كثيرة هى القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى أثيرت فى خطابات وحوارات المرشحين الرئاسيين.. لكن لا نكاد نجد إشارة إلى قضايا التعليم الجامعى برغم عمق أزمة الجامعة فى مصر وبرغم ما نكرره دائماً من أن الجامعة هى قاطرة التقدم ومشعل التنوير. اليوم ثمة حديث دائر حول تعديل قانون تنظيم الجامعات. أبرز ما فى هذا التعديل يتعلق بقضية اختيار القيادات الجامعية. فى المسألة خطابان أحدهما معلن والثانى مستتر. الخطاب المعلن هو تطوير نظام اختيار القيادات الجامعية على ضوء تجارب معروفة فى بعض الدول المتقدمة. والخطاب المستتر هو العدول عن نظام انتخاب القيادات الجامعية والأخذ بنظام التعيين. ويبدو أن جماعة 9 مارس لاستقلال الجامعات وبعض الكيانات الأكاديمية الأخرى تنظران بعين الريبة والتوجس لهذا التعديل المرتقب. سؤال اختيار القيادات الجامعية ليس وليد اللحظة. هذا سؤال جديد قديم. طالما تأرجحنا بين أسلوب الاختيار بطريق الانتخاب (ظل قائماً حتى العام 1994) وأسلوب التعيين (من عام 1994 حتى العام 2011) ثم ها نحن نعود مجدّداً لطرح السؤال نفسه. فى مسألة انتخاب القيادات الجامعية بعد يموقراطى يصعب تجاهله. لكن المؤكد أن لكل من نظامى الانتخاب والتعيين مزاياه ومساوئه. هذا أمر يعرفه أساتذة الجامعة جيداً. يعرفونه بأكثر من غيرهم. السؤال الأهم هو هل قضية الجامعة فى مصر وربما أزمتها تنحصر فى مسألة اختيار القيادات الجامعية أم أن هناك أولويات أخرى مهمة وملحة كان يجب البدء بها؟ فى محاولة الإجابة ثمة ملاحظات جديرة بطرحها للنقاش. أولاً القول بأن نظام تعيين القيادات الجامعية أمر تعرفه أكثر الدول المتقدمة يحتاج إلى مراجعة. ليس فقط لأن هناك دولاً أخرى متقدمة تأخذ بنظام الانتخاب ولكن ايضاً لأن استعارة نظام تعيين القيادات الجامعية يتطلب أن نأخذ ابتداء بكل منظومة التقدم الأكاديمى فى هذه الدول. وهو أمر غير متوافر لدينا. وقد آن لنا أن نعيد ضبط مسألة استنساخ تجارب بعض الدول المتقدمة. فهناك شروط لنجاح محاولات اقتباس التجارب العالمية الناجحة سواء فى الاقتصاد أو السياسة أو التعليم او الإدارة.. الخ. أول هذه الشروط أن نوفر البيئة او المنظومة التى تضمن نجاح الفكرة قبل أن نسعى لاستنساخ الفكرة ذاتها. ثانياً أنه لم يثبت لدينا فى مصر نجاح كامل لنظام اختيار القيادات الجامعية سواء بطريق الانتخاب او التعيين . فالاختيار بطريق الانتخاب يحل أحياناً سطوة (الشللية) محل سلطة (المؤسسة). وقد يقدم المصالح الخاصة على حساب المصلحة العامة. والاختيار بطريق التعيين يؤدى فى بعض الحالات إلى تقديم اعتبارات الولاء لسلطة التعيين على مقتضيات التمسك بالرسالة الجامعية والقيم المهنية. لا أعرف ما اذا كانت لدينا استطلاعات للرأى حول هذه المسألة حتى نتعرف على حقيقة توجهات عموم أعضاء هيئة التدريس بالجامعات. لكن الاعتقاد السائد أن الأغلبية تؤيد اختيار القيادات الجامعية بطريق الانتخاب. ومع ذلك يعرف الأكاديميون قبل غيرهم أن نظام التعيين لم يمنع احيانا من اختيار قيادات جامعية ناجحة كان حرصها على المعايير الأكاديمية والقيم المهنية أكبر من سعيها لإرضاء الجهة التى عينتها. وفى المقابل فإن نظام الانتخاب لم يفرز دائماً أفضل العناصر وأكثرها جدارة. ثالثاً أن الأفكار المقترحة رسمياً والمتداولة حالياً بشأن نظام الاختيار بالتعيين تعهد بمهمة اختيار القيادات الجامعية إلى لجنة محدودة العدد (خماسية أو سباعية) منبثقة أساساً من مجلس الكلية أو مجلس الجامعة. الملاحظة المهمة والمقلقة فى هذا الخصوص هو الغياب الكامل لدور شباب الأكاديميين فى اختيار القيادات الجامعية مع أن هؤلاء يمثلون نسبة لا تقل عن 60% من إجمالى أعداد هيئة التدريس فى الجامعات. بالطبع يُعوّل الكثيرون على التزام لجان اختيار القيادات الجامعية بمعايير الكفاءة والجدارة والتقاليد الأكاديمية. لكن فى ظل عدم وجود معايير محددة ولو توجيهية تتقيد أو حتى (تسترشد) بها لجان الاختيار فإن قلق عموم هيئة التدريس يصبح مشروعاً. رابعاً أن مسألة الاختيار بين نظامى الانتخاب أو التعيين يجب وضعها فى إطار سؤال أكبر وأكثر جدوى حول الأسلوب الذى يحقق تطوير الجامعة حتى تستعيد رسالتها التنويرية وتنهض بدورها التعليمى والبحثي؟ لعلّ الإجابة تتوقف على اعتبارين أولهما إعادة ترتيب أولويات البيت الجامعى لان هناك خلطاً فى ترتيب هذه الأولويات. الجامعة تحتاج ابتداء وقبل الخوض فى التفاصيل لأن تتخلص من أربعة أنواع من الوصاية لكى تتفرغ لاستعادة رسالتها ودورها. هذه الوصايات قد تكون سياسية أو ودينية أو بيروقراطية أو مالية. رفع الوصاية السياسية يستوجب اخراج الجامعة من دائرة التوظيف السياسى وإبعادها عن الاستقطابات الحزبية والسياسية، ورفع الوصاية الدينية يعنى عدم إقحام التأويل الدينى لمصادرة حرية البحث العلمى وحرية النقد والفكر فلا أملاً فى تقدم أو نهضة بدون هذه الحريات. ورفع الوصايتين البيروقراطية والمالية يتطلب الاعتراف باستقلال الجامعة إدارياً ومالياً. ثانيهما الخروج من ثنائية إما التعيين أو الانتخاب إلى نظام رشيد لاختيار القيادات الجامعية. أسلوب الانتخاب يجب تطويره بما يضمن إشراك أكبر شريحة من أعضاء هيئة التدريس فى اختيار القيادات الجامعية لأن نظام الانتخاب القائم حتى اللحظة يستبعد أعدادا كبيرة من اعضاء هيئة التدريس من المشاركة فى عملية الانتخاب. وهذا ما لا يعرفه الكثيرون. أما سلطة التعيين فيجب تقييدها بشروط ومعايير تضمن اختيار الأصلح والأكفأ. كيف يمكن الجمع بين النظامين؟ هذا سؤال يحتاج إلى حديث مقبل. لمزيد من مقالات د. سليمان عبد المنعم