عندما قال الشيخ السلفي المتشدد محمد حسين يعقوب بعد إعلان الموافقة علي التعديلات الدستورية إنها غزوة الصناديق التي حسمت الأمر لصالح الإسلاميين، وانهزم فيها أنصار التيار العلماني، وقال «الناس قالت آه للدين، ولا للعلمانية والمدنية، دي بلدنا واللي مش عاجبه يروح كندا ولا أمريكا»، وبعد ما أثارته هذه التصريحات من غضب لدي جموع المصريين الذين عرف عنهم التدين الفطري تراجع الشيخ السلفي عن هذه التصريحات بحجة أنه لم يكن يقصد ذلك. ثم نشر السلفيون بعد ذلك علي موقع «أنا السلفي» تحذيرات للفتيات والسيدات اللاتي لايرتدين الحجاب وتوعدوهن بتشويه وجوههن بهدف نشر الخوف والرعب ثم تم رفع هذه الرسالة من علي الموقع الخاص بهم، وحلت محلها رسالة أخري تتبرأ من الرسالة الأولي، وتؤكد فيها الجماعة أنها ملتزمة بالمنهج الإسلامي لكنها تهيب بالإخوان عدم السفور والالتزام بتعاليم الإسلام إلي غير ذلك من أفعال وصلت إلي درجة القتل لأحد الأشخاص بحجة أنه لايصلي أو يسب الدين كما ذكر السلفي القاتل ثم يذكر أن القتل وقع خطأ بعد أن قتل شخصًا آخر غير الشخص المقصود. فكانت النتيجة قتل خطأ، وإلي جانب ذلك فهذه الحادثة تشير إلي أن العنف هو الوسيلة الوحيدة للتعامل مع من يخالفهم في الرأي وليس الحوار ثم يعلنون أنهم يقبلون بالديمقراطية، ويسعون إلي تطبيقها، في تناقض غريب لا يحمل إلا معني واحدًا هو تحقيق مطالبهم فقط أيًا كانت الوسيلة. هذا إلي جانب أن السلفيين لايتورعون عن استخدام أي وسيلة لتحقيق أهدافهم حتي لو كان الكذب والتضليل هو الطريق لذلك والدليل علي ذلك شهادة أحد السلفيين الذين التقيت بهم والحديث مسجل وقال إن الكذب مباح لو كان لتضليل رجال أمن الدولة أو أحد أفراد المجتمع المدني الكافر، وقال هذا السلفي ولو سألك أحد الكفار وقال لك عندك تليفزيون قل له آه لو سألك السلام علي السيدات حلال أم حرام قول له حلال لو سألك عن الوديعة في البنوك حلال أم حرام قل له إيه المشكلة أني أضع فلوسي في البنك بس لازم إنت بينك وبين نفسك تكون عارف إن هذه الأمور من المحرمات لكن الكافر لازم تضلله. وأضاف هذا السلفي: والسلفيون في المرحلة القادمة سيعملون علي الانتشار في كل دول العالم، ولن نترك فرصة لنشر تعاليمهم الدينية، وفي محاولة لفهم هذا التناقض لجأنا إلي رجال الدين. - لتوضيح الصورة (خريجو العشوائيات) تري الدكتورة عبلة الكحلاوي الأستاذ بجامعة الأزهر أن السلفيين شريحة موجودة في المجتمع تعرضوا لضغوط شديدة ولذا وقت أن تنسموا الحرية أخرجوا المخزون الفكري المتشدد الموجود داخلهم. وأضافت: هناك تناقض في أقوالهم وأفعالهم فيوجد بينهم المتشددون، وهناك أشخاص موضوعيون بدأوا بتصحيح أخطائهم خاصة مع إحساسهم بالحالة السيئة التي تمر بها البلاد، وتري الكحلاوي أن المتشددين علينا مواجهتهم بنوع من التنوير، وأن نوضح لهم طبيعة المرحلة الراهنة، وأن نشرح لهم صحيح الدين، وأننا سنقابل الله تعالي بالعمل الصالح، ورفع راية الإسلام ليس بهدم الأضرحة وقتل الآخرين. وأضافت: علينا أن نسمع هؤلاء ونعرف أفكارهم حتي نستطيع مواجهتها، وحتي نعرف العقلية التي ستشارك في صنع المستقبل، وينبغي أن يكون هناك دارس لهذه الشرائح وكيفية التعامل معها لأنهم أصحاب أيديولوجيات لن نتمكن من مواجهتها إلا بالفكر السوي المتمثل في الأزهر الشريف. وقالت الكحلاوي: هؤلاء نتاج العشوائيات ولذا ذهب معظمهم للبحث عن الجنة في الآخرة بحجة أنهم لايجدونها في الدنيا ولكن التشدد والتناقض ناتج عن عدم فهم لصحيح الدين ونشر هذا الدين الصحيح مسئوليتنا ومسئولية الأزهر هذا إلي جانب احتياجنا إلي نوع من الدبلوماسية الناعمة، والخشنة لو لزم الأمر لذلك لمواجهة هؤلاء ومناقشتهم وينبغي أن يكون المحاور من أهل العلم والثقافة العالم بأمور الدين الصحيح، وأن يكون علي دراية بالأحداث الأمنية، والأجندات الخاصة التي يلعب أصحابها بأمن هذا البلد، وعلي المحاور أن يخاطب في هؤلاء النخوة والدين وحب الوطن، أما القادمون من أفغانستان والشيشان ومن هم علي شاكلتهم فهؤلاء لايمكن لشعب مصر بتاريخه أن يقبلهم لأن الصامتين حين يتعلق الأمر بأمن الوطن سيتكلمون. - (الرد علي تيار السلفيين) - أما الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية فيري أن السلفيين مازالوا علي مواقفهم المتشددة وآرائهم المتناقضة وما تحمله من غلو وشطط. ويقول دكتور هاشم إن الذي قام به البعض من اعتداء علي المساجد والأضرحة من أخطر ما يصيب المجتمع بالفتن، ويتنافي مع منهج الإسلام الذي يدعو إلي نشر التعاليم الصحيحة بالحكمة والموعظة الحسنة، وأضاف إن الذين يسلكون طريق الدعوة بالتشدد والعنف لايصلون إلي قلوب الناس، ولذا لابد لداعي الحق أن ينأي عن العنف والتشدد وأن يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يتأكد من أن الذي يدعو غيره إليه هو الحق لا مرية فيه، فإن لم يكن كذلك لن يستطيع إقناع الغير. ويري دكتور عمر هاشم أنه لايصح أن يتصدي للدعوة إلا أهل العلم والذكر كما يقول الله سبحانه وتعالي «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون»، أما إثارة المشكلات الفكرية وافتعال القضايا الهامشية فمناخ هذه المرحلة الراهنة يحتاج المخلصين والداعين إلي الحق من أهل الذكر لا من غيرهم، ويحتاج لأهل العلم وليس أهل الهوي حتي يحافظوا علي جمع شمل الأمة، والعمل علي وحدة صفها، والبعد عن إثارة الفتن، وأن تتم مناقشة القضايا الخلافية في المجامع الإسلامية العلمية المتخصصة حتي لايحدث تأجيج للفتن الطائفية بين المسلمين والمسيحيين أو بين بعض التيارات من المسلمين لأن هذه ظواهر سلبية لاتخدم إلا أعداء الأمة والمتربصين بها ويحاولون إجهاض ثورتها وضرب نهضتها. وقال دكتور عمر هاشم إن المخلصين لدينهم ووطنهم وعقيدتهم هم الذين يدعون إلي وحدة الأمة وينبذون الفرقة والتنازع ويسأل دكتور أحمد عمر هاشم هل من الإسلام أن تهدم أضرحة الموتي والمساجد؟ هل من الإسلام ضرب وحدة المجتمع وتفريق كلمة الأمة، هل من الإسلام أن تتراشق بعض التيارات بالكلام الجارح؟ وقال: أولي بالمسلمين أن يجتمعوا علي الحق وأن تسود فيهم روح الأخوة والمحبة والرفق والتسامح حتي ننهض بأمتنا الإسلامية. - (طوائف شتي) ويقول فضيلة الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق إن التناقض والاختلاف بين السلفيين يرجع إلي تقسيمهم إلي مجموعات مختلفة وطوائف شتي ولذا تأتي آراؤهم متناقضة ومتضاربة نظراً لاختلاف توجهاتهم لكن الحقيقة أن هدم الأضرحة والتفرق والتشرذم وتكفير الآخرين ليس من الإسلام في شيء وإذا كان هؤلاء ينادون الآن بتطبيق الحدود فهذا أمر مضحك لأن تطبيق الحدود موكل للدولة وليس للأفراد كما أنه لم يثبت في صحيح الدين هدم الأضرحة. وأضاف عاشور: علي الأزهر أن يسترد مكانته ويتصدي للفرق والطوائف التي ظهرت بعد ثورة 25 يناير، وما تبعها من آراء وأفكار وأفعال لم نسمع بها في الإسلام الوسطي المعتدل وعلي الأزهر أيضاً العمل علي نشر الفكر الديني المعتدل، فالرسول «صلي الله عليه وسلم» قال «يسروا ولاتعسروا وبشروا ولاتنفروا». حتي نتمكن من صد هؤلاء. الوهابية الوهابية مصطلح أطلق علي حركة إسلامية سياسية قامت في منطقة نجد وسط شبه الجزيرة العربية في أواخر القرن الثاني عشر الهجري، الموافق للثامن عشر الميلادي علي يد محمد بن عبد الوهاب (1703-1792) ومحمد بن سعود حيث تحالفا لنشر الدعوة السلفية. وقد كانت بدايتهما في الدرعية إذ أعلن محمد بن عبد الوهاب «الجهاد» فشن سلسلة من الحروب (وكانوا يسمونها بالغزوات) صادروا فيها أموال خصومهم (وكانوا يسمونها بالغنائم) وخسر العديد من المسلمين أرواحهم نتيجة هذه الحروب، واعتبرتهم مصادر عديدة أنهم بذلك خرجوا علي الخلافة الإسلامية التي كانت تحت حكم العثمانيين. بينما اعتبرها الوهابية إقامةً لدولة التوحيد والعقيدة الصحيحة وتطهيرًا لأمة الإسلام من الشرك، الأمر الذي جعل العديد من علماء السنة يري في اتهام محمد عبدالوهاب ومريديه للآخرين بالشرك مواصلةً لطريقة الخوارج في الاستناد لنصوص الكتاب والسنة التي نزلت في حق الكفار والمشركين وتطبيقها علي المسلمين، بينما يري الوهابية أنهم هم أهل السنة الحقيقيون وهم الفرقة الناجية الوحيدة من النار، أما من خالفهم فإمّا كافر أو مبتدع ضال أو لديه أخطاء في العقيدة، ونتج عن هذه الحروب قيام الدولة السعودية الأولي، فاستطاعت أن تصل إلي دمشق شمالاً وعمان جنوباً. وفي عام 1818 حاصرت القوات المصرية بقيادة إبراهيم باشا بن محمد علي باشا الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولي ودمرتها.