لاشك أن ما حدث للأزهر شيخا ومشيخة من إهمال متعمد في جامعة القاهرة أثناء احتفالية الاخوان بتنصيب أحد رموزها رئيسا للجمهورية، لم يكن مصادفة أو سهوا تنظيميا من إدارة القاعة بل أكاد أجزم ولا سيما بعد انفعال الشيخ الوقور أن تلك رغبة تاريخية مقصودة ومبيتة من الجماعة لاعتلاء المنبر الكبير واحتواء أكبر عمامة تغطي مساحة شاسعة من الوجدان الفكري والدعوي في الشارع الإسلامي علي امتداد المعمورة. لقد كانت ضربة البداية في معركة الاخوان لاستعمار الأزهر عندما ولي الاستاذ البنا مؤسس التنظيم، وجهه الدراسي شطر دار العلوم كبديل عن التعليم الأزهري وارتضي الطربوش بدلا من العمامة، وهو الذي آل علي نفسه حمل هموم الأمة والعمل علي استعادة الخلافة العثمانية، ثم اتخذ الأزهر بعد ذلك مساحة منبرية لبسط تطلعاته السياسية علي الرأي العام لاضفاء الشرعية علي طموحاته التاريخية، فقام بارسال الاستاذ مصطفي مؤمن للحديث عن القضية الفلسطينية من فوق منبر الازهر بعد ثورة القسام 1936، وتجاهل سماحته ساحته العلمية العقلانية التي نادي الاستاذ الإمام محمد عبده بتطويرها وتخليصها من براثن العقلية النقلية الحرفية، بل إن المدهش أن البنا في صراعه الدعوي مع الأزهر لاحتوائه وتسخيره لمشروعه الممتد فكريا وجغرافيا إلي الوهابية السعودية التي تكرس كل ما تملك لتفكيك الدولة المصرية انتقاما من محمد علي باشا وابنه ابراهيم باشا ضد افكار الدرعية الوهابية بداية القرن التاسع عشر. اقول المدهش هو التحاق مؤسس الاخوان بالشيخ رشيد رضا، وهو أحد أهم المتحولين عن منظومة الاصلاح الديني للإمام محمد عبده لصالح المشروع السعودي الوهابي الاستعماري كبديل عن الوسطية الأزهرية إن ما فعله تلامذة الاخوان مع شيخ الأزهر وتركه دون اكتراث بقيمته وقامته هو أمر بالغ الخطر والأهمية وتخليدا للانقسامات برغم البيانات والاعتذارات. وليس من نافلة القول بأن كثيرا من مشايخ الأزهر وأعمدته يتوجسون خيفة من جماعة الاخوان واختطافهم راية القرآن بعيدا عن وسطية الأزهر جامع وجامعة، يقول المستشرف جولد تيسهر ووافقه الشيخ الغزالي. «إن المسائل السياسية في جماعة نبت كيانها علي أساس ديني لابد أن تصطبغ بصبغة دينية وأن تتخذ المصالح الدينية مظهرا لها ما يضفي علي المنازعات السياسية طابعا خاصا». إننا نحذر من حالة التربص التاريخي بالمؤسسة الأزهرية التي تمثل العمود الفقري في تماسك النسيج الوطني، وما حدث وسيحدث يكشف عن علل تعتري المتدينين عندما يبتذلون الحق الذي شرفهم الله به، وينسون قيمته ومعناه فيسلطون عليه أهواءهم، ويعكرون رونقه بشهواتهم، وكثير منهم تهاجم باسم الله وهو في الواقع ينبعث عن عوج نفسي أو هو اسير مأرب دنيوي سيطر عليه من حيث يدري أو لا يدري.