أوصي المؤتمر الوطني الثالث لمناهضة التمييز الديني في مصر والذي عقده حزب الجبهة الديمقراطي بداية هذا الأسبوع وأقيم تحت عنوان «الإعلام والمواطنة» أوصي بإنشاء مجلس قومي مستقل للإعلام المرئي والمسموع غير خاضع لأي سيطرة أو تدخل حكومي يتولي مراقبة احترام وسائل الإعلام المصرية لحرية التعبير والتأكد من أنها لا تمارس الدعوة إلي الكراهية والتمييز علي أساس الدين أو اللون أو العنصر أو الجنس ويكون له صلاحية سحب تصاريح البث التليفزيون والإذاعي طبقا لمدونة مبادئ مهنية تجرم التمييز بجميع أشكاله. يديره مجلس أمناء من الشخصيات العامة والمعروفة باستقلاليتها وأوصي أيضا بإقامة مرصد مدني يتولي رصد الخطابات الطائفية وانتهاكات مبدأ المواطنة في الإعلام والثقافة والفن وضرورة قيام وسائل الإعلام بإعلاء مبدأ المواطنة والتأكد من احترام الأديان وعدم الإساءة إليها أو تناولها بالتجريح وضرورة التزام وسائل الإعلام سواء المملوكة للدولة أو القطاع الخاص والتي تتناول الشئون الدينية أو الأحداث الطائفية بالأصول المهنية في صياغة وتحرير الأخبار وأوصي أيضا بأن تعمل المؤسسات الإعلامية علي إصدار مدونة سلوك تحكم العمل الإعلامي فيما يتعلق بتغطية الشئون الدينية بجانب الاهتمام بإعداد وتنظيم دورات تدريبية تثقيفية للصحفيين وللإعلاميين من مختلف المؤسسات علي «صحافة المواطنة» وأكد المؤتمر تفعيل المبادئ الواردة في ميثاق الشرف الصحفي الذي وافق عليه المجلس الأعلي للصحافة وأن يتأكد المجلس من تطبيق المادة (20) من قانون تنظيم الصحافة لسنة 1996 التي تنص علي أن يلتزم الصحفي بالامتناع عن الانحياز إلي الدعوات العنصرية. جاءت التوصيات في نهاية المؤتمر الذي افتتحه د. أسامة الغزالي حرب رئيس حزب الجبهة الديمقراطي واستمر علي مدار اليوم في جلسات مختلفة حاضر فيها عددا من الشخصيات العامة وأساتذة الصحافة والإعلام. وأكد الدكتور أسامة الغزالي حرب رئيس حزب الجبهة، مساندة الحزب ودعمه لمناهضة التمييز الديني في مصر، وإيمانه الكامل بأهمية تضامن المجتمع المدني والأحزاب في هذه القضية، ولذلك قام الحزب باستضافة المؤتمر، كما أكد وجوب تكاتف كل القوي الشعبية والمدنية لإيجاد حل سريع لما شهدته البلاد في السنوات الأخيرة من زيادة التمييز علي جميع المستويات ومنها التمييز الديني. وطالبت الكاتبة كريمة كمال بمحاسبة الصحف القومية لما تقوم به من دور فاعل في تحريض الرأي العام ضد الأقباط، وقالت يكفي للتدليل علي أسلوب الإعلام المصري في التصدي للأحداث الطائفية أن نأخذ حادثة نجع حمادي مثالا.. رغم عنف الحادث الذي ارتكب لحظة احتفال الأقباط بليلة عيدهم، وراح ضحيته ستة من شباب الأقباط ومسلم تصادف وجوده معهم، إلا أن التغطية الإعلامية لم تستنكف الأسلوب التقليدي لهذا الإعلام في التغطية واتبعت نفس الأسلوب الذي يقوم علي التهوين من الأمر أو الترويج للقصة الرسمية، حتي لو كان من المؤكد أنه لا يوجد من يصدقها. وأضافت كمال المشكلة هنا أن الإعلام يتحرك بحكم هويته الدينية، أي بحكم أنه إعلام مسلم وليس إعلاما مصريا، وهذه هي المعضلة في التغطية الإعلامية للحوادث الطائفية في مصر. وقدم عماد توماس دراسة تحليلية حول ما نشرته الصحافة المصرية عن حادثة نجع حمادي، ويقول حدث جدل شديد وغضب عارم ثار عند كثير من الأقباط المسيحيين بعد حادث مقتل وإصابة 6 مسيحيين في أحداث نجع حمادي، نتيجة التغطية الصحفية سواء فيما يسمي بالصحف القومية أو الرسمية التابعة للحكومة، أو الصحف الخاصة، في تهوين وتبسيط اعتبروه مخلا بالمضمون للجريمة واعتبار بعض الصحف سبب الجريمة حادث شرف. وأضاف توماس أن المتابع الجيد للصحافة المصرية، يدرك أن الكثير من الصحف المصرية تفتقد لأدني معايير ميثاق الشرف الصحفي، وتفتقر بعض الصحف لأدني معايير المهنية في المواد الصحفية المنشورة، سواء في عدم دقتها أو خلط الخبر بالرأي، أو نشر تحقيق صحفي ينقل وجهة نظر أحادية، أو لا ينقل وجهتي النظر بموضوعية، أو نشر تقارير صحفية موجه نحو هدف معين. أما د. محمد منير مجاهد فأكد أن الاستمرار في إقامة المؤتمر لمناهضة التمييز الديني في مصر رغم الظروف المعاكسة التي تصب جميعها في صالح تكريس التمييز الديني والفرز الطائفي هو إنجاز كبير، وأضاف أن الدولة قد بدأت تنبه لأهمية ما طالب به المؤتمر السابق حول «التعليم والمواطنة» من جعل التعليم داعما للمواطنة والتماسك بين جميع مكونات الأمة، وقد أثلج صدورنا ما تناقلته الأنباء من أن وزارة التربية والتعليم قد بدأت في مراجعة مناهج التربية الدينية الإسلامية والمسيحية. واعتبرها مجاهد خطوة إيجابية، وأضاف أن الدراسات المقدمة للمؤتمر الأول أن قطاعا كبيرا من الإعلام المصري سواء المملوك للدولة أو المستقل عنها يلعب دورا خطيرا في إشاعة التمييز الديني والفرز الطائفي عبر الصحافة الورقية وعبر قنوات التليفزيون الأرضية والفضائية وعبر الصحافة البديلة، وأضاف أن آليات التمييز الديني في الإعلام تعتمد علي عدة ركائز منها التحريض المباشر والسجال الديني الذي تتبناه بعض القنوات الفضائية الدينية الإسلامية والمسيحية والكذب الصريح والتغطية المنحازة لأحداث العنف الطائفي مؤكدا أن هذا ما حاول المؤتمر أن يناقشه. وجاء في الجلسة الثانية التي تناولت الصحفيين والمهنية في تناول الملفات والأحداث الطائفية والتي رأسها الكاتب سعد هجرس جاءت شهادات لبعض الصحفيين الشباب المتناولين للملف القبطي ومناقشة صريحة مع صحفيي الملف القبطي والمواطنة ورؤيتهم وتقييمهم للتغطية الصحفية للمسألة الطائفية والمشكلات التي تواجههم في التغطية حيث أكد البعض أن الصعوبات التي تواجههم من الأساس في سرية المعلومات ورفض بعض المصادر الكنسية الحديثة معهم أو العنصرية في تناول الموضوعات وتأثير سياسة الجريدة علي هذا التناول. هجوم وشتائم وفي الجلسة الثالثة تحت عنوان «الإعلام الطائفي وخطورته علي المواطنة» والتي رأسها د. وليم ويصا قدم فيها روبير الفارس المشرف علي صفحة بروزاليوسف قدم ورقة باستشهادات واقعية من بعض المجلات الإسلامية حول تناول الأقباط وترسيخ سياسة التمييز الديني مثل مجلة الأزهر العدد يونيو 2010 حيث أحد المقالات التي تهاجم كل رواد التنوير في مصر حتي أمثلة التسامح مثل جورج زيدان، واعتبر المقال قاصدا تشويه الإسلام ووصفه «نصراني متعصب» وهاجم أيضا سلامة موسي وحتي شعار «مصر للمصريين» لم يخل من الهجوم. أما في مجلة وزارة الأوقاف بعنوان «منبر الإسلام» والتي يرأس تحريرها محمد الشحات الجندي فنسب عدد يونيو 2010 مقالة للدكتور محمد عمارة طعن طعنا صريحا في العقيدة المسيحية، وأيضا مجلة «المختار الإسلامي» التي ترفع شعار مجلة كل المسلمين من جمعية إسلامية مشهرة من الشئون الاجتماعية في مقال بعنوان «نعم نحن ظلمنا النصاري» هجوم وشتائم. أما سعيد شعيب نائب رئيس تحرير اليوم السابع فهاجم كل الصحف ماعدا الخاصة والتي اعتبرها رهان الغد مؤكدا أن الصحافة القومية من جانب وحتي الحزبية تعلن عن موقف سياسي خاص بها مما ينأي بها عن المهنية بل اعتبر الصحف القومية أكثر حرية من غيرها رافعا من قيمة الربحية في مهنة الصحافة واصفا الصحافة «بالصنعة» التي يجب ألا تغش «الزبون». رموز مسيحية أما المفكر جمال البنا فقدم ورقة خاصة تتعلق برؤية بعض رموز المسيحية وأقوالهم منذ القدم حتي الآن واستشهد ببعض المواقف المسجلة مثل قبول السيد المسيح الجباية وعدم رفضها أما الصحفي مدحت الزاهد فقال إن معايير الدولة في الإعلام المتعلقة بالعرض والطلب للأسف هي المعايير المأخوذ بها والتي تؤدي في النهاية لعدم التناول الموضوعي للقضايا المطروحة كافة، ومن بينها «ملف الأقباط»، حيث وصف ما يحدث في الصحافة الآن «بخلطة» الجنس والإثارة والسياسة والكورة من أجل الربحية، وهو ما يتنافي مع ميثاق الشرف المهني ورفض الزاهد أن يكون الرهان علي الصحافة الخاصة لأن مبدأ الربحية سيدها، وتساءل عن وجود الصحافة الإقليمية وسط كل هذه الفوضي. أما الجلسة الأخيرة والتي رأسها الكاتب الكبير صلاح عيسي رئيس تحرير جريدة «القاهرة» والتي كان محور المناقشة فيها نحو ميثاق شرف إعلامي في تناول الطائفية. أشار فيها د. سمير مرقص إلي مجموعة من الملاحظات علي هذا التناول منها إعلام السيجال الديني وفكرة التنافس العقدي والفكري وأن الأقباط كم كتلة مستقلة كما لو كنا في العهد العثماني وهو ما يراه له تأثير سلبي حتي علي الطفل لأنه سيجعله إما يتجاهل هذه الجماعة التي تشاركه الوطني أو ينكر وجوده أو يبيح دمه نتيجة هذا الشحن الذهني له وأيضا عاب علي التصنيف الديني الذي يستخدمه الإعلام مثل «المفكر القبطي، الصحفي القبطي أو الكتلة البرلمانية القبطية» واعتبره إحدي الإشكاليات الرئيسية التي وقع فيها الإعلام وهو ما يؤدي إلي التلقي الأحادي وعدم افتراض وجود طرف آخر متلق لما يكتب ويشاهد ويسمع. وأضاف مرقص أن هناك استسهالا في التعامل مع القضية وأن أحد أسباب مذبحة نجع حمادي كان التناول الإعلامي من بعض الصحف حول «اغتصاب الطفلة المسلمة من شاب مسيحي» كما لو أن الاعتداء قام بناء علي الدين وطالب مرقص بالرجوع إلي الدستور والوعي بالتحرك السياسي والتعامل مع مشكلة التوتر الديني واستبعاد الصفة الدينية من الأحداث المدنية وشمولية المعالجة. ميثاق شرف نوعي أما صلاح عيسي فتحدث قائلا إن الهدف الأول من النقاش هو وضع أفكار تصلح لميثاق شرف نوعي لمعالجة المواطنة، وأشاد بوضع مواثيق شرف نوعية الفترة الماضية مثل التي تخص الجريمة مما أدي إلي احترامها وتساءل عيسي عما يحدث من تساؤل عن أفضلية المسيحي أو المسلم وأكد أن ما يجمعنا هو الوطن وحقوقه المتكافئة وحذر من خطورة المقارنة بين الأديان وأنها حرية عقيدة في الأساس، فلا لأحد منا فضل في اختيار دينه، وأضاف أن المواثيق تكون محلا للمحاسبة الأدبية فيما أكد رامي عطا أن صحافة المواطنة من المفترض أن تعمل علي التجميع والتكامل وترفض التفكيك أو التجزيء وأكد أهمية ترسيخ فكرة صحافة المواطنة وهي مهمة أعادها للمجلس الأعلي للصحافة ليرصد مدي التزام الصحفيين بقيم المواطنة. أما عن تناول الشأن القبطي في الصحف فيراها تتأرجح بين الموضوعية والحيادية في بعض الأحيان وأحيانا أخري العكس فبعض الصحف تستخدم الإثارة لجذب الجمهور، وأشار لبعض الشكاوي من الجماعة القبطية بسبب معالجة بعض الصحف الخاطئة. وطالب باستخدام مصطلحات للمواطنة مثل «العيش المشترك، الحياة» أما الكاتبة والروائية بهيجة حسين فوصفت ما يحدث من تناول الشأن القبطي في الصحف بأنه حالة من حالات غياب العقل وليس فقط في الشارع أو الصحف بل في قلب أجهزة الدولة والنظام الحاكم واقترحت عدة نقاط يمكن الأخذ بها في ميثاق الشرف الصحفي مثل أهمية حرية تداول المعلومات من الأساس واستشهدت بحادث دير أبوفانا والتعتيم علي معلومات تخص الأرض والآثار التي تحتها والتي تسببت في أساس المشكلة. وأيضا حماية الصحفي في حالة إعلانه عن دخول المسئولين ضمن الحادث واحترام قيم العقل والعلم ومحاسبة حتي رئيس التحرير في حالة عدم احترامه له وتساءل كيف يمكن أن تمرر داخل صحيفة قومية مثل الأهرام مقالة لأستاذة جامعية تصف «تسونامي» بأنه بغض من الله أو مقالات عن الإعجاز العلمي في القرآن، وأضافت أن وضع ملف الأقباط في أيدي أمن الدولة خطر علي الجميع وأشارت بما تتناوله جريدة «الأهالي» في أحداث نجع حمادي وكل ما يتعلق بالشأن القبطي واعتبرته الأفضل في التناول.