في ضوء التطورات العالمية والاقليمية الجديدة علي المستوي السياسي والاقتصادي والتكنولوجي, وحيث تحتل المنتجات المرتبطة بالصناعات الابداعية والثقافية وصناعات المعرفة أهمية متصاعدة. رغم تفاوت موقعها من عملية صنع السياسات وتخصيص الموارد فيما بين البلاد, فان صناعة السينما تأتي في هذا الصدد ضمن عناصر القوة الناعمة التي تسهم في خدمة أهداف ومصالح الدول والمجتمعات التي تنتجها وتنجح في ترويجها خارج حدودها, وفي هذا السياق عادة ما ينظر إلي السينما المصرية كتجربة رائدة في اطار ظرفها التاريخي, من خلال ماحققه مشروع طلعت حرب الثقافي السينمائي تحديدا في الثلاثينيات من القرن العشرين من تصديرللنموذج الثقافي المصري علي نحو ساعد علي توفير مقومات الدفع للدور السياسي والحضاري لمصر في المنطقة العربية في مراحل تاريخية متقدمة, كما تأتي السينما المصرية علي المستوي الاقتصادي والمؤسسي, لتمثل مع غيرها من السينمات الراسخة علي اختلاف أحجامها وأسواقها كالسينما الامريكية والسينما الهندية) نشاطا اقتصاديا متشابك الحلقات من انتاج وتمويل وتنفيذ وتسويق وعرض وتبادل وحفظ وترميم وتخزين. وتراكم للخبرات وتأهيل للكوادر البشرية, بالاضافة إلي ما تتمتع به صناعتها من امكان اعادة طرح منتجها وتداوله وتدويره واستثماره بشروط جديدة وفي أسواق متنوعة وفي آجال متعددة. وفي ضوء مايطرح من أفكارعلي الساحة الفكرية والثقافية( وتحديدا ماجاء في سلسلة المقالات المتتابعة للأستاذ الدكتور جابر عصفور بأهرام الاثنين خلال الفترة من28 ديسمبر2009 إلي8 فبراير2010 بشأن تغير مكانة مصر الثقافية) فان تتبع ماتمر به صناعة السينما, وأسواقها علي المستوي العالمي, بل وعلي المستوي الاقليمي, يؤكد أننا بصدد مستقبل تشكلت بالفعل أبعاده ليتشابك مع حاضرنا حاملا معه من التحديات ما لايستحق التأجيل. تتمثل أهم الأبعاد والتحديات المرتبطة بمكانة السينما المصرية في مسألة دعم الدولة للسينما مابين تراجعها وأشكال عودتها أخيرا مع تقييم أبعاد التجربة في ضوء نتائجها المتتابعة في المدي القصير ومدي اعتبار هذا الدعم ضرورة أم مرحلة. السياسات الاستثمارية والأدوات المالية من قوانين ومزايا واعفاءات ضريبية وجمركية مرتبطة بدعم الكيانات الاقتصادية الكبيرة وبتيسير تقديم خدمات التصوير الأجنبي في البلاد في ظل أوضاع المنافسة الإقليمية علي تقديمها. كذلك مخاطر الإهدار المتعمد وغير المتعمد للتراث السينمائي, واجراءات حفظ الذاكرة السينمائية والترميم وضوابط تداول النسخ الاصلية للأفلام في إطار ما يجري علي ارضع الواقع من عمليات تداول تحتاج إلي المراجعة وربما إلي الإنقاذ.. بالاضافة إلي حماية حقوق المنتج والمبدع وحماية الملكية الفكرية من عمليات القرصنة عابرة الحدود في ظل التطور المتتابع لتقنياتها وملاحقتها لكل انتاج جديد, واتجاهات تطور مؤسسات المجتمع المدني المعنية بالصناعة, وتنظيم النشاط وحماية حقوق المهنة( غرفة صناعة السينما, نقابة السينمائيين. الجمعيات السينمائية) هذا بالاضافة إلي معايير حماية المهنة ومدي سعة المنظور المرتبط بها واستيعابه لعناصر وكوادر بشرية واعدة علي المستوي المحلي والعربي والخارجي. يجب الالتفات أيضا إلي أهمية تأهيل العناصر البشرية والكوادر خلف الكاميرا وأمامها بمعرفة المؤسسة الرسمية( معهد السينما), والقطاع الخاص والمبادرات الفردية الصاعدة أخيرا في هذا الصدد ومدي تأهلها لمجابهة متطلبات الحاضر والمستقبل والانفتاح علي الخارج, علاوة علي المؤسسة الرقابية( جهاز الرقابة علي المصنفات الفنية) وموقعها من التحديات السياسية والتكنولوجية الجديدة في ظل ثورة الاتصالات والسماوات المفتوحة, ومدي ملائمة القانون المنظم لوظيفتها السياسية التقليدية( حماية قيم المجتمع والآداب العامة والأمن العام), اعادة صياغة مفهوم المجال والسوق, وبروز السينما المستقلة( فنيا واقتصاديا ومؤسسيا) واتجاهات احياء السينما التسجيلية والتوثيقية بمعايير جديدة في ضوء تطور وسائط البث والعرض والتقنيات الرقمية الجديدة, وتنوع أجناس الافلام خارج نطاق السوق التقليدية( الافلام الروائية القصيرة.. الافلام القصيرة جدا, أفلام الموبايل).. ومدي امكان ادماجها في السوق في المدي البعيد, وتوسيع المجال وتنوع المنتجات والتأثير في عادات المشاهدة لدي الجمهور في اتجاه تنويع الطلب علي الفيلم وتقسيم الأسواق, وبروز الإعلام كطرف مهم في الشأن السينمائي, سواء إعلاء المؤسسة الرسمية أو الاعلام الخاص المحلي والعربي والمشترك, ليس فقط كمنافس ولكن أيضا كفاعل في تمويل وانتاج الافلام وعرضها حصريا,ومدي تأثير هذا النمط من التمويل علي الصناعة والسوق والتراث السينمائي في المدي القصير والطويل. من الضروري الأخذ في الاعتبار امكانات الدعم الخارجي( الفرص والقيود) في اطار التعاون مع المؤسسات الدولية والاقليمية والحكومات والقطاع الخاص الاجنبي ومنظمات المجتمع المدني في إطار تمويل أفلام الإنتاج المشترك وغيره من حلقات الصناعة من ترميم وتوثيق وتدريب وتأهيل الكوادر والأجيال الجديدة للتعامل بالانظمة والتقنيات المستحدثة, وتبادل الأفلام والعروض السينمائية في اطار تنويع عروض الافلام متعددة المصادر والثقافات, فضلا عن تطور صناعة المهرجانات كنشاط صاعد علي مستوي البلد الواحد وفيما بين البلاد وتنوعها وتباين ميزانياتها ودخول فاعلين جدد في ظل نمو المجتمع المدني وثورة الاتصالات, وما حققته من امكانية التواصل والتنسيق بين الاجيال والجماعات السينمائية الجديدة عبر البلاد خارج مجال التنظيمات الرسمية التقليدية الراسخة, مع مراعاة مصادر التمويل المتنوعة المتاحة والمحتملة للفيلم المصري ومدي اعتماد الصناعة علي ذاتها من حيث التمويل والتقنيات والمضمون( سواء ما يتعلق بالمكون الفني الابداعي أو المكون المادي التقني) ومدي استجابة الصناعة للمتغيرات الخارجية وحساسيتها في مواجهة الازمات الاقتصادية والتحولات التقنية, وبروز بعض الكيانات السينمائية الكبيرة المنتجة والمشاركة لرأس المال العربي وذات الميزانيات العملاقة, وتشابك نشاطها( التمويل والتوزيع والعرض) والتكتل وتقسيم السوق فيما بينها, ومدي تأثير تلك التوجهات علي مستقبل وحاضر الصناعة والواعدين الجدد فيها. ومدي التوازن الجغرافي في توزيع قاعات العرض وانتشارها علي مستوي مصر, وتطوير المؤسسات والوسائط المرتبطة بنشر الثقافة السينمائية عبر قنوات متعددة. من الواجب الانتباه إلي موقع صناعة السينما المصرية من المستجدات العالمية المرتبطة بآلية تمويل وإنجاز الفيلم من خلال فك حلقات النشاط السينمائي بمختلف عناصرها علي مستوي الفيلم الواحد ونشرها عبر البلاد لاعتبارات الكفاءة والتجويد أو ارتباطا بشروط التمويل, أو في ضوء الحسابات الاقتصادية البحتة, وحيث انتقلت الصناعة علي المستوي الخارجي من مرحلة الفيلم المشترك إلي الفيلم متعدد الجنسية, مع ضرورة تقدير أثر ذلك علي صناعة السينما المصرية كمصدرة, وكمستوردة وكمتلقية لتلك الخدمات والتطورات الاقليمية الجديدة في المجال, وأجواء التنافس غير المألوفة, ليس فقط علي مستوي بزوغ انتاج سينمائي عربي غير مصري يطرح نفسه بتردد أو بثقة أحيانا في بعض المحافل العربية والاقليمية, أو بشأن تنازع المهرجانات والتداخل الزمني في مواعيد اقامتها علي مستوي المنطقة العربية وإنما تحديدا ما يتعلق بواقع المنافسة العربية/العربية المرتبطة بتوطين استثمارات كبري بدعم من الدولة والقطاع الخاص المحلي والمشاركات الاجنبية في بلاد المغرب العربي والخليج في فروع وحلقات مختلفة من الصناعة من خلال توفير بنية مادية وتقنية جديدة ومتطورة واستقطاب كوادر بشرية وخبرات مؤهلة من شتي أرجاء المعمورة بهدف إيجاد مراكز تنافسية جديدة لاتعتمد علي مااستقر من قواعد مادية تاريخية راسخة ومن تراث ثقافي متراكم علي النحو الذي عرفته التجربة الممتدة لصناعة السينما في مصر والهند. وتفرض تلك الأبعاد في مجملها مراجعة المفاهيم المستقرة المرتبطة بمناطق النفوذ التاريخية للفيلم المصري خارج حدوده, وتحليل امكانات النفاذ إلي مناطق وأسواق غير تقليدية من خلال آليات ترويجية مستحدثة تناسب والاوضاع التنافسية الجديدة, وفي اطار رؤية اكثر استيعابا للتطورات والابعاد الخارجية والداخلية المعنية بالشأن الثقافي والتعليمي والإعلامي وبمؤسسات صنع القرار وبالقوي الفاعلة والمؤثرة علي المجتمع والسوق لما لها من تداعيات علي صناعة السينما وتوجهاتها المادية والفنية ويأتي عنصر الشفافية ليطرح نفسه بإلحاح في المسألة السينمائية المصرية المعاصرة, حيث تفتقر اليه بعض أهم مؤشراتها التي تسعف في طرح مسارات تطورها بغرض صنع مستقبل جدير بتاريخ تلك الصناعة التي تم نسب القرن العشرين اليها بوصفه قرن السينما, وكانت نهضتها في مصر في مواضع من هذا القرن ركنا من أركان نهضة مصر.. حينذاك.. ولعلها في المستقبل الحاضر بتحدياته.