كانت العلاقات السورية التركية تمر بأسوأ حالاتها منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية حتي نهاية القرن العشرين، ذلك أن تركيا، ضمت إلي أراضيها بعد سقوط الدولة العثمانية، مناطق حدودية سورية واسعة، منها لواء (محافظة) اسكندرون ومساحتها لوحدها حوالي (4000) كم2، إضافة إلي أراض أخري تقع علي طول الحدود، وذلك بالتواطؤ مع الاستعمار الفرنسي الذي ورث سورية عن الدولة العثمانية، ولم تعترف سورية بهذا الضم، وبقيت الخلافات الحدودية قائمة طوال القرن العشرين، مع العلم أن هذه الأراضي المضمومة كانت أكثرية سكانها من العرب السوريين، بقي قسم منهم يقيم فيها، وهاجر قسم آخر إلي سورية. وكان هذا الضم التركي للأراضي السورية سبباً في خلافات دائمة بين البلدين وتوتر مستمر، وزاد الأمر سوءاً أن تركيا أصبحت عضواً في حلف شمال الأطلسي منذ تأسسه، وكانت سورية حليفاً لحركة التحرر العالمية ولسياسة المنظومة الاشتراكية، وفي ضوء هذا توترت العلاقات بين البلدين في خمسينات القرن الماضي، بعيد تأسيس حلف بغداد، وطرح سياسة أيزنهاور (الفراغ في الشرق الأوسط) وحشد الأتراك جيوشهم علي حدود سورية، وتصدت سورية ومصر بقيادة عبد الناصر لهما سياسياً وعسكرياً، مما منع الأتراك من العدوان، وربما سارع ذلك في قيام الوحدة السورية المصرية. تصاعد التوتر بين البلدين مرة أخري عام 1998 بسبب لجوء عبد الله أوجلان رئيس حزب العمال الكردي إلي سورية، وسماح السلطة السورية له إقامة قاعدة عسكرية في البقاع اللبناني، وقد حشدت تركيا جيشها علي الحدود في ذلك الوقت، وفي اللحظة الأخيرة وافق الرئيس حافظ الأسد علي توقيع اتفاقية ينبغي بموجبها طرد أوجلان من سورية، وهذا ما حصل فعلاً، والسماح للجيش التركي باجتياز الحدود السورية لمسافة (5) كم دون إذن مسبق للتفتيش والمراقبة وملاحقة المتمردين الأكراد، وليس للجيش السوري مثل هذا الحق. بعد مجيء حزب العدالة والتنمية للسلطة عام 2003، انقلب سير العلاقات من الحذر والتوتر إلي (الأخوة والتعاون والصداقة) وقد وقع البلدان (55) اتفاقية تعاون في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والحدودية وغيرها، كان معظمها لصالح تركيا، إذ اعترفت سورية بالحدود القائمة كحدود نهائية، مما يعني الاعتراف بأن لواء اسكندرون هو أرض تركية والتخلي عن المطالبة به، وكذلك الأمر بالنسبة لأراض أخري علي طول الحدود، واعتبار نهر العاصي الذي يمر بكامله بالأراضي السورية ويصب في لواء اسكندرون نهراً دولياً، بعد الاعتراف بضم اللواء، ولا ينطبق ذلك علي نهر الفرات، مع أنه ينبع من تركيا ويمر بسورية ويصب في العراق، ومع ذلك فهو نهر تركي محلي حسب منطق السياسة التركية كما قضت الاتفاقيات إنشاء مناطق حرة، وتنقل المواطنين بدون (فيزا) وتبادل تجاري واسع… إلخ. وفي الخلاصة كانت الاتفاقيات اتفاقيات إذعان. حلفاء ايديولوجيون ما أن انطلقت الثورة السورية، حتي انحازت السياسة التركية للثوار، وبدأت العلاقات تسوء بين البلدين، بعد أن رفضت السلطة السورية النصائح التركية، وكان مستغرباً الموقف التركي بسبب عمق العلاقات المستجدة بين البلدين، وقد فسره البعض في تلك الأيام أن تركيا تراهن علي سقوط النظام وعلي وراثته من قبل الإخوان المسلمين السوريين حلفائها الأيديولوجيين، ولذلك ضحت بعلاقاتها المزدهرة مع سورية، وتناست أن سورية بوابتها إلي البلدان العربية. وبقيت العلاقات تزداد توتراً، فأيدت تركيا صراحة نشاط المعارضة المسلح ودعمته، وفتحت أبوابها للمعارضة السورية وتنظيماتها وقدمت المساعدات، واستقبلت اللاجئين، وقد وصل التوتر أقصاه في الأسبوعين الماضيين عندما أطلق الجيش السوري (ربما بالخطأ) قذائف علي بعض القري التركية، ورد الجيش التركي علي ذلك، وكانت سورية أسقطت قبل ما يقارب الشهرين طائرة حربية تركية، قيل أنها اجتازت الحدود الإقليمية السورية. علي أية حال، ورغم إبداء الطرفين رغبتهما بضبط رد الفعل، فمجال المفاجآت مازال مفتوحاً وربما تتطور العلاقات إلي الأسوأ، لأن الشرط الموضوعي لمنع هذا التطور مازال قائماً.