جذبت تحركات الولاياتالمتحدة المتكررة الأخيرة في آسيا والمحيط الهادئ الكثير من الانتباه, استقبل بايدن رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول في أواخر أبريل، ثم الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور في مايو. سيذهب جو بايدن إلى اليابان للمشاركة في قمة مجموعة ال 7 فحسب، وسيتوجه أيضا إلى أستراليا لحضور القمة الرباعية بين الولاياتالمتحدةواليابان والهند وأستراليا. بين زياراته لليابان وأستراليا، سيتوقف في جزر بابوا غينيا الجديدة، حيث سيلتقي برئيس الوزراء جيمس ماراب وغيره من قادة منتدى جزر المحيط الهادئ. يبدو أن هذه السلسلة من التحركات تهدف إلى تعزيز التحالفات مع كوريا الجنوبيةوالفلبينواليابان ودول أخرى, وزيادة تركيز الولاياتالمتحدة على الأمن والاقتصاد في منطقة جنوب المحيط الهادئ، لكن هدفها الحقيقي هو وضع منطقة آسيا والمحيط الهادئ كمركز للدبلوماسية العالمية للولايات المتحدة وعزل الصين من خلال تشكيل تحالفات مرنة، مع محاولة حصار الصين على الصعيد الجيوسياسي. هذه الممارسة المتمثلة في تكثيف المواجهة بين البلدان لضمان هيمنة الولاياتالمتحدة أحادية القطب, ربما تكون قابلة للتطور في الفترات القادمة لتعمل بفعالية لتأخير التقدم الاقتصادي للصين, تلك الأخيرة التي تسعي وتعمل بثبات نحو تأسيس تشابكات اقتصادية مع الدول المجاورة كافة, متجاوزة الخلافات التي تنشأ لأسباب جغرافية وسياسية. سياسة التحالف تحت ضغط إدارة بايدن، بدأت "سياسة التحالف" تنضح. كان الهدف المعلن من زيارة يون للولايات المتحدة هو الاحتفال بالذكرى ال70 لتأسيس التحالف بين كوريا الجنوبيةوالولاياتالمتحدة. ومع ذلك، انطلاقًا من "إعلان واشنطن" الذي كشف عنه الجانبان، فإن إدارة يون لا تقع فقط في المدار السياسي والاقتصادي والدبلوماسي للولايات المتحدة، ولكنها حريصة أيضًا على ترقية التعاون العسكري مع الولاياتالمتحدة الذي قد يدفع كوريا الجنوبية إلى "الوضع النووي"."لذلك، حاولت كوريا الجنوبية كسب تأييد الولاياتالمتحدة في قضايا مثل شؤون شبه الجزيرة الكورية واتجاه الأمن الإقليمي في شرق آسيا. لن يؤدي هذا حتمًا إلى إثارة استياء دول المنطقة فحسب، بل سيؤدي أيضًا إلى تفاقم التوتر في شبه الجزيرة الكورية وإثارة انقسامات جديدة في الوضع السياسي الداخلي والرأي العام في كوريا الجنوبية. كانت زيارة رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا إلى سيول عاصمة كوريا الجنوبية هي الأولى التي يقوم بها رئيس وزراء ياباني منذ 12 عامًا. التكهنات حول ما إذا كانت الولاياتالمتحدةواليابانوكوريا الجنوبية ستشكل تحالفًا عسكريًا ثلاثيًا قد يكون مطروحًا بجدية اليوم. ما هو مؤكد أن القواسم المشتركة بين القوى السياسية اليمينية المتطرفة المحلية التي يمثلها يون وكيشيدا, قد ضيقت بشكل كبير مرونة المواقف الدبلوماسية والأمنية لكوريا الجنوبيةواليابان ليصبح ميل البلدين واضحًا نحو دعم الولاياتالمتحدة بشكل غير مشروط. في سياق آخر, عقد ماركوس رئيس الفيلبين اجتماعًا مع بايدن في البيت الأبيض في 1 مايو وأصدرا بيانًا مشتركًا بين الولاياتالمتحدةوالفلبين. وأكد البيان من جديد تعزيز التحالف بين الولاياتالمتحدةوالفلبين، وتوسيع القواعد العسكرية الأمريكية وحجم القوات في الفلبين، وإطلاق خطط التعاون الثلاثي بين الولاياتالمتحدةوالفلبينواليابان. يريد ماركوس تعاونًا عسكريًا وثيقًا مع اليابانوأستراليا في بحر الصينالجنوبي، وإطلاق عملية ملاحية مشتركة في بحر الصينالجنوبي بدعم من قوى خارجية. تعكس هذه السلسلة من الإجراءات التي اتخذتها الفلبين أن هدفها هو تعزيز الوجود الدبلوماسي والعسكري للولايات المتحدة من أجل تحقيق الموازنة مع قدرات الصين العسكرية البحرية بالأخص. استمالة الفلبين لكن هناك وضوح في موقف الفلبين فيما يتعلق بالاعتماد على الولاياتالمتحدة لاحتواء الصين في قضية بحر الصينالجنوبي, فهو لا يعني أن على الفلبين أن تتخذ جانبًا في الصراع بين الصينوالولاياتالمتحدة. بعد عودته من زيارته للولايات المتحدة، صرح ماركوس أن موافقته على منح الولاياتالمتحدة إمكانية الوصول إلى المزيد من القواعد العسكرية في بلاده لم تكن مخصصة للاستخدام في "عمل هجومي" ضد أي دولة. هذا البيان هو محاولة من قبل حكومة ماركوس لإعادة تحقيق التوازن بين الصينوالولاياتالمتحدة. موقف الفلبين تجاه الصين يحدده بشكل كبير علاقات تجارية تشارك بجزء غير هين في الاقتصاد الفيلبيني, فالتجارة بين الفلبينوالصين ليست مستقرة فحسب لكنها تنمو بشكل مطرد. وفقًا لوزارة التجارة والصناعة الفيلبينية، بلغ إجمالي حجم التجارة بين البلدين 14.6 مليار دولار أمريكي في عام 2013، وهو ما يمثل زيادة كبيرة عن عامي 2011 و 2012 ، وتشير الإحصاءات التجارية المتزايدة إلى أن المجالات الاقتصادية والسياسية في العلاقات الثنائية يمكن أن تكون مجزأة من أجل المنفعة المتبادلة. كذلك تلعب الفليبين دورًا هامًا في مشروع الصين الهائل تحت مسمى الحزام والطريق. في عام 2015، انضمت الفلبين للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي تقوده الصين، والذي يعمل كمصدر تمويل لمبادرة الحزام والطريق. تم تحفيز الفلبين، التي تحتاج إلى تمويل لمشاريع البنية التحتية المحلية، للانضمام إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية بمعالجة احتياجات الفلبين الاستثمارية في عام 2016، شارك البنك الآسيوي للاستثمار في تمويل مشروعين في مشاريع النقل والسيطرة على الفيضانات في مترو, ثم سرعان ما بدأ البنك في إطار المبادرة بتمويل العديد من المشروعات تجاوزت 12 مشروعًا بقيمة دولارية تجاوزت ال150 مليار دولار. لن تجد الولاياتالمتحدة ضالتها لدى الفلبين إذا ما ظلت تلك الأخيرة تحاول أن تستفيد من الطرفين موضع التنافس, وهي لديها ما يمنعها عن المضي قدمًا نحو الخضوع الكامل للإستراتيجية الأمريكية المعادية للصين, كذلك لم تجد الولاياتالمتحدة ضالتها في فيتنام, التي حاول بايدن التودد لحكومتها بأشكال مختلفة, لكنها لم تنجح في ضم فيتنام إلى تحالف الغرب المقدس. معضلة الاختيار من دونالد ترامب إلى بايدن، تحاول الولاياتالمتحدة بناء تحالف رباعي بين اليابانوكوريا الجنوبية والفيلبين في غرب آسيا والمحيط الهادئ. منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، تحاول إدارة بايدن دمج الصين وروسيا معًا كحلف ينبغى في مواجهته بناء حلف آخر في كل ركن من أركان العالم، مما دفع الناتو للتحرك شرقًا وحث حلفاءه في آسيا والمحيط الهادئ على التصرف بحزم تجاه الصين. من المؤكد أن الولاياتالمتحدة مصممة على الحفاظ على الهيمنة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ولا تتردد في محاولات حصار الصين من خلال تشجيع المواجهة بين الكتل المختلفة، وتقويض التعاون الاقتصادي الإقليمي، والضغط من أجل حرب باردة جديدة. على صعيد آخر, كثير من الدول في المنطقة تتعامل بحذر مع كل من الصينوالولاياتالمتحدة. ويبدو أن رئيس وزراء ماليزيا الجديد، أنور إبراهيم، يميل بكفاية نحو بكين, لكنه يرفض بشدة طلباتها بقواعد عسكرية وبحرية. تدرك حكومات المحيطين الهندي والهادئ بالتأكيد أن سياسة الولاياتالمتحدة ليست مدفوعة في نهاية المطاف بالمثالية أو الإيثار. تعمل واشنطن، مثل أي قوة عظمى، في نهاية المطاف على الحفاظ على هيمنتها العالمية وتأمين مصالحها بأي طريقة ممكنة. تواجه أوروبا والاتحاد الأوروبي، اللذان يعيدان فحص العلاقة مع الصين، معضلة مماثلة. يدعو إيمانويل ماكرون الفرنسي إلى اتباع نهج تصالحي-واستقلالية أكبر عن الولاياتالمتحدة. ويختلف آخرون بشدة، بينما تعمل بكين بنشاط على تغذية هذه الانقسامات. مارك مجدي