يأتي إصدار أعداد مجلة «الفجر الجديد» والتي كانت تصدر في الفترة ما بين عامي 1945 و1946 برئاسة تحرير أحمد رشدي صالح، من قبل مركز البحوث العربية والأفريقية في مجلدين ضما أعداد المجلة والتي وصلت إلي 42 عددا كخطوة مهمة لتوثيق إحدي المجلات الفكرية والثقافية والسياسية التي أسهمت - بشكل فاعل - في تنمية الوعي المصري خلال فترة صدورها، هذه المجلة التي اتخذت عنوانا فرعيا لها هو «مجلة التحرر القومي والفكري» كانت خطوة تمهيدية لما جاء بعدها من إصدارات ساهمت هي الأخري في إذكاء شرارة النضال والثورة، وقد ظهر ذلك جليا منذ افتتاحية العدد الأول والذي صدر في 16 مايو 1945، فتحت عنوان «مهمة الكاتب» يكتب رشدي صالح مؤكدا أن «طلب الحرية يستوجب النزوع إليها، بالحركة الدائمة لاستخلاصها، بالنضال في غير هوادة، وحرية الكاتب هي العيش في العناصر غير المتعفنة من الحياة والمجتمع». ويري صالح أن مهمة المفكر المصري هو توجيه المجتمع إلي الحرية والدفع بتطوره إلي غايته السليمة إلي حيث يقضي علي تخلخله وتخفت متناقضاته. ويتضح من هذه المقدمة الخط الذي كان مستهدفا من إصدار هذه المطبوعة ذات الطابع اليساري التقدمي والتي لم ترض عنها السلطات المصرية فراحت تحاربها بكل وسعها من طرق، لكنها صمدت لأكثر من عام، بعد أن قدمت تجربة جديدة في الصحافة المصرية رغم قلة الإمكانات والموارد المالية. وثيقة اجتماعية وتعد المجلة وثيقة فكرية وسياسية عن الأوضاع المتردية للمجتمع في ذلك الوقت، لذا كان اهتمامها منصبا في الأساس علي مناقشة القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فنجد أبرز هذه القضايا قضايا العمال والإضرابات والإصلاح الزراعي، ففي العدد الأول نجد المقال الرئيسي تحت عنوان«مصر والسياسة الصناعية» والموقع باسم «سعد المكاوي المحامي» وهو الاسم الذي كان يوقع به الإذاعي القدير سعد لبيب في المجلة، ولم تغفل المجلة في عددها الأول ما يجري علي الساحة العالمية فنجد دراسة مطولة تحت عنوان «نظرة في السياسة الدولية»، وأخري مترجمة تحت عنوان «بين انجلترا وأمريكا» والتي قام بترجمتها د. علي الراعي، بالإضافة إلي قصة للأديبة الشابة - وقتها - لطيفة الزيات. وتفاجئنا في الأعداد الأولي في الصفحة التالية للغلاف قصائد لعبدالرحمن الشرقاوي وهي قصائد - من بداياته الشعرية حيث يغلب عليها الطابع الكلاسيكي التقليدي. وفي العدد الثاني يكتب رشدي صالح تحت عنوان «مرحلة جديدة في الفكر المصري» مشيرا إلي الهدف من المجلة فيقول: «هدف الفجر الجديد أن ينشر الثقافة الحرة، والآراء غير الرجعية، لايقصد تعميمها فقط، وإنما يقصد المساهمة بها في خلق ثقافة جديدة. منظور تقدمي وقد حفلت أعداد المجلة المختلفة بمقالات حول الأدب والفن من منظور تقدمي فنجد مقالا في العدد الثاني لعلي الراعي تحت عنوان «بين الفن الزائف والفن الصحيح» و«الجدلية والفن الحديث» لعلي الكاتب وهو الاسم الذي كان يوقع به الراعي أحيانا، و«صور من ذكريات جوركي»، وفي العدد الثالث نجد مقالا تحت عنوان «الرومانتيكية في طورها التحريري» لنور شريف، و«رفاعة الطهطاوي مفكر مصري تأثر بالثورة» لجهاد، وهو الاسم الآخر الذي كان يوقع به - في المجلة - أحمد رشدي صالح. وتفاجئنا قصائد ليوسف الشاروني الذي اشتهر بعد ذلك كأحد أهم كتاب القصة المصرية، بالإضافة إلي مقالات في الفن لسعد لبيب وقصائد لعبدالمعين الملوحي، ومقال تحت عنوان «ملاحظات علي الحركة الفكرية في مصر» لأمين تكلا. وبداية من العدد السابع بدأ يظهر علي صفحات المجلة اسم الكاتب المسرحي نعمان عاشور وكان أول مقال له تحت عنوان «القوي النامية والقوي المنهارة في الأدب المصري المعاصر». ونجد في المجلة أيضا معركة دارت بين كتاب المجلة ود. طه حسين حول «الماركسية والأدب»، وتعليقات حول كتاب «المعذبون في الأرض». كما نجد مقالات ذات طابع اجتماعي للدكتور محمد مندور. وقد اهتمت «الفجر الجديد» كذلك بالآداب العالمية خاصة الروسي والفرنسي والإنجليزي. أما المقالات السياسية فقد شغلت حيزا كبيرا من أعداد المجلة وكان أبرز كتابها أحمد صادق سعد وأبوسيف يوسف - وهما أكثر من نشرت لهما المجلة - بحكم عملهما التحريري بها، بالإضافة إلي مقالات لشهدي عطية الشافعي وعبدالعزيز فهمي، وعبدالسميع خليل ومحمود الشنيطي وأمينة السعيد وعمر الفاخوري وجرجس ديمتري وإبراهيم سعدالدين وفوزي رياض ومحمود حمزة وأمين حسني، وعبدالواحد بصيلة، وحسن زاهر وعبدالرحمن الناصر ورئيف خوري وإبراهيم الكاشف ومحمد فهيم أمين وميشيل إسكندر وعادل كامل ومحمد يوسف الجندي. استقلال مصر ويري د. عاصم الدسوقي في مقدمته للطبعة الجديدة للمجلة أن نهاية إصدارها جاءت عندما تم اعتقال أحمدر شدي صالح وشهدي عطية الشافعي في الرابع من يوليه 1946 وترافع عنهما عبدالحكيم ناصف المحامي والدكتور عزيز فهمي وتم إخلاء سبيلهما بعد ثلاثة أيام في السابع من يوليه بكفالة قدرها 25 جنيها لكل منهما، وبعد ثلاثة أيام من الإفراج صدر العدد رقم 42 في العاشر من يوليو 1946 وفيه كتب شهدي عطية الشافعي مقالة بعنوان «نحن في السجن» تساءل فيها عن أسباب اعتقاله وأحمد رشدي صالح وقال: هل لأننا ديمقراطيون وتقدميون؟. ولم تكن «الفجر الجديدة» منحازة إلي قضية استقلال مصر - فقط - بل نجد في أعدادها المختلفة مقالات ودراسات تدعو إلي استقلال الدول المجاورة إفريقية كانت أو عربية أو آسيوية متناولة قضايا النضال والمقاومة، مفردة صفحاتها لكتاب ومناضلي تلك البلاد ليطرحوا رؤاهم للتصدي للمشكلات التي تعاني منها شعوبهم. كما طالبت المجلة بتحقيق تعاون وثيق بين البلاد العربية في الشئون الاقتصادية والمالية والنقدية والجمركية - حيث إن صدور المجلة واكب تأسيس جامعة الدول العربية - بالإضافة إلي ذلك نجد «القضية الفلسطينية» حاضرة - دائما - علي صفحات «الفجر الجديد» من خلال مجموعة من الملفات والمقالات في هذا الإطار. وتبقي التحية واجبة لمركز البحوث العربية والإفريقية برئاسة المفكر حلمي شعراوي وفريق العمل المعاون له علي إعادة إصدار أعداد المجلة والتي تعد صفحة مهمة في تاريخ الصحافة اليسارية.