منذ فترة طويلة أرسلت للسيد وزير التعليم العالي رسالة أطالبه فيها بإجراء انتخابات بين الأساتذة، لتستبدل عملية التعيين المتبعة حاليا بعملية انتخابات حرة، و أرجعت اقتراحي هذا بأن الخرفان المتأسلمين قد انزوَوا وبات المناخ الجامعي نقيا، يسمح بإجراء الانتخابات. وأرسلت هذا الخطاب للأستاذ الدكتور رئيس جامعة كفر الشيخ (الجامعة التي أنتمي إليها)، كما أعطيت الخطاب لرئيس حزب التجمع الذي أنتمي إليه، حتى يثار الموضوع في مجلس النواب بمعرفة نواب الحزب في المجلس. فنوادي أعضاء هيئات التدريس في الجامعات المصرية ليست ذا جدوى، فهي ليست بمثابة نقابات ترفع صوتها بمطالب أعضاء هيئات التدريس، وبطبيعة الحال نشرت الموضوع على صفحات الفيس بوك أملاً في تلقي ردود أفعال، وتضامن معي الكثيرون. واليوم أقرأ المقال الثاني الذي كتبته على صفحات الأهرام الدكتورة نيفين مسعد وهي ممن أعتز بالقراءة لها، و مقالها بعنوان: "الحريات الأكاديمية" وتقول فيه: وثمة مؤشر آخر ظهر أثناء النقاش وأثار جدلاً واسعاً من حوله، وهو المؤشر الخاص بمشاركة أساتذة الجامعات في اختيار قياداتهم الجامعية، كجزء من مشاركتهم في عملية صنع القرار. وأمكن خلال هذا النقاش التمييز بين اتجاهين مختلفين، الاتجاه الأول اعتبر أن الانتخابات لا تفرز بالضرورة عناصر جيدة، بينما آلية التعيين تضمن الوصول بالكفاءات إلى المناصب الجامعية، وهذا مهم بحكم الدور الجوهري الذي تلعبه الجامعات في عملية التنشئة الاجتماعية، واستشهد أصحاب هذا الاتجاه ببعض الحالات التي أوصلت قيادات غير كفؤة لمناصب جامعية رفيعة، و استطردُوا قائلين إن آلية الانتخاب المباشر للقيادات الجامعية ليست آلية متبعة بالضرورة حتى في أكثر الدول ديمقراطية، فقد تختار مجالس الكليات والجامعات أو مجالس أمنائها عميداً أو رئيساً من بينها، وفي هذه الحالة نكون إزاء انتخاب غير مباشر، وثمة تنويعات أخرى كثيرة تحتاج إلى دراسة متأنية. أما الاتجاه الثاني فذهب إلى أن التطور الطبيعي لانتخابات الاتحادات الطلابية قبل الجامعية وأثناء الدراسة في الجامعة، لا بد أن ينتهي بانتخاب القيادات الجامعية نفسها، ومع تسليم أصحاب هذا الاتجاه بأنه ليس من المضمون أن تفرز الانتخابات عناصر كفؤة بالضرورة، إلا أن تعميم قاعدة أن التعيين وحده هو الذي يأتي بالأفضل يؤدي لعدم الانتخاب بالمطلق، يضاف لذلك في المحيط الجامعي أن قاعدة الأغلبية المتبعة في التصويت على القرارات داخل مجالس الكليات والجامعات لا تترك للقيادات حيزا كبيرا من حرية الحركة بشكل منفرد. أما ما اتفق عليه الاتجاهَان معا فهو أهمية إشراك أعضاء هيئة التدريس في تطوير اللوائح والقوانين المنظمة لسير العمل الجامعي، وإتاحة الوقت المناسب لدراستها، فمن الطبيعي أن يؤخذ رأيهم في الأنظمة التي يخضعون لها. ولي في ذلك بعض الأفكار: عندما يكون ضوء الشمس واضحا، وقد زالت الغيوم تماما، يصبح عدم التمتع به نوعا من تغييب متعمد للفائدة الكبيرة التي ينعم بها الله علينا من جرائها، وحقيقةً، راحت السحب المتأسلمة من الساحة، كما أن يقظة أجهزة الأمن والمواطنين أنفسهم تجعلنا نتنفس اليوم بحرية كبيرة، أي أنه مع توفر الأمن والحركة السليمة للمجتمع في اتجاه التنمية والتطور، يصبح من الضروري أن يمارس أعضاء هيئات التدريس بالجامعات أدوارهم الأكاديمية والإدارية والنقابية بحرية كاملة. إن الممارسة الديمقراطية داخل الحرم الجامعي تشترط أن يمارسها الأساتذة بحرية كاملة، فالإبداع الجامعي رهن بوجود ديمقراطية سليمة صادقة، والديمقراطية تعني حرية الاختيار، وجامعة بغير حرية الاختيار لا تتقدم إلى الأمام مطلقا، فحرية اختيار المادة العلمية المقدمة من الأساتذة إلى الطلاب هي جوهر الحياة الجامعية، وحرية اختيار من يديرون العمل بالجامعة شرط جوهري لقيام الديمقراطية، دون تدخل من خارج الجامعة، وهذا حق لا يبارى فيه. فاقد الشيء لا يعطيه، ونحن كأساتذة جامعة إذا كنا نعلم أدوارنا ليس داخل الحرم الجامعي فقط بل خارجه أيضاً، فلا يمكن أن يتم هذا الدور دون ثقة قائمة بين الحكم والطليعة الفكرية في المجتمع، فإذا فقدنا الثقة التي يجب أن تكون قائمة بين الحكم وأعضاء هيئات التدريس بالجامعات لن يتقدم المجتمع قيد أنملة. إن تفريغ نوادي أعضاء هيئات التدريس بالجامعات من أدوارها النقابية التي تحفظ حقوق الأساتذة المهنية، يجعلها حوائط بلا بشر، فالأمر أكبر من القيام برحلة أو أي نشاط اجتماعي خاص، ولكن يجب أن تتحول هذه النوادي إلى ساحات لٓتداول الفكر داخل الجامعات، بغية تطوير الحياة الجامعية والمجتمع خارجها، دون خوف منهم ومن الدولة نفسها. يجب أن تُلغى رئاسة وزير التعليم العالي للمجلس الأعلى للجامعات، وهذا شرط جوهري لاستقلال الجامعات، فَالتعليم العالي يجب أن يدير نفسه بنفسه مستقلا عن الحكومة، وهذا شرط قيام الجامعات منذ نشأتها، ذلك أيضا يكمل ديمقراطية العمل الجامعي التي تمثل جَوهره. ثم توجد قنوات اتصال بين الجامعة والجهات خارجها، تقنن دون وصاية من أحد على الجامعة وإنما تقاسم المسئولية هو المعيار الحقيقي لتوزيع العمل بين الجامعة وخارجها. إن وعي أستاذ الجامعة بمكانته داخل الحرم الجامعي وخارجه شرط جوهري لنجاحه في عمله، وهذا دور أندية أعضاء هيئات التدريس، إن غياب الحوار الأكاديمي بين الأساتذة يفقدهم أهليتهم للعمل الجامعي، فالحوار بين الأساتذة أنفسهم شرط لازم لحوارهم مع طلابهم. إن الدولة تقدر قيمة القيادات الجامعية، لذلك نجدها تتدخل في تعيين عمداء الكليات ومن فوقهم هرميا، لذلك يجب أن تترك هذه العملية لانتخابات أفراد راشدين يفهمون أدوارهم حق الفهم. لا أريد القول بأن طلابنا لن يثقوا فينا وسيعتبروننا فاقدي الأهلية لقيادتهم وقيادة العمل الجامعي، فسوف يتساءلون: لماذا تُجرى الانتخابات بيننا نحن الطلاب ولا تُجرى بين أساتذتنا. الديمقراطية في الجامعة ليست فقط عملية انتخابات، ولكنها ممارسة يومية للمناخ الجامعي بأكمله، وبدون انتخابات ستفقد الجامعة العناصر التي تؤدي إلى نقاء هذا المناخ. *د/عصام الدين علي هلال