حكومة لندن تقر بارتكاب الجريمة أتاح تحقيق تسوية سلمية في أيرلندا الشمالية , فتح كل الملفات العالقة , نتيجة الصراع الدامي الذي استمر لأكثر من ثلاثين عاماً مع ارتفاع وتيرة التوتر واشتداد حدة المواجهات العسكرية بين الجيش الجمهوري الأيرلندي الذي قاد التمرد والقوات البريطانية. كان الصراع ضارياً والتوتر قد وصل الي أعلي درجاته , قبل انحسار العنف ووجود رغبة لكل الأطراف في تحقيق السلام عبر تنازلات صعبة وضرورية لاقامة جسور الثقة وفتح باب التسوية , وقد تحقق من خلالها الكثير فيما يشابه الادارة الذاتية للاقليم الأيرلندي , مع برلمان منتخب وحكومة تشترك فيها الأحزاب الجمهورية والاتحادية , ضمن صيغة الوفاق.. وتميز الصراع في أيرلندا الشمالية بعنف شديد , انتقلت شظاياه الي لندن ومدن بريطانية أخري , اذ سعي الجيش الجمهوري الذي كان يقود المواجهة لنقل العمليات الحربية الي الأراضي البريطانية الداخلية , ووصل به الأمر لتدبير تفجيرات لمحاولة الاطاحة بالحكومة ورئيسة الوزراء آنذاك مارجريت تاتشر , التي خرجت من ركام تفجير فندق تقيم فيه بمدينة « برايتون » الساحلية , وهي تعلن عدم الخضوع للارهاب ورفض التفاوض معه . جاء « العمال » بصيغة لانهاء الصراع في أيرلندا الشمالية , واستيعاب الجانب الجمهوري داخل حكومة منتخبة وتهيئة الأمور للاستقرار , اذ لا يجوز في منطقة بريطانية أوروبية أن يتم التناحر علي أساس طائفي وتندلع المواجهات بين الكاثوليك والبروتستانت ويتفجر الصراع علي خلفية دينية ذات مستويات سياسية مرتبطة بطموحات قومية للشعب الأيرلندي . كان لاستقلال أيرلندا الجنوبية وخروجها من الغطاء البريطاني , تتويجاً لكفاح طويل , غير أن أيرلندا الشمالية ظلت ضمن أملاك التاج لطبيعة الأغلبية السكانية التي تدين بالمذهب البروتستانتي السائد في بريطانيا وترتبط بوشائج اتحادية مع الحكومة المركزية في لندن . سعت حكومات أمريكية للتوسط لانهاء الصراع , وبذل الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون جهوداً واضحة للوساطة ودعوة الفرقاء لقبول التسوية , التي لم تحدث الا بعد ادراك كل القوي المتصارعة ضرورة تقديم تنازلات وقبول ما هو معروض علي طاولة التفاوض لتخفيف حدة التوتر واعلان تخلي المنظمات العسكرية عن سلاحها أو علي الأقل الاعلان عن عدم استخدامه.. كان لابد من انهاء الصراع, لأنه لم يعد صالحاً للاستمرار في عصر مختلف يسود أوروبا في اتجاه تخطي الصراعات الطائفية والدينية والاستناد علي نهج ديمقراطية تمتص التناقضات . الأن أيرلندا الشمالية تنعم بتنمية وتفتح أبوابها أمام المال الأوروبي وينتعش الاقتصاد مع وجود تسوية سياسية تسمح لكل الأطراف بالوجود , فقد انتهي عصر الاقصاء والاستفراد بالسلطة , واختفت من الساحة الرموز الاتحادية الاستفزازية الموالية للندن , مع خفوت أيضاً حدة خطاب أصحاب التيار الجمهوري ومطالباتهم بخروج أيرلندا الشمالية بالكامل من الاتحاد البريطاني والانضمام الي الجزء الجنوبي لاعلان أيرلندا موحدة. وقد ظلت أحداث الأحد الدامي التي وقعت في عام 1972 حاضرة بكل عنفها نتيجة سقوط أكثر من 12 ضحية بطلقات الجيش البريطاني الذي أطلق النار علي متظاهرين مدنيين وعزل فكان الصدام قمة المأساة التي ظلت تلطخ تاريخ الصراع في أيرلندا الشمالية قبل انكسار هذه الموجة السوداء والتوصل الي حل سياسي. كانت الواقعة الدامية هي المحرك الأول للمزيد من العنف والآخر المضاد , حتي تم الوصول الي تسوية سمحت الآن بالانصات لصوت العقل والاعتراف بالخطأ , اذ أقرت لجنة تحقيق مستقلة , ان ما حدث في عام 1972 , كان خطأ بلا مبرر لفتح النيران علي تظاهرة سلمية.. كانت الحرب في أيرلندا الشمالية من ميراث خلاف طائفي حاد مع تراكم طموحات قومية . واعتقدت كل الأطراف بقدرتها علي كسب المعركة باستخدام القوة والنيران والاغتيالات ووضع القنابل , غير أن هذا الطريق لم يؤد سوي للمزيد من الجنون والصراع الحاد والاضطراب بكل أنواعه , اذ سمحت تيارات التشدد واستخدام القبضة الأمنية القاسية في تفجير الصراع واشتداد لغة القتل والاعتداء.. كان خيار السلام هو الطريق الصحيح علي الرغم من آلام التخلي عن طموحات كبيرة مثل قيام الدولة الأيرلندية الموحدة.