مدبولي يتابع مشروعات تطوير قطاع الغزل والنسيج والاستغلال الأمثل لبعض الأصول    وليد جاب الله: مصر تحقق أعلى نمو فصلي منذ 3 أعوام بفضل انطلاقة قوية للقطاع الخاص    ماكرون يهدد الصين بفرض رسوم جمركية    حسام حسن: هدفي الظهور بصورة أفضل في كأس العالم 2026 عن المناسبات الماضية    خبر في الجول – مصطفى محمد يلحق بمنتخب مصر في مواجهة نيجيريا الودية    تأجيل محاكمة 50 متهما في الهيكل الإداري للإخوان    تفاصيل صادمة عن وفاة الفنان سعيد مختار.. تعرف عليها    تأجيل محاكمة 5 متهمين بخلية النزهة    إطلالة جذابة ل آية الجنايني في مهرجان البحر الأحمر السينمائي | صور    انطلاق المؤتمر الدولي الخامس لكلية الآثار بجامعة عين شمس    وزير الصحة يعلن عن مواقع ترصد الأمراض الوبائية والمعدية في 5500 منشأة طبية    الصحة تعلن زيادة انتشار الأنفلونزا وتكشف حقيقة ظهور فيروسات جديدة    نائب وزير الصحة: نشاط لفيروس الأنفلونزا H1N1 هذا العام أعلى من العام السابق    محافظ القاهرة: تبرع بقيمة 50 مليون جنيه لدعم إنشاء المجمع الطبي لجامعة العاصمة    بكين تعلن عن ثالث مناورة مشتركة مع موسكو في مجال الدفاع الصاروخي    الداخلية تكشف عن ملابسات فيديو يظهر خلاله شخص وهو يستعرض ب«مطواة»    الشرع: إسرائيل شنت أكثر من 1000 غارة و400 توغل في سوريا منذ سقوط نظام الأسد    انطلاق فعاليات الأسبوع الدعوي حول مقاصد الشريعة في بناء شخصية الشاب المسلم بعين شمس    خالد الجندي: أعظم هدية قُدِّمت للمجتمع المصري برنامج دولة التلاوة    ميرفت القفاص: عمار الشريعي الغائب الحاضر.. وصندوق ألحانه ما زال يحمل كنوزا    تعليق صادم من الفنانة مي عمر عن آراء النقاد بها    الجامعة البريطانية بمصر تشارك في مؤتمر الطاقة الخضراء والاستدامة بأذربيجان    حسام عبدالمجيد: «سيبقي الزمالك دائمًا محارب قوي»    مدبولي يتابع مشروعات تطوير قطاع الغزل والنسيج والاستغلال الأمثل لبعض الأصول    مصر تواصل دعم غزة.. دخول 9250 طنًا من المساعدات الإنسانية    طب الإسكندرية تُطلق قافلة طبية شاملة لخدمة مركز التأهيل المهني بالسيوف    صبغ الشعر باللون الأسود: حكم شرعي ورأي الفقهاء حول الاختضاب بالسواد    كمال درويش: أرض أكتوبر المتنفس الحقيقي للزمالك.. والأمور أصبحت مستحيلة على مجلس الإدارة    أصوات الانفجارات لا تتوقف.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة    وزير الخارجية: إسرائيل عليها مسئولية بتشغيل كل المعابر الخمس التي تربطها بقطاع غزة    جامعة أسيوط تُكثّف استعداداتها لانطلاق امتحانات الفصل الدراسي الأول    منافس بيراميدز المحتمل - وصول بعثة فلامنجو إلى قطر لمواجهة كروز أزول    مدبولي: مشروع إحياء حديقتي الحيوان والأورمان يقترب من الافتتاح بعد تقدم كبير في أعمال التطوير    صحة الشيوخ تدعو خالد عبد الغفار لعرض رؤيته في البرامج الصحية    اختبار 87 متسابقًا بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن بحضور الطاروطي.. صور    هيئة الرقابة المالية تُلزم صناديق التأمين الحكومية بالاستثمار في الأسهم    المستشار الألماني: إمكانية زيارة نتنياهو إلى بلادنا غير مطروحة حاليا    باحث يرصد 10 معلومات عن التنظيم الدولى للإخوان بعد إدراجه على قوائم الإرهاب    وزارة التضامن: فريق التدخل السريع تعامل مع 519 بلاغا خلال شهر    روجينا تعلن انطلاق تصوير مسلسل حد أقصى رمضان 2026 .. "بسم الله توكلنا على الله"    الأرصاد تكشف خرائط الأمطار اليوم وتحذر من انخفاض درجات الحرارة في عدد من المحافظات    حمزة عبدالكريم يقترب من برشلونة علي حساب البايرن وميلان .. اعرف الأسباب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 7-12-2025 في محافظة الأقصر    ثنائي الأهلي يدعم محمد صلاح ضد مدرب ليفربول: أسطورة كل العصور    نور الشربيني تتوج ببطولة هونج كونج للاسكواش بعد الفوز على لاعبة أمريكا    «صحح مفاهيمك».. أوقاف الوادي الجديد تنظم ندوة بالمدارس حول احترام كبار السن    تقرير أردني: الخطيب يكلف عبد الحفيظ لبدء التفاوض مع يزن النعيمات    وزير الري: التحديات المائية لا يمكن التعامل معها عبر الإجراءات الأحادية    ضبط 69 مخالفة تموينية متنوعة فى حملة مكبرة بمحافظة الفيوم    السيطرة على حريق مخزن سجاد وموكيت فى أوسيم    البورصة تواصل ارتفاعها بمنتصف التعاملات مدفوعة بمشتريات عربية وأجنبية    رئيس جامعة سوهاج يتحدث عن المبادرة الرئاسية "تمكين" لدعم الطلاب ذوي الهمم    وزير الاتصالات: إطلاق خدمة التحقق الإلكترونى من الهوية يناير المقبل    وزير الصحة يستعرض تطوير محور التنمية البشرية ضمن السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية    قطاع الملابس والغزل يبحث مع رابطة مصنّعي الآلات الألمانية التعاون المشترك    الشرع: إقامة إسرائيل منطقة عازلة تهديد للدولة السورية    محمد عشوب: نتمنى تنفيذ توجيهات الرئيس نحو دراما تُعبّر عن المواطن المصري    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلمانية بين المسيحية والإسلام 1-2..العلمانية الأوروبية لا تعادي الدين وإنما تعري الگهنوت
نشر في الأهالي يوم 24 - 07 - 2012

استهدف إخوان الصفا في الإسلام تطهير الشريعة من الجهالات
بقلم : د. محمود إسماعيل
مع تعاظم المد الأصولي في مصر المعاصرة ، دأبت جماعات الإسلام السياسي بكل تياراتها تروج لمقولة تكفير العلمانيين. ويرجع ذلك إلي عاملين أساسيين، أولهما الجهل بماهية مصطلح”العلمانية”معرفياً وتاريخياً. هذا الجهل الذي ينسحب بالمثل علي الفهم الخاطئ للإسلام نفسه. و لو قدر لهم فهم الإسلام-عقيدةً وشريعة-لأدركوا أنه يعانق ويحتوي العلمانية، وهو ما سنثبته في المقال التالي.
وثانيهما، يكمن في حقيقة جوهرية مفادها استثمار الإسلام في تحقيق مكاسب سياسية,فهم الذين تشير إليهم الآية الكريمة”يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً”. !! وحين يتخذون من القرآن مرجعية يأولون آياته بما يخدم أهواءهم السياسية ومصالحهم الدنيوية، بحيث”يحرف الكلمة عن مواضعه”. وإذ يستشهدون بالأحاديث النبوية، فينتقون أحاديث الآحاد والضعيف منها والموضوع في الغالب الأعم تأثراً بالإسرائيليات. و حين ينهلون من معارف”السلف الصالح”فلا يميزون بين الصالح والطالح. باختصار يكرسون الدين لخدمة السياسة.
حقيقة المصطلح
لبيان ذلك، لا مناص من التعريف بمصطلح”العلمانية”,و علاقتها بالدين، بالمسيحية في هذا المقال,و بالإسلام في المقال التالي.
ثمة التباس في فهم النخبة المفكرة لهذا المصطلح الذي جري تداوله والترويج له آنياً، حتي بين العوام، بهدف تضبيب الوعي السياسي بين الجماهير. إذ وظفه الأصوليون المتحالفون مع العسكر لإجهاض ثورة 25 يناير. حيث جري اتهام الثوار بتهم الإباحية والكفر والعمالة لقوي أجنبية، كما هو معروف. تلك التهم الموروثة عن فقهاء السلطان الذي يتخذونه”ظل الله علي الأرض”من أمثال”الأشعري”و”الغزالي”و”ابن تيمية”. فأصحاب الاتجاه الأصولي بدلاً من تصنيف الجماهير حالياً إلي “ثوار”و”قوي الثورة المضادة”، روجوا لتصنيفهم إلي”إسلاميين”و”علمانيين”. ودمغوا الأخيرين بأنهم أعداء الإسلام. و استندوا في تبرير ذلك إلي أن علماني الثورة الفرنسية الذين أقروا عبادة العقل التي أعلنها”روبسبير” وسفاكا الدماء.
الحق أن العلمانية الفرنسية كانت متطرفة، لا لشيء إلا لمواجهة الاستبداد الكهنوتي. و يشهد علي ذلك أن الكنيسة كانت تبالغ في فرض الضرائب الباهظة باسم الدين. و لا غرو فقد حازت الإقطاعات الشاسعة وسخرت المعدمين في فلاحتها. و حسبنا أن دخل الأسقف كان يفوق دخل الملك. هذا فضلاً عن فساد”الإكليروس”-كبار رجال الدين-و انتهاك تعاليم المسيحية السمحة ببيع “صكوك الغفران”و المناصب الكهنوتية، فيما عرف بظاهرة”السيمونية”. و لعل ذلك-وغيره كثير-كان من أسباب واقعة”الأسر البابلي”، حيث جري سجن”البابا”في مدينة”أفينيون”، باعتباره رأس الفساد.
فساد الكنيسة
خلاصة القول أن التطرف العلماني في فرنسا كان رد فعل عنيف لمفاسد الكنيسة الكاثوليكية,و ليس هدماً للعقائد المسيحية. بل نجد الكثير من الفلاسفة العلمانيين يأصلون للإيمان المسيحي استناداً إلي العقل، كما هو حال”بسكال” و”برجسون” و”لوك” وغيرهم. بما يعني أن العلمانية الأوربية لا تعادي الدين بقدر تعريتها للكهنوت المحرف للدين من أجل السلطة والمباهج الدنيوية. في ضوء ذلك يمكن تفسير الثورة العامة علي الكاثوليكية عقدياً في أوروبا، حيث استهدفت حركة الإصلاح الديني “البروتستنتية” تنقية وتطهير المسيحية، شأنهم في ذلك شأن جماعة”إخوان الصفا”في الإسلام، حيث استهدفوا”تطهير الشريعة من الجهالات عن طريق الحكمة”.
بالمثل، كانت الثورة الفرنسية بمثابة محاولة للقضاء علي الإقطاعية من قبل البرجوازية النامية، علي الصعيد الاقتصادي-الاجتماعي، حيث أحرزت نجاحات مظفرة في صراعها مع الإقطاعية الفيودالية, ومهدت بذلك الطريق لتنامي الرأسمالية من حيث إتاحة حرية الملكية الفردية وحرية العمل. و علي المستوي السياسي كانت الثورة تعبيراً عن ظهور الدولة الوطنية الحديثة التي تستمد شرعيتها من الشعب، لا الكهنوت. متأثرةً بفلسفة”جون لوك”و”اوجست كونت”الوضعية ومفيدةً من الديمقراطية الإنجليزية التي تعتمد الدستور الوضعي والقوانين المدنية كبديل عن القانون الكنسي. وعلي الصعيد الثقافي، كانت تعبيراً عن النزعة الإنسانية”الهيومانية”كبديل للخرافات والشعوذات والأساطير التي غلفت الفكر الثيوقراطي، عامدةً إلي تطوير المبادئ الإنسانية التي دعي إليها”سافونا رولا”ابان عصر النهضة. تلك المبادئ التي تبنتها وطورتها الثورة الفرنسية واتخذت منها شعار”الإخاء والعدل والمساواة”و هي مبادئ متضمنةً في الإنجيل دون شك. و علي الصعيد العلمي، كانت الثورة تدشيناً للبحث العلمي التجريبي بدراسة الطبيعة والإنسان كموضوعات”وضعانية”تستكنه العلل والأسباب من خلال منهجية تقاربها من داخلها وليس من الخارج، بفضل ثلة من العلماء والمفكرين من أمثال”بيكون”و”ديكارت”و”فولتير”و”كانت”و غيرهم ممن أحدثوا نقلة في التفكير الذي ظل أسير المنطق الأرسطي لعدة قرون من الزمان.
رفض توظيف الدين
تأسيساً علي ذلك، نؤكد أن”العلمانية”مصطلح مشتق من”العلم”علي صعيد المعرفة. كما أنه مشتق من “العالم”و”الزمان”، كبديل ونقيض ل”الغيب”، علي المستوي الفلسفي بما فتح الطريق إلي مناجزة الاستبداد سياسياً، أخذاً بقول السيد المسيح:”ما لقيصر لقيصر وما لله لله”. كذا فتح آفاق جديدة لمعرفة مؤسسة علي العلم كبديل للمعرفة الكهنوتية التي سادت أوروبا العصور الوسطي، حيث اختزلت المعرفة فيما يعرف باسم”الفنون السبعة الحرة”وكلها موجهة لخدمة اللاهوت.
من هنا كانت دعوة العلمانيين-في مجال السياسة-تتمثل في”الحكم المدني”كبديل للحكم”الثيوقراطي”و ما ترتب عليه من آثار سلبية علي جميع الأصعدة.
وجدير بالذكر أن العلمانية-في التحليل الأخير-ليست”ملحدة”بقدر ما رفضت توظيف الدين من قبل”الكهنوت” ضد”الإنسان”. وبنفس الدرجة اعتمدت”القانون الوضعي”، كبديل للاهوت الكنسي الذي فرَغ المسيحية من مبادئها الإنسانية المثالية ووضعت حداً لطغيان البابوية التي نقضت عهدها مع الإمبراطور”شارلمان”الذي حال دون تدخل البابوية في الحياة الدنيوية وقصر نفوذها علي الجانب الديني.
ابن رشد مصدرا
ونحن في غني عن رصد ما تمخض عن العلمانية في أوروبا من القضاء علي النظام الإقطاعي وظهور الرأسمالية بما حققته من تعاظم النشاط الاقتصادي الذي تمثل في الثورة الصناعية التي قادت إلي الكشوف الجغرافية وما تلاها من ظهور حركة الاستعمار الاستيطاني. لذلك حق لفيلسوف مثل”ماكس فيبر”بأن حركة الإصلاح الديني فضلاً عن كونها حررت المسيحية من سلطان الكهنوت، كانت من أسباب ظهور النظام الرأسمالي.
جدير بالذكر أيضاً، أن الثورات البرجوازية التي أسفرت عن العلمانية أفادت إلي حد بعيد من الفكر الإسلامي-المعتزلة وابن رشد وابن الهيثم وغيرهم-في تمجيد العقل,و اعتماد المنهج العلمي التجريبي ورفض الكهنوت، بما يؤكد احتواء الإسلام للعلمانية، وهو ما سنعرض له في المقال التالي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.