المصريون بالخارج يواصلون التصويت في جولة الإعادة لمجلس النواب    رئيس جامعة كفرالشيخ يلتقي بالطلاب الوافدين ويؤكد الحرص على تقديم بيئة متميزة    قناة السويس تنفي استقبال سفينة تحمل معدات عسكرية وأسلحة بميناء بورسعيد    بالتزامن مع عطلة أعياد الميلاد.. استقرار أسعار الذهب بمنتصف تعاملات الخميس 25 ديسمبر    رانيا المشاط ل «خارجية الشيوخ»: اقتصاد مصر دخل مرحلة تحول حقيقى منذ مارس 2024    نائب محافظ الجيزة يتفقد المراحل النهائية لتشغيل محطة رفع الصرف الصحى بدهشور    جيش الاحتلال يعلن استهداف عنصر في فيلق القدس الإيراني    ويتكوف يبلغ الوسطاء وإسرائيل بموعد بدء المرحلة الثانية من اتفاق غزة    إسرائيل بين هواجس الأمن وشبح الاختراق... تجسس مزعوم بطلب إيراني يعيد التوتر إلى الواجهة داخل تل أبيب    هل يمنح اتفاق تبادل الأسرى هدوءاً نسبياً لليمن؟.. ترحيب عربى ودولى.. تبادل 3000 أسير ومختطف برعاية الأمم المتحدة.. توقعات بأن يشمل الإفراج عن قيادات بارزة بحزب الإصلاح.. مجلس الأمن: ندعم السلام فى اليمن    صدارة وفوز.. نيجيريا تحقق أول أهدافها في كأس أمم أفريقيا 2025    مفاجأة مدوية في قضية «منشار الإسماعيلية».. الدفاع يطالب بإحالة والد المتهم للجنايات    إغلاق موقع إلكتروني مُزوّر لبيع تذاكر المتحف المصري الكبير    المنيا تنفرد بتطبيق نظام الباركود للمحاصيل الحقلية    محافظة قنا تواصل تطوير طريق قنا–الأقصر الزراعي بإنارة حديثة وتهذيب الأشجار    فيديو.. سرب مكون من 8 مقاتلات حربية إسرائيلية يحلق فوق جنوب وشرق لبنان    أشرف حكيمي يدعو كيليان مبابي وديمبيلي لحضور مباراة المغرب ضد مالي    الجيش السوداني يصدّ محاولة اختراق للدعم السريع قرب الحدود مع مصر وقصف جوي يحسم المعركة    عاجل- المركز الإعلامي لمجلس الوزراء ينفي بيع مصانع الغزل والنسيج ويؤكد استمرار المشروع القومي للتطوير دون المساس بالملكية    اتحاد الكرة يحذر من انتهاك حقوقه التجارية ويهدد باتخاذ إجراءات قانونية    برلماني: الوطنية للانتخابات وضعت خارطة طريق "العبور الآمن" للدولة المصرية    محافظ الفيوم يعتمد جدول امتحانات النقل لمدارس التعليم الفني    رفع آثار انقلاب سيارة ربع نقل محملة بالموز وإعادة الحركة بالطريق الزراعي في طوخ    وزير الخارجية: التزام مصر الراسخ بحماية حقوقها والحفاظ على استقرار الدول المجاورة    كوروكوتشو: مصر واليابان تبنيان جسرًا علميًا لإحياء مركب خوفو| حوار    بعد 25 سنة زواج.. حقيقة طلاق لميس الحديدي وعمرو أديب رسمياً    صندوق التنمية الحضرية يعد قائمة ب 170 فرصة استثمارية في المحافظات    إزالة مقبرة أحمد شوقي.. ماذا كُتب على شاهد قبر أمير الشعراء؟    هل للصيام في رجب فضل عن غيره؟.. الأزهر يُجيب    محافظ الدقهلية: تقديم أكثر من 13 مليون خدمة صحية خلال 4 أشهر    ما هو ارتجاع المريء عند الأطفال، وطرق التعامل معه؟    الوطنية للانتخابات: إبطال اللجنة 71 في بلبيس و26 و36 بالمنصورة و68 بميت غمر    مدينة الأبحاث العلمية تفتتح المعرض التمهيدي لطلاب STEM المؤهل للمعرض الدولي للعلوم والهندسة ISEF–2026    ضبط 19 شركة سياحية بدون ترخيص بتهمة النصب على المواطنين    إيرادات الأفلام.. طلقني يزيح الست من صدارة شباك التذاكر وخريطة رأس السنة يحتل المركز الخامس    وزارة الثقافة تنظم "مهرجان الكريسماس بالعربي" على مسارح دار الأوبرا    تأجيل محاكمة رئيس اتحاد السباحة وآخرين بتهمة الإهمال والتسبب في وفاة السباح الطفل يوسف    ادِّعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها.. الأزهر للفتوي يوضح    بشير التابعي يشيد بدور إمام عاشور: عنصر حاسم في تشكيلة المنتخب    البابا تواضروس يهنئ بطريرك الكاثوليك بمناسبة عيد الميلاد    محافظ الجيزة يفتتح قسم رعاية المخ والأعصاب بمستشفى الوراق المركزي    محافظ الوادى الجديد يلتقى المستشار الثقافى للسفارة الهندية بالقاهرة    رجال سلة الأهلي يصلون الغردقة لمواجهة الاتحاد السكندري بكأس السوبر المصري    حسام حسن: ⁠طريقة لعب جنوب أفريقيا مثل الأندية.. وجاهزون لها ولا نخشى أحد    مصادرة 1000 لتر سولار مجهول المصدر و18 محضرا بحملة تموينية بالشرقية    سيول وثلوج بدءاً من الغد.. منخفض جوى فى طريقه إلى لبنان    شوبير يكشف موقف "الشحات وعبد القادر" من التجديد مع الأهلي    الصحة تعلن اختتام البرنامج التدريبي لترصد العدوى المكتسبة    من هو الفلسطيني الذي تولي رئاسة هندوراس؟    المتحدث العسكري: قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أبريل 2026    عبد الحميد معالي ينضم لاتحاد طنجة بعد الرحيل عن الزمالك    نائب وزير الصحة تتفقد منشآت صحية بمحافظة الدقهلية    أمن القليوبية يكشف تفاصيل تداول فيديو لسيدة باعتداء 3 شباب على نجلها ببنها    لليوم الثاني.. سفارة مصر بإيران تواصل فتح لجان التصويت بجولة الإعادة للدوائر ال19 الملغاة    حكم تعويض مريض بعد خطأ طبيب الأسنان في خلع ضرسين.. أمين الفتوى يجيب    هل يجب الاستنجاء قبل كل وضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    أحمد سامي يقترب من قيادة «مودرن سبورت» خلفًا لمجدي عبد العاطي    ما حكم حشو الأسنان بالذهب؟.. الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. محمود إسماعيل يكتب : مفهوم الدولة بين العلمانيين والدينيين (5-10)
نشر في الأهالي يوم 05 - 02 - 2013

سبق أن عرضنا – بإيجاز – لمفهوم الدولة الثيوقراطية علي الصعيد النظري، وانتهينا إلي أن الدولة الدينية محض خرافة، ذلك أن الدين له قداسته، والدولة مؤسسة سياسية، وشتان بين القيم والمثل الدينية «القطعية» وبين «لعبة» السياسة المؤسسة علي مبدأ «النسبية»، إذ هي – حسب تعريفها المجمع عليه – «فن الممكن»، هذا فضلا عن أنها تضرب بالمثل والقيم العليا عرض الحائط، وتعول علي عامل «المصلحة» و«النفعية» و«البراجماتية»، في أحسن الأحوال «النادرة»، والخداع والدهاء.. وحتي الاغتيال طالما تتحقق المصلحة، «فالغاية تبرر الوسيلة»، حسب «مكيافيللي»، كما هو معروف.
لذلك، آثرنا استعارة مصطلح «الدولة الثيوقراطية» بديلا ل «الدولة الدينية»، تأسيسا علي أن إديولوجيتها ما هي إلا فهم «الكهنوت» للدين، وهو فهم موجه للتبرير والتسويغ بإكساب الحاكم سلطة مطلقة، باعتباره «ظل الله علي الأرض».
ومن ثم، لا نبالغ إذ نجزم – نتيجة قراءة التاريخ – بأن كل الدول الثيوقراطية ما هي إلا تكريس للاستبداد.
لإثبات ذلك، علينا أن نتوقف عند قول السيد المسيح: «مملكتي ليست من هذا العالم» و«طوبي للمساكين بالروح، لأن لهم ملكوت السماوات».
لذلك لا تنطوي تعاليمه علي أي دلالة سياسية، كما اعتبر القديس أوغسطين ممالك الأرض بمثابة «مملكة الشيطان».
مملكة الله
أما عن ترجمة الفكر الثيوقراطي إلي واقع تاريخي، فقد تمثل في دولة اليهود بأورشليم، وحسبنا أن مصطلح «الثيوقراطية» ذاته هم الذين صاغوه، وإذا كان ابن خلدون يعتبر العصبية والدعوة الدينية أساس قيام الدول وسقوطها، فقد اعتبر اليهود أنفسهم «شعب الله المختار» لأنهم أقرب الشعوب إلي الله، من هنا اعتبروا مملكتهم مملكة الله، فمزجوا العصبية بالدين اليهودي، وهو ما ورد في سفر التثنية في عبارة «إسرائيل يحكمها الله بصورة مباشرة»، تأسيسا علي كون شريعتهم المفصلة تنطوي علي أحكام تغطي كل جوانب الحياة.
إذ يري البعض أن ما ذكرناه آنفا يعني أن الدولة الدينية حقيقة تاريخية وقعت بالفعل، فنحن نقر بذلك، لكننا نتساءل: هل طبق اليهود شريعة الرب؟ تأتي الإجابة من التوراة نفسها في العبارة: «الرب تكافئون بهذا يا شعبا غبيا غير حكيم»!!
وإذ يري البعض أن الدول الأوروبية الثيوقراطية في العصور الوسطي نسجت علي غرار الأنموذج اليهودي، فنحن نعتقد أن أديولوجيتها جري صياغتها من تصور الكهنوت لنصوص «العهد الجديد»، فضلا عن التأثر بما عرف باسم «الطغيان الشرقي» المؤسس علي ما أسماه ماركس بنمط الإنتاج الآسيوي الذي أشرنا إليه من قبل، ومع ذلك يبقي الأساس الاقتصادي المتمثل في نمط الإقطاع الفيودالي يشكل ركيزة الدولة الثيوقراطية، ولا غرو، فقد كانت الكنيسة في تنظيمها «الإكليروسي» مماثلة للنظام الفيودالي «الهيراركي»، بحيث يمكن القول علي الصعيد الواقعي إنها تنظيم إقطاعي لاهوتي مواز للعرف الإقطاعي، فكان لها ضياعها الواسعة، وتفرض الضرائب الخاصة بها، بحيث كانت أملاك البابا تفوق كل ما يتملكه ملوك أوروبا.
أكثر من ذلك كان يتمتع بنفوذ سياسي يفوق سلطة الملوك، باعتباره هو الذي يعطيهم مشروعية الحكم، ويضفي عليه طابعه الثيوقراطي، ويلزم الرعية بالطاعة العمياء، تفسيرا تبريريا لمقولة الإنجيل «ما لقيصر لقيصر، وما لله لله»، لذلك كان علي الشعوب أن ترضخ لحكم الملوك لقرابة خمسة قرون من الزمان، وحسبنا أن البابا كان بوسعه أن يعزل الملوك، وحتي الأباطرة – إذا ما فكروا في الخروج عن طاعته – بإصدار «قرار الحرمان» الذي ينزع عنهم المشروعية الثيوقراطية، وفي حال رضوخ الملوك والأباطرة لمشيئة البابا – التي هي مشيئة الله – يتمتعون بالقداسة، تأسيسا علي قول اللاهوتي «ترتليانوس»: «الإمبراطور هولنا أكثر مما هو لإنسان آخر، لأن إلهنا هو الذي أقامه»، وفي ذلك تبرير للحكم المطلق لأباطرة العصور الوسطي.
ظهور البورجوازية
علي أن هذه النظرية المنبثقة أصلا من الواقع السوسيو – اقتصادي الفيودالي ما لبثت أن اهتزت – إبان عصر النهضة – بخلخلة الفيودالية وظهور البورجوازية التجارية، لذلك كان من الطبيعي أن ينعكس هذا التطور علي الإديولوجيا الثيوقراطية، إذ جري تأويل اللاهوت لصالح الناسوت – إلي حد ما – عندما اضطر الكهنوت إلي الاعتراف بحق الشعوب في اختيار حكامهم، لأن الله لا يختار الحكام مباشرة، بل يوجه التاريخ بمشيئته التي تضع اعتبارا للشعب المسيحي.
ومع تنامي المد البورجوازي، أرغم الكهنوت – مرة أخري – علي تأويل اللاهوت السياسي بما لا يلزم الشعوب بطاعة الطغاة، وفي ذلك أفتي «يوحنا السالسبوري» و«القديس توماس الإكويني» بجواز قتلهم.
بظهور حركة الإصلاح الديني – التي كانت إنجازا للبورجوازية المتطورة – بدأت إرهاصات النيل من «الكهنوت» واستبداد الملوك في آن، وحسبنا أن الحركة انطلقت أساسا لمواجهة انحراف رجال الدين عن تعاليم السيد المسيح، واحتكارهم تفسير الكتاب المقدس، لذلك دعا «مارتن لوثر» إلي رفض ركام التفسيرات الكهنوتية السابقة، والعودة إلي الكتاب المقدس مباشرة، من ناحية أخري ظهرت دعوات تشترط عدالة واستنارة الحاكم كموجب للطاعة.
تأويل اللاهوت
في هذا الصدد، يعزي الفضل إلي «كالفن» في الدعوة لضرورة قيام الحاكم بوضع نظام من الضوابط، وذهب إلي ما هو أبعد من ذلك حين اعتبر نظام «الانتخاب» إنما هو محاولة للتعرف علي أن الله رفع شخصا مناسبا لمنصب الرئاسة، «وينبغي أن يكون للحاكم المنتخب نفس الولاء والاحترام الذي نكنه لناخبيه».
ويضيف: «من الأهمية بمكان أن يضع الملوك نصب أعينهم أن الواجب الأول للحكم هو المحافظة علي عبادة الله الخالصة، واقتلاع الوثنية وانتهاك الحرمات، والتجديف والزندقة من جذورها».
تشي تلك العبارات – وغيرها كثير لا يتسع المجال لعرضه – بتحولات ملحوظة للتخفيف من غلواء الكهنوت واستبداد الحكام عن طريق تأويلات متطورة للاهوت، صحيح أن حركة الإصلاح الديني لم تحقق إنجازا معتبرا في مواجهة الكنيسة الكاثوليكية وأتباعها من ملوك «التفويض الإلهي المقدس»، لا لشيء إلا لأن نظام الإقطاع الفيودالي مازال قائما ومتجذرا، وهو ما يفسر حقيقة فطن إليها «دوب» تكمن في أن البورجوازية التجارية أعجز من أن تتمكن من اجتثاث جذور الفيودالية، لكنها قادرة بالفعل علي خلخلة البنية الإقطاعية.
لذلك، ظلت الأبنية «الفوقية» – علي مستوي الفكر السياسي – قائمة ومسيطرة، لكنها مع ذلك بدأت إرهاصات التبشير – علي الأقل – بعالم جديد والتمهيد للدولة المدنية الديمقراطية التي لم تتحقق إلا مع نجاح البورجوازية المظفر – بعد تحولها إلي رأسمالية علي إثر الثورة الصناعية – في القضاء علي الإقطاع الفيودالي بجرة قلم، ومن ثم تحجيم دور الكهنوت لصالح الناسوت.
نص مفتوح
خلاصة القول، إن الإديولوجية الدينية – كما يقول المرحوم محمد أركون – قابلة للتطوير، بل التحول حسب معطيات الواقع، باعتبارها غطاء فضفاضا، ونصا مفتوحا قابلا للتأويل.
ونقول – من جانبنا – إن الأديان جميعا تنطوي علي مبادئ سامية – كالحرية والعدالة والمساواة ونحوها – يمكن علي هديها استلهام ما يحقق للإنسان غايته من السعادة في المعاش والمعاد، وفي هذا الصدد، يتحامل «سدني هوك» علي الكهنوت الذي يوجه اللاهوت لتبرير الطغيان، ويتساءل: «كيف يمكن أن نتصور أن يكون الطغاة هم أداة العدالة الإلهية التي تعاقب بها شعبا خرج عن جادة الحق؟!!»
في نفس المنحي يقول الفيلسوف الفرنسي «جوزيف دي ميستر»: «إن العقل والتجربة يجتمعان ليقيما الدليل علي أن الدستور هو عمل إلهي».
لنحاول في المقالات التالية، عرض مفهوم الدولة الثيوقراطية في الفكر والتاريخ الإسلامي، لعلها تسفر عن فائدة ما فيما يدور في مصر الآن من جدل سفسطي عقيم عن «دولة الخلافة» المزعوم إحياؤها من قبل الإسلامويين الخارجين من الكهوف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.