كتب الزميل «السيد النجار» رئيس تحرير أخبار اليوم يصف ما يحدث الآن داخل مجلس الشوري من مناقشات سرية وعلنية فتغيير رؤساء تحرير الصحف القومية، وصفه بأنه ليس تغييرا لرؤساء تحرير، ولا تطويرا لمهنة، ولا مواجهة لفساد مزعوم، ولكنه تكميم للأفواه وقصف للأقلام، وتصييد واعتداء علي حرية الصحافة والتعبير. واحتجاجا علي التوجهات التي برزت داخل اللجنة في اتجاه تقزيم الصحافة والعدوان علي حريتها قدم كل من الزميل «صلاح منتصر» أحد شيوخ الصحفيين ومجدي المعصراوي عضو مجلس الشوري استقالتهما من اللجنة لأنهما اكتشفا أنهما سيكونان متورطين في التوقيع علي إجراءات هي في واقع الأمر مذبحة لحرية الصحافة علي أيدي ممثلي حزب «الحرية والعدالة»، فقد اتجه الحزب بعد ممارسة قصيرة في الحكم ليري أن غالبية كبيرة من الصحفيين والمفكرين والفنانين والمبدعين عامة متوجسون من توجهاته المعادية للحرية والتي تخفي هذا العداء وراء قناع ديني، وتصور الحزب الذي سبق له أن نجح في حشد البسطاء والتلاعب بأصواتهم في الانتخابات واستثمار فقرهم.. تصور أن هذا المنطق نفسه سوف ينجح مع المثقفين بالتلويح لبعضهم بالمناصب حتي يكونوا أدوات للحزب في قهر الآخرين الذين لا يلتزمون بمنهج السمع والطاعة وهو المنهج المتبع داخل كل من جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، ويتطلع الحكام الجدد في مصر إلي فرض هذا المنهج علي المجتمع كله بدءا بالمؤسسات الصحفية التي كان نظام «مبارك» قد حولها إلي أبواق ونشر فيها الفساد والمحسوبية والزبونية ابتغاء تطويعها لخدمة مصالح الحكم لا مصالح الوطن والشعب. ولكن خطة الحزب الوطني الديمقراطي لترويض الصحافة والصحفيين وإخضاعهم لم تمر بسلاسة بل قاومها جموع الصحفيين بكل السبل التي كانت متاحة لهم عبر نقابتهم وتجمعاتهم وقدموا في هذا السياق تضحيات هائلة فتعرض للحبس من تعرض، ومنع من الكتابة من منع، وهاجر من هاجر، ومات من مات. وكان الحصاد مريرا إذ تدهورت الصحافة المصرية وفقدت ريادتها في المنطقة، وتقدمت عليها صحف ناشئة لعبت أموال الخليج دورا كبيرا في تمويلها وترويجها تطلعا لأن تحل محل الصحافة المصرية التي بدأت مسيرتها مبكرا جدا في القرن التاسع عشر قبل أن تظهر دول الخليج ذاتها علي الساحة والآن يستكمل حزب «الحرية والعدالة» الحائز علي الأكثرية البرلمانية طريق ترويض الصحافة المصرية ويفرض عليها حصارا عن طريق لجنة المعايير المرفوضة من جهة، والجمعية التأسيسية لكتابة الدستور من جهة أخري، فقد أعادت الجمعية التأسيسية عقوبة الحبس في جريمتي السب والقذف، وهي عقوبة كان قد جري استبدالها بالغرامة ضمن التعديلات التي جرت علي قانون العقوبات عام 2006، وأضافت التأسيسية إلي الجرائم التي يجوز الحبس فيها جريمة مبتكرة لا توجد في قانون العقوبات هي «جريمة النيل من سمعة الأشخاص» وهو ما وصفه الكاتب صلاح عيسي بالفضيحة التاريخية في تأسيسية الدستور. كذلك استبعدت التأسيسية النص الذي اقترحه المجلس الأعلي للصحافة بشأن الصحف وأجهزة الإعلام القومية، وهو ينص علي أن «تكفل الدولة استقلال الصحف ووسائل الإعلام التي تملكها أو ترعاها عن جميع السلطات والأحزاب السياسية باعتبارها منبرا للحوار الوطني بين كل الآراء والاتجاهات السياسية والمصالح الاجتماعية، وينظم القانون إدارتها علي أسس اقتصادية ومهنية وديمقراطية سليمة، ويضمن تعادل حقوق كل الجماعات السياسية في مخاطبة الرأي العام من خلالها». وهكذا تعمل كماشة حزب الحرية والعدالة لتخنق حرية الصحافة، وزاد الطين بلة اختيار وزير للإعلام من حزب الحرية والعدالة هو الزميل «صلاح عبدالمقصود» المعروف بتعصبه وبتزمته الديني وقلة خبرته بحيث يدرك القاصي والداني أنه جاء ليكمم أفواه الإعلام المرئي والمسموع الذي يوجه الانتقادات لممارسات حزب الحرية والعدالة وممارسات الرئيس حتي أن الأخير قرر أن يقاضي بعض الإعلاميين. وتشهد المؤسسات الصحفية والإعلامية حالات استنفار وتوتر شامل، ويستعد الصحفيون والإعلاميون لمواجهة العدوان علي الحريات المحدودة التي حصلوا عليها بعد كفاح طويل، والمؤسف أنه بدلا من توسيع قاعدة هذه الحريات وتطويرها واستكمالها كما يليق بثورة 25 يناير وأهدافها وفي القلب منها الحرية فإن الصحفيين والإعلاميين مطالبون الآن بأن يخوضوا مجددا، ومن السطر الأول معركة حرية الصحافة والإعلام حتي يجذروا المنهج النقدي الديمقراطي ضد منهج السمع والطاعة الاستبدادي، وسوف تفعل الغالبية العظمي من الإعلاميين ذلك ليس دفاعا عن حرياتها فقط وإنما دفاعا عن أرزاقها أيضا، وسوف يؤدي هذا الانشغال لتدهور الصحافة والإعلام بسبب إجهاد العاملين في الدفاع عن أنفسهم.