محافظ الغربية: الجامعة الأهلية خطوة استراتيجية نحو تعليم متطور    لأول مرة في المدارس الحكومية.. «التعليم» تتعاون مع «كامبريدج» في تدريس اللغة الإنجليزية    محافظ الأقصر يتابع أنشطة مشروع الدعم الفني لوزارة التنمية المحلية    رئيس الوزراء: مشروعات البنية التحتية سبب إقبال المستثمرين على مصر    غارات إسرائيلية تشل مطار صنعاء وتحرم اليمنيين من الحج    رئيس وزراء كندا يؤكد سعي بلاده لإبرام اتفاق ثنائي جديد مع أمريكا لإلغاء الرسوم الجمركية    الاتحاد الأوروبي يرفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا لدعم التعافي السياسي والاقتصادي    بعد قراره بالاعتزال| وزير الرياضة يستقبل بطل مصر في الاسكواش    إصابة 5 أشخاص إثر انقلاب سيارة ملاكي في الفيوم    اليوم السابع: استعدادات حكومية مكثفة لعيد الأضحى    الأوبرا تستضيف معرض "عاشق الطبيعة.. حلم جديد" للفنان وليد السقا بقاعة صلاح طاهر    متى موعد صلاة عيد الأضحى المبارك 2025 في محافظات الجمهورية؟    دعاء الإفطار في اليوم الأول من ذي الحجة 2025    الجيش الإسرائيلي ينشر مشاهد لنصب مستوصف ميداني جنوب سوريا ل "دعم سكان المنطقة"    الاصلاح والنهضة توصي بتأهيل المرأة سياسيًا وتفعيل دور الأحزاب    عقوبة في الزمالك.. غيابات الأهلي.. تأجيل موقف السعيد.. واعتذار بسبب ميدو| نشرة الرياضة ½ اليوم    عطل مفاجئ في صفقة انتقال عمرو الجزار من غزل المحلة إلى الأهلى    نهاية موسم محترف الزمالك مع الفريق.. تعرف على التفاصيل    التخطيط والتعاون الدولي: حصول قرية الحصص بالدقهلية على شهادة ترشيد للمجتمعات الريفية الخضراء    رئيس منطقة الإسماعيليّة الأزهرية يبحث الاستعدادات لامتحانات الثانوية الشفوية    متى يبدأ صيام العشر الأوائل من ذي الحجة 1446؟    استعراض قوة وحيازة أسلحة.. المؤبد لعاملين بدار السلام بسوهاج    الفيوم تحصد مراكز متقدمة في مسابقتي المبتكر الصغير والرائد المثالي    اتحاد الصناعات يبحث مع سفير بيلاروسيا التعاون بالصناعات الثقيلة والدوائية    البوستر الرسمي لفيلم عائشة لا تستطيع الطيران ضمن الأفضل بجوائز لوسيول بمهرجان كان    «قنبلة فنية».. كريم عبدالعزيز: اتمني عمل سينمائي مع حلمي وعز والسقا    وزير أردني سابق: نتنياهو يسعى لتقويض مفاوضات واشنطن وطهران عبر ضربة عسكرية    «زي النهارده» في 28 مايو 2010.. وفاة الأديب والسيناريست أسامة أنور عكاشة    حسن الرداد وإيمي سمير غانم يرزقان ب «فادية»    لجنة الخطة بالنواب تطالب الإسكان ببيان بعدد القروض وأوجه استخدامها    المنسقة الأممية: لا سلام دائم في الشرق الأوسط دون تسوية شاملة للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي    «القومي للبحوث» ينظم ندوة حول فضل العشر الأوائل من شهر ذو الحجة    نائب وزير الصحة يشيد بأداء عدد من المنشآت الصحية بقنا ويحدد مهلة لتلافى السلبيات    إيلون ماسك ينتقد مشروع قانون في أجندة ترامب التشريعية    مصرع شخص أسفل عجلات قطار في بني سويف    رومانو: تاه يخضع للفحص الطبي تمهيدًا للانتقال إلى بايرن ميونخ    تقارير تكشف.. لماذا رفض دي بروين عرضين من الدوري الإنجليزي؟    طارق يحيي: لن ينصلح حال الزمالك إلا بالتعاقد مع لاعبين سوبر    طريقة عمل الموزة الضاني في الفرن لغداء فاخر    في 24 ساعة فقط- 3 مشروبات تنقي جسمك من السموم    حرام شرعًا وغير أخلاقي.. «الإفتاء» توضح حكم التصوير مع المتوفى أو المحتضر    الرقابة المالية: التأمين البحري يؤدي دور محوري في تعزيز التجارة الدولية    أكاديمية الشرطة تُنظم الاجتماع الخامس لرؤساء إدارات التدريب بأجهزة الشرطة بالدول الأفريقية "الأفريبول" بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولى GIZ    د.محمد سامى عبدالصادق: حقوق السربون بجامعة القاهرة تقدم أجيالا من القانونيين المؤهلين لترسيخ قيم الإنصاف وسيادة القانون والدفاع عن الحق.    نائب وزير الصحة تعقد اجتماعًا لمتابعة مستجدات توصيات النسخة الثانية للمؤتمر العالمي للسكان    اليونيفيل: أي تدخّل في أنشطة جنودنا غير مقبول ويتعارض مع التزامات لبنان    5 أهداف مهمة لمبادرة الرواد الرقميون.. تعرف عليها    اسكواش - تتويج عسل ونوران جوهر بلقب بالم هيلز المفتوحة    الحكومة تطرح 4 آلاف سيارة تاكسي وربع نقل للشباب بدون جمارك وضرائب    الإعدام لمتهم والسجن المشدد 15 عامًا لآخر ب«خلية داعش قنا»    حملة أمنية تضبط 400 قطعة سلاح وذخيرة خلال 24 ساعة    «بيت الزكاة والصدقات» يصرف 500 جنيه إضافية لمستحقي الإعانة الشهرية غدًا الخميس    وزير التعليم: 98 ألف فصل جديد وتوسّع في التكنولوجيا التطبيقية    نائب وزير الصحة: إنشاء معهد فنى صحى بنظام السنتين فى قنا    وزير الخارجية يتوجه إلى المغرب لبحث تطوير العلاقات    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق مخزن بلاستيك بالخانكة| صور    وزير العمل يعلن استمرار التقديم على بعض الوظائف القيادية داخل "الوزارة" و"مديرياتها"    ألم في المعدة.. حظ برج الدلو اليوم 28 مايو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.شبل بدران يكتب :المجانية حق انساني.. وضرورة اجتماعية
نشر في الأهالي يوم 31 - 07 - 2012

كان التعليم وما زال مجالاً للصراع الاجتماعي والسياسي، ومطلباً وطنياً علي أجندة العمل السياسي في التاريخ المصري الحديث والمعاصر، واحتل مكانة أساسية علي أجندة القوي السياسية والاجتماعية في مصر منذ مطلع القرن التاسع عشر، فتجربة محمد علي في بناء دولة مصر الحديثة كان عمادها التعليم الحديث والمدني، والذي نقل المجتمع المصري من حالة التخلف الي حالة النهضة والتقدم، ولقد تنبه محمد علي مبكراً للوضع الاقتصادي والاجتماعي في مصر، فكان سبيله مجانية التعليم، تلك المجانية التي لم يشهدها العالم الحديث، حيث لم تكتف بتقديم التعليم الي الطلاب، بل رعايتهم اجتماعياً واقتصادياً، فاستطاع في سنوات قليلة تخريج أطباء ومهندسين وضباط وفنيين، وبذلك حقق نهضة غير مسبوقة في المجتمع المصري.
الا أن الحال لم يدم طويلاً، فكان الاحتلال الذي جعل التعليم أداة للفرز الاجتماعي وقصر التعليم علي القلة، فقام بفرض المصروفات الدراسية وأقام الامتحانات التعجيزية، وجعل التعليم قيداً في أيدي الفقراء، وأتاحه لأبناء كبار ملاك الأرض الزراعية والرأسماليين الجدد، وظل الحال هكذا حتي مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، ولقد أدي ذلك الوضع الطبقي في التعليم الي صرخة “طه حسين” في الأربعينيات بأن التعليم كالماء والهواء؛ حق انساني ومطلب اجتماعي، وكان ذلك قبل صرخة الأمم المتحدة بصدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان في 10/12/1948 والذي كان علي أولوياته أن التعليم مجاني تتيحه الدولة للفرد دون قيود أو عراقيل.
ومع ثورة يوليو كان التعليم أحد أهم المفاصل الأساسية في توجهها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، فقامت في عام 1962 بتحرير التعليم العالي والجامعي وكان التعليم في جميع مراحله وأنواعه مجانياً ومتاحاً أمام أبناء الأمة بناءً علي قدراتهم وامكاناتهم في مواصلة الدراسة، فتوسعت الدولة في أنواع وأشكال التعليم الجامعي وما قبل الجامعي، وفتحت العديد من المعاهد العليا لتخريج الكوادر الفنية تلبية لحاجة المجتمع في تطوره الاقتصادي والاجتماعي، ومع الاتاحة الكاملة للتعليم تعلمت العديد من القوي الاجتماعية والسياسية والتي تبوأت مراكز القيادة والادارة في المجتمع المصري خلال حقبة السبعينيات والثمانينيات، كل تلك الكوادر المؤهلة المدربة هي بنت ثورة يوليو واعادتها الاعتبار للفقراء والكادحين الذين حرموا من التعليم بحكم وضعهم الطبقي والاجتماعي لسنوات طويلة.
الأفكار التربوية
واذا كانت الثورة قد تبنّت جّل الأفكار الثورية المتاحة في الخمسينيات والتي أعلت من قيمة الانسان، والعمل، والعدالة الاجتماعية، والمساواة، وتكافؤ الفرص بين الناس، تلك الشعارات التي لم تكن موجودة من قبل، ولم يكن هناك من أحد يتحدث بها نظراً لأنها تشكل أفكاراً ثورية تدعو الي تغيير الوضع القائم، الا أن تلك الأفكار كانت هي الفضاء الواسع الذي لعبت فيه الثورة بكل جدارة وكفاءة واستطاعت من خلال تلك الشعارات أن تنظم الجماهير حولها وأن تكون شعبية وجماهيرية للثورة في مواجهة تلك القوي التي حاولت احباط مشروع الثورة ذاته، الا أن الأفكار التربوية والسياسات التعليمية التي سادت تلك الفترة، كانت تنطلق من أيديولوجية فكرية حكمت توجهات الثورة، وهي نظرية التوازن وفي مواجهة نظرية الصراع.
لقد ساد الاتجاه الوظيفي التوازني الذي يحكم المجتمعات الليبرالية ومن هنا فعلي الرغم من الشعارات الثورية التي رفعتها الثورة، لكن الأفكار التربوية والسياسات التعليمية كانت تنطوي علي البراجماتية وأفكار “جون ديوي” المفكر التربوي الأمريكي الأشهر، ولم تتبن نظريات ثورة وأفكار ثورية في التعليم، وكان جّل التعليم يعود الي المدرسة الغربية وتحديداً الأمريكية، ولا شك أن ذلك يعد تناقضاً جوهرياً في توجهات الثورة في جانبها التربوي والتعليمي، ونستطيع أن نبلور الاتجاه التوازني في مجال التربية، والذي ساد خلال عقد الخمسينيات والستينيات، مع ضرورة التأكيد علي أن ما قامت به الثورة في مجال التعليم أمر غير مسبوق ويضاهي تجربة محمد علي وتحديداً مجانية التعليم بوصفها حقا انسانيا ومطلبا مجتمعيا.
ان التعليم يقوم بطريقة رشيدة وموضوعية بتصنيف وانتقاء أفراد المجتمع وفقاً لقدراتهم وامكاناتهم، وبذلك يساعد التعليم علي تحقيق المساواة الاجتماعية بين أفراد المجتمع، فالتعليم أداة لتحقيق الكفاية والمساواة في المجتمع مجتمع الكفاية والعدل وهو شعار الميثاق الشهير.
وحينما يقوم التعليم بتصنيف وانتقاء الأفراد وفقاً لقدراتهم فهو يساعد علي بناء مجتمع يقوم علي الجدارة والاستحقاق، كما يساعد علي خلق مجتمع طبقي مرن غير مغلق تتحدد فيه المكانة الاجتماعية للأفراد وفقاً لما يملكونه من مواهب وقدرات، ومن ثم تتاح لهم فرص واسعة ومتكافئة في عملية الحراك الاجتماعي في كل اتجاه داخل طبقات المجتمع.
النمو الاقتصادي
كان التعليم أداة لاعداد القوي العاملة والماهرة التي تستطيع أن تقابل متطلبات التطور التكنولوجي في سوق العمل وكذلك التطور الاقتصادي، من هنا استطاعت الثورة بعد عام 1962 تأهيل القوي العاملة الماهرة من خلال مجانية التعليم الجامعي والعالي وفتح صيغ جديدة في المعاهد العليا الفنية التي لبّت حاجة المجتمع التكنولوجية والصناعية بعد التأميم والخطة الخمسية الأولي 1960 1965.
هناك علاقة موجبة بين ما يتعلمه الفرد داخل المدرسة من مهارات معرفية وبين مستوي أدائه في العمل، وترتب علي ذلك انه كلما زاد المستوي التعليمي للفرد، تحسن مستوي أدائه في العمل، وزاد مستواه المادي والوظيفي.
المهارات المعرفية التي يتعلمها أفراد المجتمع في المدارس ليست لازمة فقط لتحقيق النمو الاقتصادي في المجتمعات الحديثة، بل أيضاً لازمة لتحقيق التنمية السياسية والاجتماعية، فالتعليم أداة لتحديث المجتمع.
لقد سيطر هذا المفهوم علي حركة التعليم وفلسفته وأهدافه وكان ذيوع هذا المفهوم الذي أضفي الشرعية علي التفاوت الطبقي وحصر وظيفة التعليم باعتباره عاملاً مساعداً في النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية الاقتصادية، وعلي الرغم من الشعارات الثورية التي رفعت خلال عقد الخمسينيات والستينيات، الا أن مفهوم التعليم أخفق في تخفيف حدة الفقر أو التفاوت الاجتماعي أو زيادة الوعي الاجتماعي، لقد عبّر التعليم وسياسته عن أيديولوجية الوسط لثورة 23 يوليو، تلك الأيديولوجية التي تكرست خلال عقود الثورة، والتي كان من أبرز مثالبها تغليب كفة أهل الثقة علي أهل الخبرة.
اعلاء شأن المادة
تلك كانت النظرية التربوية الوظيفية التوازنية التي اعتمدتها ثورة يوليو في مجال التعليم، لكن ذلك لا يلغي البتة الانجازات الوطنية والسياسية والاجتماعية التي نالها الشعب المصري من ثورة يوليو في مجال التعليم ولعل من أبرزها:
- اذابة الفوراق الطبقية، وذلك من خلال تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية بين جميع المواطنين واطلاق الطاقات الكامنة بداخلهم للعمل والتواصل الي ما لا نهاية.
- اتاحة فرص التعليم كاملة لجميع أفراد الشعب علي قدم المساواة، بحيث لا يحول حائل مادي أو طبقي بين فرد وبلوغ أقصي ما تؤهله له قدراته
الترقي الاجتماعي
- تأكيد أن العمل القائم علي العلم هو القيمة الوحيدة التي ترتب للمواطنين انسانيتهم ومكانتهم في مجتمعهم، كما انه الوسيلة الفعالة لتنمية الموارد الاقتصادية وتحقيق التقدم والرفاهية للمواطنين جميعاً.
تلك كانت أبرز وأهم انجازات ثورة يوليو في مجال التعليم، وتلك الانجازات هي التي أهلت ودربت وأتاحت الفرصة أمام العديد من الأفراد لكي يتبنوا مكانة عالية في المجتمع بصرف النظر عن وضعهم الاجتماعي والطبقي ولم يكن ذلك في مصر وحدها، بل تعدي الحدود القطرية وشمل المنطقة العربية، في اعلاء شأن المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص في التعليم والحياة والعمل.
وأخيراً شهادة لابد أن نسجلها هنا بهذه المناسبة، أن العديد من المواطنين وأبناء النخبة المصرية، وغالبية قيادات ووزراء البلد، وعلي رأسهم الدكتور/ محمد مرسي رئيس الجمهورية وكاتب هذه السطور واحد منهم لو لا ثورة يوليو ومجانية التعليم، ما كنت الآن فيما أنا فيه وما هم فيه الآن أيضاً، ربما كنا مزارعين أو حرفيين أو مهنيين أو عاطلين أو سائقي تاكسي أو نقاشين ……… الخ، لقد أتاحت ثورة يوليو لي ولأمثالي فرص الترقي الاجتماعي والعلمي والوظيفي والمكانة في المجتمع القائمة علي الجدارة والا ستحقاق، بعيداً عن الوضع الاجتماعي والطبقي، ومن يشك في ذلك عليه أن يقيم جدولاً للمقارنة بين الخمسينيات والستينيات ومطلع الألفية الثالثة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.