محمد إبراهيم: الانفلات الأمني وراء التعدي علي شارع المعز تحقيق : سهام العقاد تزخر مصر بآثار شامخة لا تعد ولا تحصي، منها المساجد والكنائس والقصور والبيوت، التي يمكن أن تجعل من مصر أكبر متحف مفتوح في العالم!! لكن للأسف هناك العديد من الآثار والمناطق التاريخية المهمة التي تحولت لمقالب قمامة، أو افترش شوارعها الباعة الجائلون، أو أغرقتها مياه الصرف الصحي، وباتت مهددة بالزوال رغم تحديها للزمن علي مر العصور. وقد تعرض شارع المعز أعرق شوارع القاهرة الذي يضم أبرز آثار مصر الإسلامية لأضرار بالغة. في التحقيق التالي نحاول الوقوف علي الأسباب التي تهدد القاهرة الفاطمية، والكنوز التاريخية، والحضارة المصرية. يذكر أن شارع المعز له قيمة تاريخية كبري، فهو أقدم شارع في العالم -حسب د. زاهي حواس- حيث يحكي تاريخ مصر خلال ألف عام. بدأ مع بناء القاهرة الفاطمية وشهد عمائر كل خلفائها وأثرياء مصر من قادة وتجار، لم تنقطع عنه مواكب الخلفاء في المناسبات الدينية والأعياد والاحتفالات الخاصة بالبيت الفاطمي، يضم عددًا كبيرًا من آثار الدولة الفاطمية، منها باب الفتوح وزاوية أبو الخير الكليباتي، ومسجد وسبيل سليمان أغا السلحدار، وجامع الأقمر الذي أمر بإنشائه الخليفة الآمر بأحكام الله أبو علي المنصور بن المستعلي بالله عام 1125م، والمدرسة الكاملية وتعد ثاني مدرسة للتدريس الحديث بعد المدرسة التي أنشأها الملك العادل نور الدين زنكي، وسبيل خسرو باشا وغيرها من الآثار النادرة. كما يضم شارع المعز العديد من الآثار التاريخية المهمة للعصر الفاطمي الإسلامي، ومنها متحف النسيج المصري الذي يحتوي علي قطع أصلية من كسوة الكعبة الشريفة، بالإضافة إلي مجموعة من المباني الأثرية كالمدرسة الكاملية، ومسجد السلطان برقوق، ومدرسة الظاهر بيبرس ، ومدرسة ومارستان السلطان قلاوون، وسبيل الناصر محمد بن قلاوون، وسبيل محمد علي بالنحاسين، وغيرها من المعالم التاريخية. حماية الآثار يقول عماد عمار جواهرجي بشارع المعز:مع غياب الشرطة اقتحمت السيارات الشارع التاريخي مجددا، وللأسف أغرقته المياه واحتله الخارجون عن القانون واستباحوه ببضائعهم وأهملت صيانة مرافق الشارع.. متسائلا أين دور الأمن في حماية الآثار ومنع هؤلاء الباعة من تشويه المناطق التاريخية التي يقبل عليها السائحين من مختلف أقطار العالم؟ وأين دور الحكومة؟ وهيئة الصرف الصحي؟ أكد عصام السويسي صاحب مطبعة ضرورة الحفاظ علي المعالم الأثرية بالمنطقة، وانه يجب أن يكون في مقدمة اهتماماتنا خاصة أن هناك محاولة لتدمير ثقافتنا وتراثنا الحضاري، لذلك يجب اتخاذ كل الإجراءات الأمنية، والقيام بأعمال الصيانة بشكل دوري، من أجل حماية أثارنا من الاندثار. في حين شدد المهندس محمود عثمان “يقطن بالمنطقة” علي ضرورة منع مرور سيارات النقل نهائيا من شارع المعز، ومنع الباعة «السريحة» من الوجود بالشارع والقبض عليهم في حال مخالفتهم للقانون، حتي يظل محتفظا بطابعة الجمالي والأثري. الأماكن التراثية مؤخرا وفي هذا السياق تم توقيع بروتوكول تعاون بين الجهازالقومي للتنسيق الحضاري برئاسة سمير غريب، ود. طارق شوقي مدير المكتب الإقليمي لليونسكو بالقاهرة، ووزير الثقافة السابق دكتور صابر عرب، ود.محمد إبراهيم وزير الآثار والمكلف بحقيبة وزارة الثقافة حاليا، وذلك بمقر الجهاز بالقلعة من أجل تطوير القاهرة التاريخية. قال د. صابر عرب: من العار علينا كمصريين إهمال القاهرة التاريخية بهذه الطريقة، خاصة في الأماكن التي تم تحديدها والإعداد لتكون مزارات سياحية وعار علينا أن تحدث هذه الهجمات من الناس لتحتل الشوارع وتقيم البنايات بطرق غير قانونية، خاصة في المناطق التي تم ترميمها لكي تكون مزارات سياحية رائعة. مؤكدا أن القاهرة بشكل عام تحتاج إلي اهتمام كبير، بينما القاهرة التاريخية الفاطمية فهي تحتاج إلي اهتمام بالغ لأنها هي الدرة الجميلة علي جبين القاهرة بل علي جبين كل مصر، مشيراً إلي أن ما تم انجازه في القاهرة الفاطمية من قبل يعد مفخرة لابد أن نشيد بها لكن المشكلة تكمن في كيفية الحفاظ علي تلك الانجازات، وكيفية نشر هذه الثقافة بين المصريين ليقدموها أمام العالم لكي تكون جاذبة للسياحة ، فمصر لديها من المقومات الأساسية و تمتلك من القوة الناعمة المتمثلة في الأماكن التراثية الحضارية الشديدة ما يجعلها شديدة الخصوصية والأهمية بين الكثير من دول العالم . مؤكدا أهمية تضافر جهود الكثير من الجهات المختلفة كالشرطة، مع منظمات المجتمع المدني، وجهاز التنسيق الحضاري، والمجلس الاعلي للأثار، للوصول الي تنشيط هذه المناطق من حيث الأمن والتسويق، فالوطن في حاجة ماسة لأن تكون هناك شركات مصرية حقيقية داعمة يمكنها أن تتولي إدارة وتسويق هذه الأماكن مثلما يحدث في العالم كله. يجب نمضي نحو الحفاظ علي هذا التراث والتاريخ والحضارة، التي لابد أن تدار من خلال دراسة جدوي إقتصادية تشكل دخلاً هائلا جدا للاقتصاد المصري الذي ينهض بمصر بشكل حقيقي، فالقاهرة التاريخية بلا شك درة علي جبين هذا الوطن وتاج علي رأس مصر والمصريين . القاهرة الإسلامية قال د.محمد إبراهيم: القاهرة التاريخية جزء من القاهرة الإسلامية والآثار الإسلامية بوجه عام تعاني من مشكلات كبيرة منذ اندلاع ثورة ينايروقد تم صرف ملايين الجنيهات علي تطويرها خاصة في شارع المعز الذي كان أكبر مفخرة للحضارة الإسلامية، فالانفلات الأمني أدي الي العديد من التعديات التي اثرت عليها بشكل مباشر وسنسعي لتكثيف الجهود بالتعاون مع الجهات المختلفة بأن نعيد الأمر إلي ما كان عليه، من خلال مشروع تطوير القاهرة التاريخية والإسلامية، وأضاف بأنه يجري الآن تطويراً لمباني موجودة بالقلعة بحيث تصبح جزءا مضافا إلي الخريطة السياحية في مصر وستجري بعض الفعاليات الثقافية بالتعاون مع وزارة الثقافة والآثار في منظقة القاهرة باستخدام بعض القصور التاريخية وإقامة بعض المشروعات الكبري التي ستخدم السياحة في مصر بوجه عام, وسوف نعيد القاهرة التاريخية الي ما كنت عليه من قبل، مزدهرة متطورة. إزالة التعديات وصف سمير غريب فريق اليونسكو المشارك بالعمل في تطوير القاهرة التاريخية بأنه شباب مشرف استطاع ان يضع بصماته الحقيقيةعلي كيفية سبل التطوير، وأكد أن هذا الاتفاق يتضمن عمل مشترك من أجل وضع أسس ومعايير لحماية تراث القاهرة التاريخية، وهي منطقة من المناطق المسجلة طبقاً للتراث علي قائمة التراث العالمي ومر علي هذا التسجيل مايقرب من نصف القرن، ولذلك وجب علي الجميع أن يسارعوا بإنقاذ هذه المنطقة لكي تظل في تراث الوطن وحمايته، بإزالة التشوهات والتعديات التي تمت عليها!! فلابد أن نبدا علي الفور بتطبيق آليات هذا التعاون، ونضع دستوراً وأسساً نظرية لكي نشرع سوياً في تنفيذ مشروعات عملية في هذه المنطقة لتحقيق أهداف هذا البروتوكول. الهوية التاريخية أكد د.طارق شوقي المدير الإقليمي لليونسكو في القاهرة أن مصر تعد من أول ثلاث دول تم انضمامها لمنظمة اليونسكو منذ اقامتها بعد الحرب العالمية الثانية، ومكتب اليونسكو في القاهرة هو أول مكتب للمنظمة خارج باريس عمره أكثر من 50 عاماً وأشار إلي أن القاهرة التاريخية تم إدراجها والاهتمام بها من قبل اليونسكوعام79 ووضعها ضمن قائمة التراث العالمي حيث تم تعريفها علي أنها من المناطق العالمية ذات القيمة التاريخية والتراثية والحضارية العريقة. وأوضح بأنه قد أطلق مركز التراث العالمي مشروع تطوير القاهرة التاريخية في إطار برنامج شامل يدعو لتطبيق الدعم الفني للحكومة المصرية لإدارة فكرة تطوير هذه المناطق حيث يهدف إلي ثلاث مراحل تتمثل في ضرورة إعداد مخطط متكامل للحفاظ علي الهوية التاريخية والتراثية للمنطقة، وخطة لإدارة المواقع حسب الآلية المتفق عليها في تلك المنطقة من خلال انشاء إطار مؤسسي يدعو إلي التطوير المستمر وتعميق التنسيق بين المؤسسات والهيئات المنوطة بالتعاون في شان ذلك، وإنشاء قاعدة بيانات للتراث العمراني لكل منطقة يتم تطويرها، مشدداً علي أهمية التوعية العامة للشعب المصري ووضع معايير محددة يلتزم بها في كيفية التعامل مع ذلك التراث بحيث تهدف إلي الحفاظ علي تلك المنطقة الاستثنائية الخلابة في تاريخ التراث المصري.