مشهد ليل خارجي ،مدرسة جمال عبد الناصر الابتدائية بشارع همفرس ببولاق الدكرور ،زحام شديد امام لجان الاستفتاء ،سيدات يملأن الطرقات ،سيدة تنادي علي صديقتها “انتخبتي ولا لسة ؟ “انا رقمي خمسة آلاف وهو بينده علي الميات عشان الموظف قاعد فاضي !!!، دوشة أمام لجنة أخري مجاورة وسيدة تصيح “خد بالدور يافندي احنا سايبين العيال في البيت لوحدهم ” ،انسة منتقبة تطالب رجلا بالابتعاد عن الطابور فيبرر وجوده قائلا :انا مستني الست بتاعتي “! عسكري شرطة من امن اللجنة يخرج تليفونه المحمول ويرسل رسالة لسيدة عجوز ليستدل لها علي لجنتها وهي تتعلق بنظرها علي شاشة المحمول قائلة “ربنا يسترها معاك ياابني ” ،عساكر الجيش تقف علي بوابة المدرسة صامته متأملة المشهد بهدوء وسيدة مسنة تخرج من الباب وهي تعلق موجهة حديثها لعسكري الجيش “والنبي ماتسبونا البلد خربت ” ،شباب يصطفون امام اللجنة من الخارج يراقبون الموقف يلعب دخان سجائرهم دور ” الحياد الوحيد ” . هكذا كانت ليلة السبت الماضي قبل دقائق من إغلاق لجان الاستفتاء علي دستور مصر 2012 ،وقبل ساعات من مصر 2013 ،وسط كل هذا يقف ابو مالك ليلتقط له صورة وهو يحمل في اصبعه “الحبر الفوسفوري ” الخاص بالتصويت وهو سعيد للغاية بابنه، لا تعرف هل هذه السعادة لانه عاش المشهد الجديد ده أم لانه شارك لحظات لم يتوقعها في حياته ام لانه فاز بوضع اصبع طفلة ذي السنتين في الحبر الفوسفوري ولم يعلق احد من مشرفي اللجنة او قاضيها رغم مخالفة هذا للقانون ؟ لا ادري سبب سعادة الرجل الذي ظل يوجه طفله عندما طلبت انا الاخري إلتقاط صورة له ، “مالك ” الطفل الجميل الذي ينتظره مستقبل لا يعلمه إلا الله لا يدري ماذا كتب في الدستور له ،لا يدري كيف رآه الغرياني وام ايمن وبرهامي ليسطرون له حياته المقبلة ،لا يدري إنه حينما يكبر وبعد بضع سنوات سيجد مادة تأخذ رقم 58 في الدستور مجرد ديباجة غير ملزمة للدولة بتعليم جيد له لا تنص علي نسبة كافية من الناتج المحلي والإجمالي لتحقيق جودة التعليم تقول المادة :”لكل مواطن الحق في التعليم عالي الجودة وهو مجاني بمراحله المختلفة في كل مؤسسات الدولة التعليمية وتعني الدولة بالتعليم الفني وتشجعه وتشرف علي التعليم بكل أنواعه وتلتزم جميع المؤسسات التعليمية والخاصة والاهلية بخطة الدولة التعليمية -”اللي هي مش واضحة اصلا ” -هذه المادة كلام مرسل لم تضع نسبة الانفاق علي التعليم من الدولة في بلد 40%منه تعاني من الأمية ، لا يدري ان الدستور القادم مادة 62 تطلب شهادة فقر من المواطن الذي يريد العلاج بالمجان تحت اسم “لغير القادرين ” رغم ان الاصل في الخدمات هو المجانية ،لا يدري “مالك ” ان الدستور الجديد يشرع للاسماء الطائفية ولا يمنع زواج الاطفال في المادة 70 لكل طفل الحق في اسم مناسب “ومال الدولة ياحضرة بالاسم ؟” وكأنهم يحاولون منع تسمية ابناء الاديان الاخري باسماء معينة يعتبرها البعض حكرا علي المسلمين رغم وجود اسماء مشتركة كثيرة بين المسيحيين والمسلمين ايضا تجاهلت هذه المادة النص علي عدم تزويج الاطفال حتي يبلغوا سن الرشد ، لا يدري ايضا المادة الثانية التي “ضحكوا علينا وقالوا انها زي ماهي ” وضعوا لها ذيل في المادة 219 والتي تفسر مباديء الشريعة الإسلامية وتشمل ادلتها الكلية وقواعدها الاصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة من اهل السنة والجماعة ” بمعني ان الاحكام الخاصة بالشريعة هنا كل ما حدث في الازمنة الغابرة اي امور تتعلق بالدعوة مهما كان الزمن ، لا يهم ان الرسول قال انتم ادري بشئون دنياكم ، ولا يهم ان اجتهادات علماء زمان قد لا تناسبنا مايهم ان هذه المواد “هدية كما وصفها الغرياني في آخر جلسات التأسيسية، كثيرا من المواد الاخري في الدستور قد لايدريها مالك الآن لهذا فرح باصبعه الملوث بالحبر الفوسفوري .وفرح والده بتصويره وحزنت أنا وخرجت اردد كلمات الشاعر سالم الشهباني ” ضعف حالهم في المعيشة صاب قلوبهم بالكآبة قال صديق :الرهان ياصاحبي يبقي علي الكتابة قلت لأ الرهان ياصاحبي يبقي علي الغلابة ” .