أخذت الأوضاع فى أوكرانيا طابع حرب المواقع، بمعنى ليست هناك حركة كبيرة باستثناء تقدم للقوات الروسية فى منطقة لوجانسك، الجمهورية الثانية لمنطقة الدونباس، والتي أعلنت عن استقلالها وإحدى الجمهوريتين اللتين تسعى روسيا للسيطرة عليهما كأهداف للعملية العسكرية. أشارت الأنباء الواردة من هناك سواء من الجانب الأوكرانى أو الجانب الروسى، على حد سواء، إلى أن روسيا تقريباً سيطرت على منطقة لوجانسك ووصلت للحدود الإدارية لهذه المنطقة، أما الجانب الأوكرانى فأشار إلى أن 10% من مساحة هذه المنطقة مازالت تحت سيطرة القوات الأوكرانية. وعلى جبهة دنيتسك تقوم القوات الروسية وحلفاؤها من مقاتلى جمهورية دنيتسك الشعبية بإحصاء عدد المقاتلين الذين استسلموا من مصنع "أزوفستال" وتم نقلهم إلى أراضى دنيتسك. وحتى الآن باعتراف المقاتلين المستسلمين يلقون معاملة حسنة، ولم يتقدموا بأي شكوى بخصوص المعاملة، فيما يتكتم الطرفان عن بنود الاتفاق الذى استسلم بمقتضاه المقاتلين، وهل هو لعلاج المصابين، سيتبعه تبادل للأسرى كما حدث عدة مرات من قبل أم أى اتفاق آخر لم يعلن الطرفان عن شئ محدد حتى الآن. تعطيل الإمدادات وفى محاولة من الجانب الروسى لتعطيل إمداد القوات الأوكرانية بالسلاح عن طريق الغرب، خاصة بعد أن وافق مجلس الشيوخ الأمريكى على دعم أوكرانيا بحوالي 40 مليار دولار، بطريقة "لاند ليز"، وهى الطريقة التى استخدمتها الولاياتالمتحدة للمرة الأولى أثناء الحرب العالمية الثانية لدعم الحلفاء ضد ألمانيا النازية. وتشمل الأسلحة المرسلة لأوكرانيا أسلحة حديثة وبعضها أسلحة سوفيتية كانت لدى دول أعضاء سابقة فى حلف وارسو، وربما أهم ما فى هذه الأسلحة دار الحديث عن منظومات دفاع جوى من طراز باتريوت. روسيا تحاول منع وصول أو على الأقل تعطيل وصول الإمدادات للجيش الأوكرانى بقدر المستطاع من خلال قصف محطات السكك الحديدية فى أوكرانيا، وقصف مناطق تجمع هذه الأسلحة بعد دخولها الأراضى الأوكرانية. تجدر الإشارة إلى أن واشنطن قررت كذلك إرسال صواريخ "إم إس إن" و"هاربون" الساحلية. وفى سياق آخر، أفردت الصحف الروسية مساحات واسعة لتصريحات وزير الخارجية الروسى التى أشار فيها لافروف إلى أن ما كنا نحذر منه قد حدث بالفعل على أرض الواقع، وقال لنظيره وزير خارجية مالى إن ما حذرنا منه حدث، أوكرانيا لم تنفذ قرارات مجلس الأمن الخاصة بتسوية الأزمة فى الدونباس، بسبب دعم الغرب لها مما شجعها على خرق القرارات الدولية، وأكد وزير الخارجية الروسى أن جميع المهام التى طالب الرئيس بوتين بتنفيذها فى العملية العسكرية سيتم تحقيقها. أسلحة ألمانية ومن الجانب الأوروبي وبعد تردد شديد، أشارت الأنباء إلى أن ألمانيا أخيراً قررت تزويد أوكرانيا بمضادات أرضية من طراز "جيبارد" بالإضافة إلى ذخيرة مقدارها 60 ألف وحدة، كما ستقوم القوات الألمانية بتدريب القوات الأوكرانية على استخدام هذا النوع من السلاح. ويبدو أن السلطات الألمانية بدأت تقتنع بمسألة تزويد أوكرانيا بالسلاح ربما مدفوعة بالسخاء الأمريكى والبريطاني فى هذا المجال، وفى نفس الإطار أعرب المستشار الألمانى أولاف تشولز عن تحفظه على مسألة ضم أوكرانيا بسرعة للاتحاد الأوروبي، وقال إن أوكرانيا أمامها سنوات حتى تنضم للاتحاد الأوروبي. وكما ذكرت مصادر أوروبية أن أوكرانيا أمامها إصلاحات كثيرة عليها القيام بها قبل حتى الحصول على وضع حتى مجرد دولة مرشحة، والأوروبيون يعرفون حجم الفساد الضارب فى أوصال الدولة الأوكرانية، كما أن هناك مطالبات بإصلاح نظم التعليم والصحة وغيرها وأهم شئ القضاء على الفساد. عقوبات جديدة وعلى صعيد العقوبات التى يفرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا أشارت الأنباء إلى أن الحزمة السادسة من العقوبات لم يتم إقرارها وتوقفت مؤقتاً بسبب عدم استعداد بعض الدول الأوروبية لحظر شراء النفط والغاز الروسيين وأهم هذه الدول ألمانياوإيطاليا والمجر وسلوفاكيا، والسبب هو عدم وجود بنية تحتية، وعدم تعاقد هذه الدول على الشراء من مصادر بديلة، هذا بالطبع بالإضافة لكون دول مثل المجر وسلوفاكيا ليس لهما إطلالة على بحار، أما إيطالياوألمانيا فقد قررتا الدفع بالروبل الروسى لفترة قادمة لحين تنفيذ اتفاقيات جديدة سواء مع قطر التى زار أميرها ألمانيا ووعد بإمداد برلين باحتياجاتها من الغاز، بالإضافة لأنه بالنسبة لإيطاليا فإنها تجرى مباحثات مع الجزائر، والحديث يدور كذلك عن خط أنابيب سيمر عبر المغرب وهو موجود بالفعل لولا الخلافات بين الجزائر والمغرب ومن ثم عبر جبل طارق إلى منظومة أنابيب الغاز بأسبانيا ومن ثم إلى أوروبا. هناك أيضاً فكرة أنجولا ونيجيريا وخط غرب أفريقيا إلى السنغال ومن ثم المغرب فأسبانيا، لكن المسألة تحتاج لوقت. النفط الروسى فيما يتعلق بالنفط، الأمر أقل تعقيداً ومن الممكن أن تستغنى أوروبا عن النفط الروسى خلال فترة أقل، وروسيا نفسها غير قلقة بهذا الشأن فهى تتعامل مع الصين وتعاملت مع الهند فى هذا المجال لخلق أسواق جديدة للنفط الروسى. لكن الذى لا شك فيه أن تحالف العقوبات على روسيا بدأ يتهاوى، وعلى ما يبدو أن الأوروبيين كانوا يراهنون على قصر أمد العملية العسكرية الروسية وعودة الأمور إلى طبيعتها، لكن على ما يبدو أن النفس الروسى الطويل سيؤثر فى التحالف الغربى، بل والسؤال المطروح الآن إلى أى مدى سيصمد هذا التحالف، وإلى أى مدى ستصمد روسيا كذلك، إنها لعبة عض الأصابع. لكن الاتحاد الأوروبي ومستهلكو النفط الروسى قرروا إنشاء تحالف للتحكم فى أسعار النفط، ومن ثم فرض أسعار محددة على النفط الروسى فى فترة ارتفاع الأسعار الحالية. تقدمت إيطاليا بمبادرة لحل دبلوماسى للأزمة الحالية بين الغرب وأوكرانيا من ناحية وروسيا من ناحية أخرى، وأن وزير الخارجية الإيطالي قد سلم المبادرة الإيطالية لحل الأزمة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنتونيو جوتيرش، وتنص المبادرة على وقف إطلاق النار ونزع سلاح فى خطوط التماس بين القوات، ثم فى مرحلة ثالثة التفاوض حول الأراضى المتنازع عليها بين البلدين روسياوأوكرانيا، وبعد ذلك توقيع اتفاقية متعددة الأطراف للسلام والأمن فى أوروبا، تهدف لتنظيم العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا. طلبات انضمام ولعل القضية التى فرضت نفسها على الساحة الدولية، وجعلت مبررات روسيا للعملية العسكرية فى أوكرانيا محل جدل وهى تقديم كل من فنلنداوالسويد طلبات للانضمام لحلف الناتو، وكان رد الفعل الروسى من خلال مكالمة للرئيس الفنلندى مع نظيره الروسى متحفظا، وبعد ذلك صرح الرئيس الروسى نفسه بأن الدولتين (السويدوفنلندا) لا تشكلان خطراً على روسيا ولكن فى حالة نشر أسلحة وبنية تحتية للناتو فإن روسيا ستتخذ الإجراءات اللازمة للتصدي لذلك، أما وزير الدفاع الروسى فقد اعتبر الأمر تهديداً لروسيا. القضية هنا ليست فى رد الفعل الروسى الهادئ، ولكن فى لماذا إذاً كانت العملية العسكرية فى أوكرانيا يتساءل بعض المواطنين من غير المتعمقين فى السياسة، إذا كانت فنلندا أقرب بكثير من كبريات المدن الروسية من أوكرانيا، كما أن انضمام الدولتين بالإضافة لجمهوريات البلطيق المنضمة للحلف من قبل قد جعل بحر البلطيق بحيرة داخلية لحلف الناتو. بحر البلطيق أهمية بحر البلطيق لا تقارن بالأهمية الإستراتيجية للبحر الأسود الذى يمنح روسيا إطلالة على المياه الدافئة وسيد بحار العالم البحر المتوسط، وهنا ربما تريد روسيا فى الوقت الحالى التركيز على العمليات العسكرية فى أوكرانيا ولا تريد الانشغال بقضايا فرعية حالياً، هذا بالإضافة بالطبع إلى الإمكانيات العسكرية المحدودة والتي لا تريد روسيا تشتيتها بين الشمال والجنوب. وفى هذا الصدد أود الإشارة إلى الموقف التركى المعارض لانضمام فنلنداوالسويد للناتو، هو مسألة استعراض من جانب تركيا والتي تريد التأكيد على أنها عضو بالناتو وأنها دولة مهمة فى الحلف، وأود هنا أن أشير كذلك إلى أن اعتراض تركيا قد يؤجل عملية توسع الحلف لكن ليس بعد الميعاد المقرر لضم الدولتين، والخبراء هنا لا يجدون أى خطر من اعتراض تركيا، وبالمناسبة القضية ليست فى حزب العمال الكردستانى و33 من أعضائه لاجئين فى السويد أو فنلندا أو حتى أتباع فتح الله جول العدو اللدود للرئيس التركى، وكل ما فى الأمر أن الرئيس التركى يريد التخلص من العقوبات التى فرضتها عليه واشنطن عقب شراء صفقة صواريخ إس 400 من روسيا، وهو يطمع فى رفع هذه العقوبات، وإعادته للمشاركة فى عملية إنتاج الطائرة الأمريكية الأحدث إف 35 كما كان متفقا من قبل وقد يحصل كذلك على صواريخ باتريوت بسعر مناسب، كما أن الرئيس التركى الذى يمر حالياً بأزمة اقتصادية خانقة، ويرغب فى مساعدات مالية لأنه آوى ملايين اللاجئين من سوريا ومن العراق وغيرهما من مناطق الشرق الأوسط، كما أنه صد عن الأوروبيين موجات من الهجرة غير الشرعية، ويطمع فى الحصول على مساعدات من الدول الأوروبية الأعضاء فى الناتو، ومنها السويدوفنلندا أنفسهما، وأتصور أن واشنطن ستقوم بدور العراب لإنجاز هذا العمل، فقد صرح إنتونى بلينكين، وزير الخارجية الأمريكى، أنه غير قلق بشأن الموقف التركى وتحدث بثقة عن أنه يمكن تخطى الاعتراض التركى دون مشاكل، وأصبحت مسألة ضم الدولتين للحلف مسألة وقت فقط…