ثقافة الانغلاق جعلتنا ندور في حلقة مفرغة، نقف محلك سر، جعلت حكامنا ينظرون إلي قضايانا وإلينا باعتبارنا أهل وعشيرة، كي ننسي أو نتناسي إننا أمة عريقة وأصحاب حضارة عظيمة عمرها آلاف السنوات! وبدلا من جني ثمار الثورة، والتطلع نحو المستقبل أسوة بالشعوب المتقدمة التي أدمنت الغد، وخططت له، فأبدعت في كل شيء.. الاكتشافات العلمية المذهلة، الفضاء، التكنولوجيا، الصناعة، العلوم الإنسانية، الفنون والآداب، وقفزت بشعوبها نحو آفاق المستقبل. لكن هناك من حذف المستقبل وتجاهله من أجل الماضي البعيد، فبدلا من الازدهار والنهوض بمصرنا الجريحة، وتحقيق العدالة الاجتماعية التي تطلع إليها ملايين المصريين، وجدنا أنفسنا نسير بخطي مسرعة نحو الحاكم الفرعون وعصر الظلمات. فظهرت خلال أشهر معدودة فقط، سلوكيات شاذة غريبة علينا، وعلي التسامح الوطني الذي عرفته مصر علي مدي الزمن، فوجدنا طلبة الدعوة السلفية بكلية الطب وصيدلة الأزهر بمدينة دمياط ينظمون وقفة احتجاجية اعتراضا علي الاختلاط بين الجنسين أثناء الدراسة في الجامعة!! مطالبين بالفصل التام والفوري بين البنين والبنات!! في حين قام بعض السلفيين بمنع حفل موسيقي في المنيا، واتهم فيلم “عبده موته” بازدراء الأديان!! وطالب الشيخ مرجان الجوهري أحد قادة السلفية الجهادية بتحطيم التماثيل والأصنام وقال سوف نحطم الأهرامات وأبو الهول مثلما حطمنا تماثيل بوذا في أفغانستان!! كما أمرت جماعة الأمر بالمعروف في السويس بقطع يد مواطن وحاولت قطع لسان أخيه!! ورأينا امرأة منتقية تقص شعر التلميذة ماجي ملاك في مترو الإنفاق، من أجل ما تقوله انه نصرة الحجاب والإسلام! بالإضافة لثقافة المنع والحظر من خلال الرقابة علي الانترنت، وغلق القنوات الفضائية، والمواقع الإباحية، التي ستكلف الدولة ملايين الجنيهات. فضلا عن سلق الدستور، وذبح القضاء، والرئيس الذي يسير علي خطي هتلر، والإرهاب الذين يمارسونه بخطابهم العنيف والعدائي لكل التيارات. يعتقد أصحاب تلك الرؤية أنهم يملكون الحقيقة المطلقة، وبالتالي نصبوا من أنفسهم أوصياء علي عقول البشر وأفكارهم وحريتهم الشخصية، وإغلاق باب الاجتهاد، وإلصاق التهم لكل المعارضين لهم بالكفر تارة والعلمانية تارة أخري. يتميز أصحاب العقول المغلقة بنظرتهم الأحادية، وليس لديهم القدرة علي الإبداع أو الابتكار، فهم يشكلون عبئا ثقيلا علي المجتمع، لأنهم ضد التنوير والتجديد، ومن ثم يغتالون كل ما هو مغاير لرؤيتهم الضيقة ويمارسون إرهابهم الفكري وتطرفهم وقمعهم لكل العقول المنفتحة والمبدعة، البعيدة عن مدرسة السمع والطاعة.. في حين كان للعالم الإسلامي كما يقول المؤرخ الأمريكي ول ديورانت في كتابه الشهير “قصة الحضارة” أثر بالغ علي العالم المسيحي، فقد تلقت أوروبا من بلاد الإسلام الطعام والشراب والعقاقير والأدوية والأسلحة. لذا لابد أن تدرك كل القوي المستنيرة في مصر ضرورة التوحد والتصدي لأفكار التيار الإصولي، الذي يحمل الخراب لمصر، ويجرنا إلي عصر الانحطاط والرجعية. باختصار.. الغرب يتقدم ويسيطر علينا ويحركنا كالدمي، ويصدر لنا ما يصنع، ونحن نتفاخر بأنفسنا ولا نخجل من جهلنا وتخلفنا، بل نجاهر بمنتهي الحماس والجدية بصغائر الأمور، إطلاق اللحي، زواج القاصرات، إرضاع الكبير، وغيرها من الفتاوي والخزعبلات. مثلما قال المفكر التونسي الراحل الطاهر حداد:” الإسلام ثورة علي القديم ونداء للتحرر من تقليد الآباء والأجداد، وبعث لحياة التجديد والتوليد، ولكن المسلمين هم الذين حولوه بتقديس أسلافهم واحتقار أنفسهم، إلي سد يفصل بينهم وبين الحياة”. ليتنا ندرك أين نحن من العالم وإلي أين نحن ذاهبون؟ ولماذا نتقهقر؟ لعلنا نتحرك قبل فوات الأوان.