صرح وزير الخارجية الأمريكي ونظيره الروسي، والأمين العام للأمم المتحدة، وبعض الوزراء والسياسيين العرب والأوروبيين، معبرين عن تفاؤلهم بأن المؤتمر المقبل (جنيف 2) يشكل مفتاح الحل للأزمة السورية، ومازال وزيرا الخارجية الأمريكي والروسي يعلنان بدأب وبصريح العبارة منذ أسبوعين ومعهما آخرون، أن عقد المؤتمر سيحل بنظرهم الأزمة السورية، ويضع سورية علي طريق التسوية والسلم الأهلي، ورفض العنف وإعادة البناء. وكان هذا التفاؤل واضحاً لكنه لايتماثل مع موقف الشعب السوري، الذي مازال لا يصدق أن الحل قريب ، وأن المؤتمر سينعقد ، وأن التسوية سوف تتحقق، ولا يعوّل قيد أنملة علي مثل هذه الأفكار. عند استعراض مواقف كل من السلطة والمعارضة من مؤتمر جنيف ومن الاتفاق الأمريكي الروسي حوله ، نلاحظ أن السلطة ترفض رفضاً مطلقاً قبول تنحية الرئيس، كما ترفض قبول عدم ترشحه في العام القادم لولاية ثالثة، ولا تقبل أن يأمر أحد الجيش وأجهزة الأمن باستثناء الرئيس، وتصر علي أن تتمثل المعارضة (الموالية) والتي يتولي قادتها مناصب وزراء في وفد المعارضة المفاوض، كما تصر علي رفض مشاركة بعض قادة معارضة الخارج في الوفد المفاوض لأنها تتهمهم بالعمالة، وتستبعد مطلقاً إحالة مرتكبي الجرائم إلي المحاكمة، أو محاسبتهم بأي صيغة، أو حتي إقالتهم من الجيش والأمن، والسلطة غير مستعدة أيضاً لوقف العنف فوراً بحجة أن ذلك سيتيح فرصة (للإرهابيين المسلحين لاحتلال مناطق جديدة) كما لا تقبل إخراج المعتقلين المقدر عددهم بمائة وخمسين ألف معتقل، وترفض التعويض علي القتلي أو الذين دمرت بيوتهم وغير ذلك. أما المعارضة، فتصر علي تنحي الرئيس قبل بدء المفاوضات، وان تكون الحكومة الائتلافية التي ستشكل مطلقة الصلاحيات (بما في ذلك علي الجيش والأمن) ولا تقبل البتة رفض أي واحد من قادة المعارضة الاشتراك في المفاوضات ، وتعتبر أن المعارضة (الموالية) هي صنيعة النظام وليست معارضة، وتصر علي وقف العنف فوراً، وإخراج المعتقلين وإحالة المرتكبين إلي المحاكمة، والتعويض عن الخسائر البشرية والمادية. وهناك شكوك لدي المعارضة بأن يقبل أهل السلطة صياغة دستور بنقل الدولة إلي دولة ديمقراطية تعددية تداولية، وأن تجري انتخابات نزيهة وإشراف دولي، وأن يتضمن الدستور معايير الدولة الحديثة، وهذا ما ترفضه السلطة، تحت شعار السيادة الوطنية، وعدم تدخل الخارج بالشئون السورية، وعدم السماح لغير السوريين المشاركة الجدية وغيرها. من الواضح أن الطرفين أمام موقفين متناقضين كلياً، ومن الصعب إيجاد نقاط مشتركة بينهما، وبالتالي يتعذر الوصول لاتفاق حتي لو كان اتفاق الحد الأدني، وإن وافقت السلطة والمعارضة علي قرارات جنيف وقبلتها فإن كلاً منهم راهن علي عمومية القرارات، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل. في ضوء هذا كله يميل الشعب السوري، الذي يعرف السلطة أكثر من غيره، إلي التشاؤم، ولا يتأمل الوصول إلي أي اتفاق، مهما بذل الروس والأمريكيون من جهد، ذلك أن النظام لايري الأمر تسوية بل يراها قضية حياة أو موت، وهو علي غير استعداد لقبول أي تراجع عن جميع تفصيلات النظام السياسي الذي يقوده، بدءاً من هيمنة أجهزة الأمن وتحويل الدولة إلي دولة أمنية، وصولاً إلي اعتبار سورية بكاملها ملكاً شخصيا، وعلي ذلك فللحكومة الحق في الهيمنة علي الدولة، وبالتالي لأجهزة الأمن هذا الحق، وما الدولة والقطاع العام والجيش وغيرها إلا أجزاء من ملكية الحكومة ومن الصعب علي السلطة أن تقبل وجود مؤسسات أو ضوابط أو قوانين تطبق عليها وعلي أنصارها ومؤيديها ومواليها. وأخيراً إن صحت هذه المعطيات فلا شك أن التسوية بعيدة المنال.