مازالت زيارة السيد سعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني إلي سورية تتعثر، وقد أعلن عن تأجيلها أكثر من مرة دون أن يحدد موعدها القادم. فقيل مرة أن سبب التأجيل هو رفض سورية استقبال الوفد التقني الذي قررت الحكومة اللبنانية إرساله نظراً لتدني مستواه، وقيل مرة أخري أن السبب هو خلافات مضمرة بين الحريري والحكومة السورية، كما قيل أن السبب هو انشغال الطرفين بأمور تمنعهم من البحث في شئون الزيارة وإعادة النظر بالاتفاقات المعقودة، خاصة أن الزيارة ستدوم ثلاثة أيام وستناقش عشرات الاتفاقات المعقودة بين البلدين بهدف إعادة النظر في مضمونها بما ينسجم مع المرحلة الحالية في ظروف العلاقة بين البلدين.وقع البلدان بين عام استقلالهما 1945 وعام1972 ثماني وعشرين اتفاقية، كما وقعا بين عام 1991 أي العام الذي أقر فيه اتفاق الطائف وحتي عام 2005 عام خروج القوات العسكرية السورية من لبنان (97) اتفاقية، والقسم الأعظم من هذه الاتفاقيات هو أمر عادي وطبيعي وتقليدي بين الدول، خاصة الدول المتجاورة وغالباً لايحتاج تعديله لأية جهود، كاتفاق منع الازدواج الضريبي ومنع التهرب الضريبي وتبادل بعثات البريد العاجل، واتفاقيات في مجال الاتصالات والتعاون العلمي والثقافي وغيرها.. أما القسم الباقي من الاتفاقيات فمنه 12 اتفاقية تعود بالفائدة في الواقع علي لبنان من دون أن تسبب ضرراً لسورية، مثل اتفاقيات استجرار الطاقة أو ما يشبهها. والأهم في هذا القسم الباقي هو خمس اتفاقيات أساسية وقعت بين البلدين تتعلق بشئون الدفاع والأمن وتوزيع مياه نهر العاصي وتقع في إطار ما تبحثه الحكومتان خلال زيارة الحريري المقبلة. لجان تنسيق أهم هذه الاتفاقيات هي معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق التي وقعت عام (1991) وشكلت الإطار العام للتعاون والتنسيق بين البلدين في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والعلمية وغيرها وبما يحقق مصالحهما. وقد نصت المعاهدة علي إنشاء المجلس الأعلي المكلف بمتابعة تنفيذ أحكام المعاهدة حيث لم يكن في ذلك الوقت أي تبادل تمثيل دبلوماسي بين البلدين وبالتالي يقوم المجلس مقام السفارتين. كما نصت هذه المعاهدة علي إنشاء لجان التنسيق والتعاون في المجالات المختلفة، وتوقيع اتفاقيات خاصة اقتصادية وأمنية ودفاعية، والأهم هو تعهد الدولتين بموجب هذه المعاهدة بالعمل علي إلغاء القوانين والأنظمة التي لاتتوافق مع هذه المعاهدة. كما وقع البلدان اتفاقية الدفاع والأمن التي نصت علي إنشاء لجنة شئون الدفاع والأمن وقررت اجتماعات دورية بين قيادة الجيش والأجهزة الأمنية في البلدين، ومنع أي نشاط أو عمل أو تنظيم في المجالات العسكرية والأمنية والسياسية والإعلامية من شأنه إلحاق الأذي بالبلد الآخر، وعدم إيواء أشخاص أو منظمات تعمل ضد البلد الآخر. وتسليم هؤلاء إن وجدوا، والتبادل والتعاون بين الأجهزة الأمنية في قضايا التجسس والمعلومات والمخدرات والإرهاب. اتفاقيات إذعان لقد وقعت المعاهدة وحوالي مائة اتفاقية بعد اتفاق الطائف وبوجود القوات العسكرية السورية في لبنان، وبالوجود السياسي السوري الكبير فيه. وتحاول بعض الأحزاب والتيارات السياسية اللبنانية الآن أن تثبت أن معظم هذه الاتفاقيات كانت اتفاقيات إذعان، ويطالب بعض السياسيين اللبنانيين بتعديلها أو بإلغائها، ويقولون إنها مجحفة بحق لبنان، مع أن بعضهم كان مسئولاً كبيراً في ذلك الوقت وقعها عن الجانب اللبناني. وفي الواقع فإن البلدين الآن أمام ظروف جديدة وشروط مختلفة تفرض جميعها إعادة النظر في بعض هذه الاتفاقيات خاصة أن الطرفين يعترفان بعد المصالحة المستجدة بينهما بسيادة كل منهما وباستقلاله، وبالتالي يقول اللبنانيون إن لهم الآن دولة مستقلة وذات سيادة ولم تعد تحت الوصاية السورية، وعليه فالعلاقة تحتاج لاتفاقات جديدة أو لتعديل الاتفاقات القائمة. بينما تري الحكومة السورية أن هذه الاتفاقيات متوازنة وتحقق مصلحة كل من البلدين، بل إن بعضها يجور علي سورية، ويستشهد اللبنانيون بعدم الحاجة للمجلس الأعلي السوري اللبناني المشترك الذي نصت عليه المعاهدة عندما لم يكن لأي من البلدين سفارة في البلد الآخر. وبعد تبادل التمثيل الدبلوماسي تري الحكومة اللبنانية عدم وجود ضرورة لاستمرار هذا المجلس وتقترح إلغاءه. بينما تصر الحكومة السورية علي استمراره مع أن رئيسه لبناني لكنه مقرب جداً من سورية، ويضم المجلس رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ونائب رئيس الحكومة في كل من البلدين ويقضي باجتماع سنوي لأعضائه. وهذا ما يعتبره السوريون وسيلة مناسبة لحل الخلافات وتمتين التنسيق بين البلدين. علي أي حال من الواضح أن تباين المواقف تجاه هذه الاتفاقيات كان له الدور الأساسي في تأجيل زيارة الحريري لدمشق، وتعمل أكثر من جهة في البلدين الآن لإعداد تسوية صالحة للقيام بالزيارة وإنجاحها.