جامعة أسيوط تعلن مواعيد الكشف الطبي للطلاب الجدد    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن القبول المبدئي بمسابقة تعيين 57 مهندسًا بالنقل النهري    الإحصاء: 5.9 مليار دولار قيمة التبادل التجاري بين مصر والسعودية بالنصف الأول من 2025    اقتصادية «قناة السويس» تبحث تفعيل الاتفاقات مع «أكوا باور» و«إيتوشو» اليابانية    وزير الثقافة يعلن محاور وأهداف مؤتمر «الإبداع في زمن الذكاء الاصطناعي»    هبوط جماعي لمؤشرات البورصة في نهاية تعاملات الخميس    رئيس مركز القدس للدراسات: الحديث عن احتلال غزة جزء من مشروع "إسرائيل الكبرى"    الرئيس اللبناني: نعول على دعم بريطانيا من أجل التمديد لليونيفيل    مغربي جديد بالدوري الإنجليزي.. رسميًا أمين عدلي ينضم إلى بورنموث    نجم كريستال بالاس يرفض توتنهام.. حقق حلم طفولته    نجم برشلونة يدخل دائرة اهتمام مارسيليا    محافظ البحيرة تعتمد نتيجة امتحانات الدور الثاني للشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 98.5%    «الصحة»: وفاة شخصين وإصابة 18 في حادث تصادم طريق «الإسكندرية - مطروح»    حار رطب نهارا.. الأرصاد تكشف حالة الطقس غدا    تشييع جنازة ضحايا انهيار عقار شارع مولد النبي في الشرقية    انتشال قطع أثرية غارقة من خليج أبو قير بالإسكندرية خلال احتفالية التراث المغمور    أحمد سعد يتألق في مهرجان الشواطئ بالمغرب ويحتفل بعيد ميلاده مع الجمهور    مواجهات مرتقبة في إفتتاح دوري المحترفين    وزير الأوقاف يدين الهجوم على مسجد في نيجيريا ويدعو "للتصدي لفكر التطرف والإرهاب"    «نتنياهو» يصعّد هجومه ضد رئيس وزراء أستراليا    وسائل إعلام إسرائيلية: أنباء أولية عن عملية عند حاجز عسكري قرب مدينة الخليل    وزيرة التنمية المحلية تتابع مع محافظ أسوان مشروعات الخطة الاستثمارية    النيابة تسلمت نتيجة تحليل المخدرات.. تجديد حبس السائق المتهم بدهس 9 أشخاص بكورنيش الإسكندرية    خلافات أسرية تنتهي بجريمة مروعة.. مصرع سيدة وإصابة ابنتها طعنًا بالدقهلية    القبض على البرلماني السابق رجب حميدة بشأن أحكام قضائية في كفر الشيخ (تفاصيل)    نقيب الصحفيين: تقديم بلاغ ضد «ڤيتو» مؤشر يجب التوقف أمامه في ظل غياب آليات واضحة لتداول المعلومات    محافظ الجيزة يكلف مديرية الطرق بإعداد خطة متكاملة لرصف ورفع كفاءة وإنارة جميع الأنفاق    بسمة داوود صحفية في مسلسل «ما تراه ليس كما يبدو» (صور)    سهرة ل أوركسترا القاهرة السيمفوني بمهرجان القلعة 2025    «التلواني»: «الرعاية الصحية» تضاعف الإنجاز وتستعد لتشغيل محافظات المرحلة الثانية    نائب وزير الصحة يتفقد مستشفى رأس الحكمة ويوجه بسرعة تشكيل فرق عمل لرفع كفاءتها    ندوة حول التأمين الصحي الشامل وتطوير الخدمات للمواطنين في بورسعيد    تحرير 126 مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    مدبولي يدعو مجموعة "تويوتا تسوشو" اليابانية للاستثمار بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس    رفضه لجائزة ملتقى الرواية 2003 أظهر انقسامًا حادًا بين المثقفين والكتَّاب |السنوات الأولى فى حياة الأورفيلى المحتج    دار الإفتاء: سب الصحابة حرام ومن كبائر الذنوب وأفحش المحرمات    خلال 24 ساعة.. ضبط (385) قضية مخدرات وتنفيذ (84) ألف حكم قضائي    ريبيرو يمنح لاعبي الأهلي راحة سلبية ويستكشف المحلة    «الكنيسة القبطية الأرثوذكسية»: الأعياد مناسبة لمراجعة النفس والتقرب إلى الله    من حريق الأقصى إلى مواقع غزة.. التراث الفلسطيني تحت نيران الاحتلال    رئيس الوزراء يصدر قرارًا بإسقاط الجنسية المصرية عن شخصين    هل يوجد زكاة على القرض من البنك؟.. أمين الفتوى يجيب    3 وكلاء جدد بكلية الزراعة جامعة عين شمس    إجازة المولد النبوى .. 3 أيام متتالية للموظفين    تشمل 21 مستشفى.. تعرف على خطة "الصحة" للتوسع في خدمات زراعة الأسنان    هل يجوز سؤال الوالدين عن رضاهم عنا؟.. أمين الفتوى يجيب    القاهرة الإخبارية: مصر ترسل قافلة المساعدات الإنسانية العشرين إلى قطاع غزة    وصول قيادات الجامعات لافتتاح معرض التعليم العالي بمكتبة الإسكندرية |صور    كامل الوزير يتفقد المجمع المتكامل لإدارة المخلفات بالعاشر من رمضان    دعاء الفجر| اللهم اجعل هذا الفجر فرجًا لكل صابر وشفاءً لكل مريض    أذكار الصباح اليوم الخميس.. حصن يومك بالذكر والدعاء    نجم الأهلي السابق: عمر الساعي كان «ضحية» كولر.. وأتمنى انضمامه للمنتخب    توقعات الأبراج حظك اليوم الخميس 21-8-2025.. «الثور» أمام أرباح تتجاوز التوقعات    الإسماعيلي يتقدم باحتجاج رسمى ضد طاقم تحكيم لقاء الاتحاد السكندرى    الجنائية الدولية: العقوبات الأمريكية هجوم صارخ على استقلالنا    "تجارة أعضاء وتشريح جثة وأدلة طبية".. القصة الكاملة وآخر مستجدات قضية اللاعب إبراهيم شيكا    بعد التحقيق معها.. "المهن التمثيلية" تحيل بدرية طلبة لمجلس تأديب    بعد معاناة مع السرطان.. وفاة القاضي الأمريكي "الرحيم" فرانك كابريو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. محمود إسماعيل يكتب : مفهوم الدولة بين العلمانيين والدينيين (5-10)
نشر في الأهالي يوم 05 - 02 - 2013

سبق أن عرضنا – بإيجاز – لمفهوم الدولة الثيوقراطية علي الصعيد النظري، وانتهينا إلي أن الدولة الدينية محض خرافة، ذلك أن الدين له قداسته، والدولة مؤسسة سياسية، وشتان بين القيم والمثل الدينية «القطعية» وبين «لعبة» السياسة المؤسسة علي مبدأ «النسبية»، إذ هي – حسب تعريفها المجمع عليه – «فن الممكن»، هذا فضلا عن أنها تضرب بالمثل والقيم العليا عرض الحائط، وتعول علي عامل «المصلحة» و«النفعية» و«البراجماتية»، في أحسن الأحوال «النادرة»، والخداع والدهاء.. وحتي الاغتيال طالما تتحقق المصلحة، «فالغاية تبرر الوسيلة»، حسب «مكيافيللي»، كما هو معروف.
لذلك، آثرنا استعارة مصطلح «الدولة الثيوقراطية» بديلا ل «الدولة الدينية»، تأسيسا علي أن إديولوجيتها ما هي إلا فهم «الكهنوت» للدين، وهو فهم موجه للتبرير والتسويغ بإكساب الحاكم سلطة مطلقة، باعتباره «ظل الله علي الأرض».
ومن ثم، لا نبالغ إذ نجزم – نتيجة قراءة التاريخ – بأن كل الدول الثيوقراطية ما هي إلا تكريس للاستبداد.
لإثبات ذلك، علينا أن نتوقف عند قول السيد المسيح: «مملكتي ليست من هذا العالم» و«طوبي للمساكين بالروح، لأن لهم ملكوت السماوات».
لذلك لا تنطوي تعاليمه علي أي دلالة سياسية، كما اعتبر القديس أوغسطين ممالك الأرض بمثابة «مملكة الشيطان».
مملكة الله
أما عن ترجمة الفكر الثيوقراطي إلي واقع تاريخي، فقد تمثل في دولة اليهود بأورشليم، وحسبنا أن مصطلح «الثيوقراطية» ذاته هم الذين صاغوه، وإذا كان ابن خلدون يعتبر العصبية والدعوة الدينية أساس قيام الدول وسقوطها، فقد اعتبر اليهود أنفسهم «شعب الله المختار» لأنهم أقرب الشعوب إلي الله، من هنا اعتبروا مملكتهم مملكة الله، فمزجوا العصبية بالدين اليهودي، وهو ما ورد في سفر التثنية في عبارة «إسرائيل يحكمها الله بصورة مباشرة»، تأسيسا علي كون شريعتهم المفصلة تنطوي علي أحكام تغطي كل جوانب الحياة.
إذ يري البعض أن ما ذكرناه آنفا يعني أن الدولة الدينية حقيقة تاريخية وقعت بالفعل، فنحن نقر بذلك، لكننا نتساءل: هل طبق اليهود شريعة الرب؟ تأتي الإجابة من التوراة نفسها في العبارة: «الرب تكافئون بهذا يا شعبا غبيا غير حكيم»!!
وإذ يري البعض أن الدول الأوروبية الثيوقراطية في العصور الوسطي نسجت علي غرار الأنموذج اليهودي، فنحن نعتقد أن أديولوجيتها جري صياغتها من تصور الكهنوت لنصوص «العهد الجديد»، فضلا عن التأثر بما عرف باسم «الطغيان الشرقي» المؤسس علي ما أسماه ماركس بنمط الإنتاج الآسيوي الذي أشرنا إليه من قبل، ومع ذلك يبقي الأساس الاقتصادي المتمثل في نمط الإقطاع الفيودالي يشكل ركيزة الدولة الثيوقراطية، ولا غرو، فقد كانت الكنيسة في تنظيمها «الإكليروسي» مماثلة للنظام الفيودالي «الهيراركي»، بحيث يمكن القول علي الصعيد الواقعي إنها تنظيم إقطاعي لاهوتي مواز للعرف الإقطاعي، فكان لها ضياعها الواسعة، وتفرض الضرائب الخاصة بها، بحيث كانت أملاك البابا تفوق كل ما يتملكه ملوك أوروبا.
أكثر من ذلك كان يتمتع بنفوذ سياسي يفوق سلطة الملوك، باعتباره هو الذي يعطيهم مشروعية الحكم، ويضفي عليه طابعه الثيوقراطي، ويلزم الرعية بالطاعة العمياء، تفسيرا تبريريا لمقولة الإنجيل «ما لقيصر لقيصر، وما لله لله»، لذلك كان علي الشعوب أن ترضخ لحكم الملوك لقرابة خمسة قرون من الزمان، وحسبنا أن البابا كان بوسعه أن يعزل الملوك، وحتي الأباطرة – إذا ما فكروا في الخروج عن طاعته – بإصدار «قرار الحرمان» الذي ينزع عنهم المشروعية الثيوقراطية، وفي حال رضوخ الملوك والأباطرة لمشيئة البابا – التي هي مشيئة الله – يتمتعون بالقداسة، تأسيسا علي قول اللاهوتي «ترتليانوس»: «الإمبراطور هولنا أكثر مما هو لإنسان آخر، لأن إلهنا هو الذي أقامه»، وفي ذلك تبرير للحكم المطلق لأباطرة العصور الوسطي.
ظهور البورجوازية
علي أن هذه النظرية المنبثقة أصلا من الواقع السوسيو – اقتصادي الفيودالي ما لبثت أن اهتزت – إبان عصر النهضة – بخلخلة الفيودالية وظهور البورجوازية التجارية، لذلك كان من الطبيعي أن ينعكس هذا التطور علي الإديولوجيا الثيوقراطية، إذ جري تأويل اللاهوت لصالح الناسوت – إلي حد ما – عندما اضطر الكهنوت إلي الاعتراف بحق الشعوب في اختيار حكامهم، لأن الله لا يختار الحكام مباشرة، بل يوجه التاريخ بمشيئته التي تضع اعتبارا للشعب المسيحي.
ومع تنامي المد البورجوازي، أرغم الكهنوت – مرة أخري – علي تأويل اللاهوت السياسي بما لا يلزم الشعوب بطاعة الطغاة، وفي ذلك أفتي «يوحنا السالسبوري» و«القديس توماس الإكويني» بجواز قتلهم.
بظهور حركة الإصلاح الديني – التي كانت إنجازا للبورجوازية المتطورة – بدأت إرهاصات النيل من «الكهنوت» واستبداد الملوك في آن، وحسبنا أن الحركة انطلقت أساسا لمواجهة انحراف رجال الدين عن تعاليم السيد المسيح، واحتكارهم تفسير الكتاب المقدس، لذلك دعا «مارتن لوثر» إلي رفض ركام التفسيرات الكهنوتية السابقة، والعودة إلي الكتاب المقدس مباشرة، من ناحية أخري ظهرت دعوات تشترط عدالة واستنارة الحاكم كموجب للطاعة.
تأويل اللاهوت
في هذا الصدد، يعزي الفضل إلي «كالفن» في الدعوة لضرورة قيام الحاكم بوضع نظام من الضوابط، وذهب إلي ما هو أبعد من ذلك حين اعتبر نظام «الانتخاب» إنما هو محاولة للتعرف علي أن الله رفع شخصا مناسبا لمنصب الرئاسة، «وينبغي أن يكون للحاكم المنتخب نفس الولاء والاحترام الذي نكنه لناخبيه».
ويضيف: «من الأهمية بمكان أن يضع الملوك نصب أعينهم أن الواجب الأول للحكم هو المحافظة علي عبادة الله الخالصة، واقتلاع الوثنية وانتهاك الحرمات، والتجديف والزندقة من جذورها».
تشي تلك العبارات – وغيرها كثير لا يتسع المجال لعرضه – بتحولات ملحوظة للتخفيف من غلواء الكهنوت واستبداد الحكام عن طريق تأويلات متطورة للاهوت، صحيح أن حركة الإصلاح الديني لم تحقق إنجازا معتبرا في مواجهة الكنيسة الكاثوليكية وأتباعها من ملوك «التفويض الإلهي المقدس»، لا لشيء إلا لأن نظام الإقطاع الفيودالي مازال قائما ومتجذرا، وهو ما يفسر حقيقة فطن إليها «دوب» تكمن في أن البورجوازية التجارية أعجز من أن تتمكن من اجتثاث جذور الفيودالية، لكنها قادرة بالفعل علي خلخلة البنية الإقطاعية.
لذلك، ظلت الأبنية «الفوقية» – علي مستوي الفكر السياسي – قائمة ومسيطرة، لكنها مع ذلك بدأت إرهاصات التبشير – علي الأقل – بعالم جديد والتمهيد للدولة المدنية الديمقراطية التي لم تتحقق إلا مع نجاح البورجوازية المظفر – بعد تحولها إلي رأسمالية علي إثر الثورة الصناعية – في القضاء علي الإقطاع الفيودالي بجرة قلم، ومن ثم تحجيم دور الكهنوت لصالح الناسوت.
نص مفتوح
خلاصة القول، إن الإديولوجية الدينية – كما يقول المرحوم محمد أركون – قابلة للتطوير، بل التحول حسب معطيات الواقع، باعتبارها غطاء فضفاضا، ونصا مفتوحا قابلا للتأويل.
ونقول – من جانبنا – إن الأديان جميعا تنطوي علي مبادئ سامية – كالحرية والعدالة والمساواة ونحوها – يمكن علي هديها استلهام ما يحقق للإنسان غايته من السعادة في المعاش والمعاد، وفي هذا الصدد، يتحامل «سدني هوك» علي الكهنوت الذي يوجه اللاهوت لتبرير الطغيان، ويتساءل: «كيف يمكن أن نتصور أن يكون الطغاة هم أداة العدالة الإلهية التي تعاقب بها شعبا خرج عن جادة الحق؟!!»
في نفس المنحي يقول الفيلسوف الفرنسي «جوزيف دي ميستر»: «إن العقل والتجربة يجتمعان ليقيما الدليل علي أن الدستور هو عمل إلهي».
لنحاول في المقالات التالية، عرض مفهوم الدولة الثيوقراطية في الفكر والتاريخ الإسلامي، لعلها تسفر عن فائدة ما فيما يدور في مصر الآن من جدل سفسطي عقيم عن «دولة الخلافة» المزعوم إحياؤها من قبل الإسلامويين الخارجين من الكهوف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.