في مثل هذا اليوم منذ 60 عاما قامت ثورة 23 يوليو لتقضي علي الفساد وتكتب تاريخا جديدا لمصر في سجل الثورات العالمية.. لم تكن انقلابا عسكريا كما يزعم الكارهون بل كانت ثورة بالفعل حررت المصريين من نير العبودية وأسهمت في حركات التحرر في أسيا وإفريقيا وكانت صاحبة الفضل علي الثورات العربية.. ثورة حققت الي كان مستحيلا بزعامة جمال عبد الناصر وأسهمت بصورة كبيرة في الثقافة المصرية ونهضة المسرح المصري التي لولا أفكارها الثورية وخطابها الجديد لما عشنا عصر النهضة الكبري له.. ثورة ألهبت خيال الكتاب والمفكرين وحررت العامل والفلاح وجعلت لهما صوتا في الحياة السياسية وأنشأت الطبقة الوسطي التي حملت منارة الإشعاع في الوعي المصري. يعود الفضل إلي ثورة 23يوليو في بدء مرحلة من النضج والوعي الثقافي بشكل لم يسبق له مثيل ، فقد تأثر المثقفون والمفكرون بالأفكار الاشتراكية لثورة يوليو 1952 فكاتب مثل توفيق الحكيم يدعو إلي تقديس العمل من أجل مصلحة الجماعة لا الفرد فيكتب »الأيدي الناعمة« تجسيداً للشعار الذي أطلقته الثورة علي لسان زعيمها جمال عبد الناصر »العمل حق.. العمل واجب.. العمل شرف« وتحرك ألفريد فرج نحو الترويج لفكرة التأميم والعدالة الاجتماعية في مسرحيته »علي جناح التبريزي وتابعه قفة«. وكتب سعد الدين وهبة مسرحياته التي ناقش فيها قضايا المجتمع والفساد السياسي والاجتماعي وآثاره السلبية علي الطبقات الدنيا في »المحروسة كوبري الناموس السبنسة كفر البطيخ« ثم تناوله نقد تجربة الثورة في مسرحياته »المسامير سكة السلامة يا سلام سلم الحيطة بتتكلم«. وكذلك علي سالم في عفاريت مصر الجديدة. وكان نعمان عاشور رائد الواقعية الحديثة منتقدا التحول المجتمعي في »الناس اللي تحت« بصورة لا تخلو من سخرية وتهكم حافل بالكوميديا.. واتجه يوسف إدريس في كل أعماله يبحث عن حياة أفضل تضمن للإنسان العدل والحرية. تلك الفكرة التي قامت عليها »جمهورية فرحات« والتي حلم فيها بجمهورية مثالية يوجد فيها عمل ورفاهية وعدل وحرية وبالتالي يستطيع الإنسان أن يجد فيها معني لوجوده بعيدا عن الفقر والتفرقة الطبقية. وفي »المخططين« وهي المسرحية التي يعرض فيها »يوسف إدريس« بوضوح شديد لاهتمامه بالقضايا السياسية ، يدين بطريقة رمزية ساخرة موقف الحياة السياسية المصرية في نهاية الستينات. لقد تأثر كتاب المسرح المصري بالمناخ الثوري واستطاعت الثورة أن توقظ فيهم إحساسهم بقوميتهم فظهر الكاتب المسرحي الموالي للفكر الثوري والكاتب المنتقد له بشكل رمزي خوفاً من بطش السلطة، فقد استطاعوا ربط الفكر بالحياة في محاولة لإيقاظ وعي المتلقي ليدرك حقيقة الواقع ومن ثم يمكنه إصلاحه وتغييره. ستبقي ثورة 23 يوليو دائما هي الحدث الذي تغيرت معه حياة مصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعلاقاتها الخارجية بعدما تمكنت من تحرير الوطن من المحتل الأجنبي والتخلص من الملكية وإقامة الجمهورية وإذا كان لكل ثورة إيجابياتها وسلبياتها وإنجازاتها وإخفاقاتها، فمما لا شك فيه أن حصيلة ثورة يوليو كانت في سعيها المستمر إلي تطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية وإزالة الفوارق بين الطبقات، والاهتمام بالصحة والتعليم والثقافة وإعادة الكرامة للعامل والفلاح والقضاء علي الإقطاع. لقد أحدثت ثورة يوليو تحولات ثقافية واقتصادية جوهرية في مصر أعيد علي إثرها صياغة التركيبة الاجتماعية والطبقية وأخرجت مصر من حالة التبعية للخارج. وعلي المستوي الثقافي أنشأت الثورة قصور الثقافة والمراكز الثقافية لتحقيق توزيع ديمقراطي للثقافة وتعويض مناطق طال حرمانها من ثمرات الإبداع الذي احتكرته العاصمة وهو ما يعد من أهم وأبرز انجازاتها الثقافية، وكذلك إنشاء أكاديمية الفنون لتضم المعاهد العليا للمسرح والسينما والنقد والباليه والأوبرا والموسيقي والفنون الشعبية كما وجهت الدعم لرعاية الآثار والمتاحف ودعمت السينما فكانت سلاحا لاستنهاض عزيمة المصريين وانتشار الأدب المصري في العالم.. ولعلنا لا ننسي لثورة يوليو إقرار مجانية التعليم وإنشاء الجامعات ومراكز البحث العلمي وتطوير المستشفيات التعليمية فتعلم أبناء الطبقة الوسطي الذين لم تكن تتاح الفرصة لهم للمشاركة في رسم مستقبل الوطن. فكانت الثورة العصر الذهبي للطبقة العاملة المطحونة الذين عانوا اشد المعاناة من الظلم وفقدان العدالة الاجتماعية وألغت الطبقات بين الشعب المصري وأصبح الفقراء قضاة وأساتذة جامعة وسفراء ووزراء وأطباء ومحامين وتغيرت البنية الاجتماعية للمجتمع المصري. في هذا اليوم المجيد في تاريخ مصر نقرأ الفاتحة ترحما علي عبد الناصر ورفاقه الذين ذهبوا إلي لقاء ربهم. فلكل ثورة محاسن وأخطاء وقد فعلوا الكثير من أجل مصر.