليم «في حيازة شخصية لرئيس الجمهورية ذي الإرادة الطليقة في تعيين من يديرون شأن هذا الإقليم بعيدا عن كل سلطات الدولة وأجهزتها».. وبنص المادة 10 «تعتبر أموال الهيئة أموالا خاصة» أي يديرها القائمون علي الأمر كما لو كانت ملكا خاصا «وهي في الحقيقة صارت ملكا خاصا». - وتشمل هذه الملكية الخاصة «جميع الأراضي المملوكة للدولة والواقعة داخل قطاع الإقليم» فيما عدا ما يخص القوات المسلحة ووزارة الداخلية وهيئة قناة السويس، وتؤول للهيئة «الحقوق والالتزامات المترتبة علي العقود والتصرفات الواردة علي هذه الأراضي والمنشآت». وتؤكد جبهة الإنقاذ التي رفضت هذا المشروع أسباب الاعتراض تلك وتضيف إليها، فتقول في بيانها إن مشروع القانون الذي أعدته الحكومة «يحمل في طياته أخطارا هائلة، من بينها». تنازل الدولة المصرية عن ولايتها عن منطقة قناة السويس لهيئة جديدة ينشئها هذا القانون بقرار منفرد من رئيس الجمهورية، ويضعها فوق الدولة وسيادتها ومؤسساتها الوطنية ويحميها من المحاسبة سواء البرلمانية أو المحاسبية. تؤول إلي الهيئة الجديدة ملكية جميع الأراضي المملوكة للدولة والواقعة داخل الإقليم، بما فيها الموانئ والمطارات. للإقليم موازنة موازية للموازنة العامة للدولة لا تعرض علي البرلمان. يمنح مشروع القانون إعفاء ضريبيا للمستثمرين في إقليم قناة السويس لمدة 10 سنوات مبددا بالتالي حقا أساسيا من حقوق الشعب دون مبرر، بعد أن ثبت أن هذا الأسلوب في حفز الاستثمار ليس مجديا. تستحوذ الهيئة علي سلطة وضع نظام العمل والتأمينات بما يعنيه ذلك من خطر علي حقوق العمال وغيرهم من العاملين. وتضيف الجبهة الشعبية لمحور القناة أسبابا أخري للرفض. فقبل صدور القانون وقعت الحكومة عقدين مع شركة صينية وأخري إسبانية دون مزايدات، وقبل إقرار المخطط العام للمشروع، بهدف إنشاء أنفاق تحت القناة، إثنان للسيارات وثالث للسكك الحديدية!، وليس هناك ما يمنع من تكرار هذا التصرف. ويرصد «المركز الوطني لاستخدامات أراضي الدولة» التابع لمجلس الوزراء عددا من المخالفات القانونية في مشروع قانون محور قناة السويس، منها تناقض تبعية المحافظين للهيئة مع قانون الإدارة المحلية مما يجعل المواد 3 و4 و5 و6 و10 و15 و17 و24 متعارضة مع قوانين الدولة المصرية، وكذلك النص في المادة التاسعة علي اعتبار أموال الهيئة أموالا خاصة، بالإضافة الي تعارض هذه المادة مع المادة 26 من المشروع التي تنص علي أن أموال الهيئة أموال عامة!، وشمول المادة 20 للأصول العينية مما يؤدي للخلط بين رأس المال والإيرادات وهو خطأ محاسبي. ويوجه د. علي الغتيت أستاذ القانون الدولي ضربة قاصمة للقانون قائلا «المشروع يخدم مصلحة إسرائيل وليس مصلحة مصر» ويفصل الإقليم عن الدولة المصرية، ويتحدث عن إقامة دولة جديدة علي جزء من أراضي مصر. وتؤكد هذه الحقائق أن سلامة الفكرة لا تبرر وحدها الموافقة علي المشروع، فالأمر يحتاج إلي دراسات جادة ومشاركة مجتمعية حقيقية لكي يصدر القانون ومن ثم يتم إنشاء المشروع سليما متجنبا العيوب والأخطار كافة ، وحتي لا يكون مصيره مثل مشروعات قديمة مهمة هو الفشل وتبديد مليارات الجنيهات ومزيد من المصاعب الاقتصادية، كما حدث في مشروع توشكي وشرق التفريعة ووادي التكنولوجيا!