اتخذ وزراء الخارجية العرب قرارات عديدة تتعلق بالشأن السوري، وتشكل هذه القرارات في النهاية إنذاراً صريحاً للنظام السياسي يقضي بأن توقف السلطة السورية العنف وتسحب الجيش من القري والمدن فوراً، وتعلن تراجعها عن الحل الأمني، وتقبل الحوار مع كل أطراف المعارضة السورية، علي أن يجري الحوار تحت رعاية الجامعة العربية وفي مقرها في القاهرة، وأعطت مهلة للسلطة مدتها خمسة عشر يوماً لانهاء هذه المهمات، كما قررت إرسال لجنة خماسية برئاسة قطر تضم (مصر والسودان والجزائر ولبنان) إلي سورية للتواصل مع كل الأطراف أي الحكومة والمعارضة.. تحفظ مندوب سورية في الجامعة العربية علي القرارات فور اتخاذها، وتحفظت السلطة السورية علي رئاسة قطر، ثم غيرت رأيها، وقبلت المبادرة من حيث المبدأ وقررت استقبال اللجنة في دمشق وبرئاسة قطر، إلا أنها أعلنت تحفظها علي مكان الحوار، وقالت إنها تريده في دمشق، ولا مبرر برأيها ليكون خارجها، وستعطي جميع الضمانات التي تطلبها الجامعة للسوريين الموجودين في الخارج (المحكومين أو الملاحقين) بأنهم لن يعتقلوا، مقابل أن يعقد الحوار في دمشق ويحضروه. رفضت أطراف المعارضة المشاركة في المجلس الوطني (المعارضة الخارجية) القبول بقرارات الجامعة، لأنها لا تقبل الحوار مع السلطة، بسبب قناعتها بعدم جدوي الحوار، بينما رحبت المعارضة الداخلية (هيئة التنسيق) بمبادرة الجامعة، علي أن يتم أولاً تنفيذ شروطها للحوار (شروط الجامعة) بإيقاف العنف وسحب الجيش والتراجع عن الحل الأمني فوراً، وإطلاق المعتقلين السياسيين من الذين يبلغ عددهم عشرات الألوف، فضلاً عن شروط أخري كانت هيئة التنسيق قد قررتها سابقاً، وقالت إنه بعد أن ينفذ النظام هذه المقدمات (الشروط) يمكن البحث في المرحلة اللاحقة، وأشارت الهيئة في بيانها أنها ستشرح موقفها لأعضاء لجنة الجامعة. تعتقد أوساط هيئة التنسيق أن السلطة السورية تحاول الالتفاف علي قرارات الجامعة، فهي دون أن تعلن قبول مقدمات الحوار (الشروط السابقة للحوار) أعلنت موقفها من مكان الحوار، وكأن المشكلة هي، ولم تعلن حتي الآن قبولها بهذه القرارات، ولا يعني استقبالها اللجنة قبول قرارات الجامعة، وتقول أوساط الهيئة إن النظام يلجأ إلي خدع جديدة منها خلط الأوراق، وإغراق الأطراف جميعها بالنقاش حول المكان، وإبعادها عن الحديث في وقف العنف وأصنافه وامتداداته، كما تخشي هذه الأوساط أن السلطة ستطرح علي لجنة الجامعة اقتراح دعوة ثلاثة معارضات أخري هي في الواقع معارضات مصطنعة وموالية للنظام، شكلها لتكون بديلاً عن المعارضة الحقيقية، ووسيلة بيد السلطة للتمويه. شروط الحوار قررت هيئة التنسيق إعداد مذكرة بموقفها لتقديمه للجنة الجامعة، وإن استقبلتها اللجنة فسوف تشرح لها موقفها (الواضح والصريح) القاضي بتنفيذ الشروط المسبقة للحوار، التي أشارت إليها قرارات الجامعة وقرارات الهيئة السابقة، وبدون أي تراجع أو لبس، لأنها ترفض منذ عدة أسابيع إجراء حوار بدون قبول السلطة بهذه الشروط التي تحقق مناخاً ملائماً للحوار. تواصلت السلطة السورية خلال الأشهر السابقة عدة مرات مع هيئة التنسيق، وكانت تطلب منها في كل مرة استئناف الحوار، مع رفضها وقف العنف أو الحل الأمني، أو إخراج المعتقلين أو السماح بالتظاهر السلمي، أي أنها كانت تريد أن تأتي هيئة التنسيق للحوار، والحال كما هو الحال، وكأن السلطة تستدعيها للإملاء عليها، وكانت السلطة دائماً وما زالت حسب رأي هيئة التنسيق تحاول جر الهيئة كي تتخلي عن مواقفها وتتراجع عنها، ولتحقيق ذلك تكيل لها المديح بمناسبة وبدون مناسبة، وتطلق عليها صفات قد تغريها وتساهم في تدجينها مثل (المعارضة الوطنية، أو العاقلة أو المسئولة) أو ما يشبه ذلك. وهي تريد منها الآن أن تتشارك معها في الحل بشروط السلطة لا بشروطها وتقبل تفسير قرارات الجامعة علي أنها بداية الحوار، دون التخلي عن الحل الأمني، وتكرس بذلك انشقاق المعارضة إلي داخلية وخارجية أو كما تقول السلطة (معارضة داخلية وطنية) وأخري (خارجية مشبوهة وربما عميلة) وتدخل الجامعة والمعارضة متاهات الحوار بالقضايا الثانوية مثل تعريف المعارضة، والحوار، والاتفاق علي مكان الحوار، ومن هي الجهات المعارضة التي سوف تشارك فيه، وما هو موضوع الحوار، هل هو البدء من نقطة الصفر، أم الحوار حول آليات تغيير النظام. برلماني تعددي تقول أوساط المعارضة الداخلية،أن أي حوار يقتضي أمرين: أولهما إيقاف الحل الأمني وإطلاق سراح المعتقلين والسماح بالتظاهر السلمي، وإحالة المرتكبين من القوات الأمنية إلي المحاكمة.. وشروط أخري وردت في بياناتها، والثاني أن يدور الحوار إذا بدأ بعد تحقيق هذه الشروط، حول الوسائل الأكثر نجاعة لتحويل النظام السياسي القائم إلي نظام ديمقراطي برلماني تعددي تداولي من دون لبس، والاتفاق علي ظروف وشروط المرحلة الانتقالية: مدتها، الجهة التي تقود البلاد إليها، الصلاحيات الممنوحة لهذه الجهة، بما في ذلك سيطرتها الكاملة علي أجهزة الأمن والجيش وغيرها، وحقها في اتخاذ القرارات التي تراها تجاه هذه الجهات وتجاه قادتها لتحقيق إقامة الدولة الجديدة الديمقراطية العصرية.