من التحديات التي تواجه المعرفة السينمائية في ثقافتنا العربية وتحد من قدرتها علي التطور، القصور الشديد فيما يتوافر من معرفة بتاريخ السينما المصرية، أقيمت حلقة بحثية بعنوان «السينما المصرية - الثورة والقطاع العام (1952 - 1972)» بالمجلس الأعلي للثقافة وربما تكون محاولة جادة في مواجهة هذين التحدين، وهذه الحلقة كانت الثالثة لحلقتين سبقتها الأولي بعنوان «السينما المصرية - النشأة والتكوين» والثانية هي «السينما المصرية - التأصيل والانتشار (1935 - 1952)». ونظمت هذه الحلقة تحت رعاية الفنان الوزير فاروق حسني، ود. عماد أبوغازي «الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة»، ود. سمير سيف «مقرر لجنة السينما» وذلك بإشراف المخرج هاشم النحاس وكان ضيف الشرف لهذه الحلقة المخرج الكبير، توفيق صالح، وقد استمرت لمدة أربعة أيام وشارك فيها نخبة من الأساتذة والنقاد والباحثين السينمائيين. السينما والثورة وفي ورقته أوضح محمد كامل القليوبي - مخرج وأستاذ السيناريو بالمعهد العالي للسينما - أنه مع ثورة يوليو 1952 وبينما كانت أجهزة الإعلام تبث دعايتها الديماجوجية عن الحركة المباركة كما أسمتها وقتها، بادرت السينما المصرية وبنفس الدرك من الهبوط والابتذال بتأييد الثورة، وأول فيلم تناول ثورة يوليو 1952 فيلم بالغ الهبوط من إخراج حسين فوزي اسمه «عفريت عم عبده» في شهر فبراير 1953، ثم كان تدخل الجيش في السينما عندما عين مجلس قيادة الثورة مندوبا له في أوائل عام 1953 اختص بشئون السينما هو المقدم «وجيه أباظة» من الشئون العامة للقوات المسلحة وتتالت الاجتماعات والندوات التي حضرها مندوب مجلس قيادة الثورة ومعظم سينمائيي مصر في ذلك الحين، وأسفرت هذه الاجتماعات عن ثلاثة اتجاهات، الاتجاه الغالب فيها والأول هو السينما التجارية القائمة، سينما التسلية المطلقة، وكان التظاهر بالاستجابة من هذا الاتجاه لمطالب مندوب القيادة فلم يتجاوز حيز أفيشات الإعلان عن الفيلم، فيعلن أنور وجدي عن فيلم «دهب» عام 1953 وهو عن مغامرات الطفلة المعجزة فيروز بعبارة «فيلم جديد نظيف في عهد جديد نظيف». السينما والفلسفة وقد بين د. حسن حنفي «أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة» من خلال ورقته أن الفن فرع من فروع الفلسفة وهو علم الجمال الذي يتناول موضوع الجمال بأشكاله ومضامينه، والسينما فن من الفنون، تعرض لها بعض الفلاسفة المعاصرين مثل برجسون في دراسة الصلة بين الصورة والحركة والذاكرة والإدراك الحسي. وأشار حنفي أن المخرج «توفيق صالح» كان يساريا لكنه لم ينضم إلي حزب سياسي سري أو علني، عاش فترة التحولات السياسية في مصر في الأربعينيات أثناء تكوين لجنة الطلبة والعمال في 1946 وسمع أسماء مصطفي النحاس ومحمد محمود، فبدأ الارتباط بين الوعي السينمائي والوعي السياسي في نفس الوقت، وهو ينتسب إلي مدرسة الواقعية الاشتراكية في الفن، فالموضوعات الغالبة علي أفلامه الحياة الشعبية، الفقر والدين الشعبي، القضاء والقدر، الصراع الاجتماعي، الثورة أو التمرد، الزعامة أو البطولة. المرأة والمرحلة الناصرية وأما د. فيولا شفيق «باحثة وأستاذة في السينما ومخرجة أفلام تسجيلية» فقد تحدثت عن قضية المرأة في السينما المصرية، من خلال تحليلها لأفلام مثل «أنا حرة» و«الطريق المسدود» و«الباب المفتوح» و«مراتي مدير عام» بالإضافة إلي ما تكشفه عن النظرة الطبقية والمتدنية للمرأة في الأفلام الميلودرامية السائدة، فقد أشارت أن في المرحلة الناصرية ظهر عدد من الأفلام الروائية المصرية أغلبها من إنتاج القطاع الخاص تناقش مسائل متعلقة بتحرير المرأة والمساواة وحق المرأة في العمل. القطاع العام لم يستمر أكد هاشم النحاس «مخرج سينمائي» أن دخول القطاع العام في السينما كان نتيجة حتمية للتطورات التاريخية، وأسهمت التفاعلات الاجتماعية - الاقتصادية التي خلقتها هذه التطورات نفسها في تحديد الزمن، ولم يعد أمام الدولة اختيار غير الدخول في هذا المجال في هذا الوقت، استجابة لتطوير علاقة السلطة الحاكمة بالمجتمع وإنقاذا للسينما التي كادت أن تتوقف وتعرض العاملين فيها للبطالة بفعل هذه التطورات، ومن ثم كان للقطاع العام - في ضوء هذه الظروف - الفضل في ضخ ماء الحياة في السينما لكنه لم يستمر طويلا.