روسيا حذرت من الاقتراب من فضاء الاتحاد السوفيتى الأوروآسيوى بريطانيا ستكون قطبًا يستقطب بعض الدول الأوروبية.. التعددية القطبية مرهونة بانتصار روسيا *د. نبيل رشوان فى واقع الأمر جميع السيناريوهات تصب فى مدى تأثير المواجهات الحالية بين الغرب والناتو من ناحية وروسيا من ناحية أخرى، ومن يعتقد أن الحرب بين روسياوأوكرانيا فهو واهم. تحدث الرئيس الأمريكى بايدن عن النظام العالمى الجديد قد ينشأ نتيجة العملية العسكرية الروسية الحالية، وموسكو من وجهة نظرها ترى فى المواجهة الحالية «معركة العصر» وتخوضها موسكو من أجل نظام عالمى جديد، يضع فى اعتباره مطالب روسيا الأمنية والجيوسياسية. العالم الآن يقف على أعتاب مرحلة من المراحل الفاصلة، التى تتكرر كل ثلاثة أو أربعة أجيال، وفق الرئيس الأمريكى بايدن، وأشار إلى أن أخر مرة عاشت الإنسانية الوضع الحالى كان فى عام 1946، حينها كان النظام العالمى للتو يتشكل بعد الحرب العالمية الثانية ويقول الرئيس الأمريكى إن الولايات المتحدة حينها أقامت النظام العالمى الليبرالي. وأشار الرئيس الأمريكى إلى أنه يجب على بلاده أن تحدد نتائج ما يجرى فى العالم من تحولات، وأعرب الرئيس بايدن عن أمله فى إقامة نظام عالمى جديد وأكد على "أن بلاده يجب أن تقود هذا النظام الجديد بتوحيد بقايا العالم الحر. نظام عالمى جديد فى موسكو متفقين مع رؤية الرئيس الأمريكى فى بزوغ فجر نظام عالمى جديد، لكن ليس فيما يتعلق بقيادة الولايات المتحدة وسيادتها فى النظام العالمى الجديد، وتعتقد موسكو بأنه مع نهاية الحرب فى أوكرانيا سيظهر نوع جديد من توازن القوى فى العالم، سيعكس بكل ما تعنيه الكلمة من معنى نتائج المعركة الدائرة الآن من حيث الوضع الذى سيكون عليه النظام العالمى الجديد، وفق وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف. لكن من الواضح أن الرئيس الأمريكى يريد العودة لهيمنة الولايات المتحدة، التى سادت منذ ثلاثين عاماً عقب انهيار الاتحاد السوفيتى، فى مرحلة ما بعد أوكرانيا، ويضرب مثلاً بالأربعينيات وحتى 1990، وواقع الأمر كان العالم ثنائى القطب وليس عالما ليبراليا أمريكيا كما يقول الرئيس بايدن، ويرى أن ما بعد أوكرانيا ستكون الولايات المتحدة هى القطب الأوحد المهيمن. بينما يرى لافروف أن العالم ليس قرية كونية وليس "قرية أمريكية، على أى حال هو تصور أمريكى وهو سابق لأوانه، لأن الحرب لم تنته بعد ولا أحد يدرى ما ستنتهى إليه. عالم متعدد الأقطاب ترفع روسيا حالياً شعار أنها تناضل من أجل عالم متعدد الأقطاب، على اعتبار أن كل الدول لم توافق على الاشتراك فى العقوبات على روسيا وهو ما يعنى عدم الرضا عن أحادية القطب الحالية، هناك الكثير من الدول التى ترفض العولمة أو القرية الكونية، تحت قيادة الولايات المتحدة، وتضع روسيا أملها على دول مثل الصينوالهند والبرازيل والمكسيك لتفكيك النظام العالمى الحالى. فى داخل الولايات المتحدة نفسها هناك بعض الشخصيات الأمريكية تتنبأ بأن تكون نتائج نهاية الحرب فى أوكرانيا سلبية على واشنطن، وهنا الحديث يدور عن سيادة العملة الأمريكية الدولار فى العالم، واعترف رئيس نظام الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى بأن الحرب فى أوكرانيا من الممكن أن تدفع الصين للإسراع بتطوير نظام مالى جديد للدفع حول العالم كبديل للمنظومة الحالية التى يعتبر الدولار محورها الرئيسى. حتى أن بعض الأوروبيين من حلفاء واشنطن بدأ يعرب عن مخاوفه من الاحتفاظ بالاحتياطي النقدي بالدولار خوفا من أن يتعرض لما تعرضت له الاحتياطات الروسية بالخارج من تجميد ومصادرة. أما كيف سيكون مظهر العالم بعد الحرب من حيث التعددية القطبية، الصين ستحاول اجتذاب الجزء الأكبر من دول منطقة المحيط الهادي، ولدعم نفوذها ستستخدم بكين الآليات الاقتصادية من البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية، الذى يضم بين جدرانه دول حليفة لواشنطن مثل كوريا الجنوبية والفليبين وأستراليا، بالإضافة لمشروع طريق الحرير، وهى مشروعات اقتصادية جاذبة لأى دولة. منطقة نفوذ فيما يتعلق بروسيا فى عالم ما بعد أوكرانيا، فهى بالعملية العسكرية فى أوكرانيا أثبتت أنها تحاول بناء منطقة نفوذها، وأنها لن تقبل بأي تدخل من خارج روسيا فى هذا الأمر، وكلنا شهدنا دور روسيا فى وقف الحرب بين أرمينياوأذربيجان وتدخل قوات منظمة الأمن الجماعى فى إخماد التمرد فى كازاخستان بداية 2022، مما أعطى روسيا دورا جيوسياسىا مهما فى منطقة وسط آسيا، وبالطبع العملية العسكرية فى جورجيا عام 2008 لحماية مناطق نفوذها، وغيرها من مناطق فى فضاء الاتحاد السوفيتى السابق، وهى غير مستعدة للتنازل عن هذا الدور، إن لم تكن لديها رغبة لتوسيعه على حساب تحالفاتها مع صربيا مثلاً فى البلقان. لكن فى منطقة أوروآسيا قد تصطدم روسيا فى المستقبل بكل من الصين وتركيا وهما شريكان مهمان لموسكو حالياً، تركيا تلعب على وتر الثقافة وأنشأت منظمة الدول الناطقة بالتركية مقرها كازاخستان، وساعدت أذربيجان فى حربها الأخيرة ضد أرمينيا فى تحرير ناجورنوكاراباخ، أما الصين فنفوذها كبير فى وسط آسيا بحكم الجغرافيا، ناهيك بالطبع عن تغول الجالية الصينية فى الشرق الأقصى وغرب سيبيريا الروسيين. ربما يكون أحد أهداف العملية العسكرية الروسية هو اجتذاب الناطقين بالروسية فى أوكرانيا لتوطينهم فى الأراضى الروسية الشاسعة غير المأهولة فى أقصى الشرق الروسى وسيبيريا. مستقبل أمريكا ووفق بعض الخبراء، فإن وضع الولايات المتحدة كقطب فى عالم متعدد الأقطاب، أو عالم ما بعد أوكرانيا، البعض يذهب هنا لأبعد مما يجب ويقول إن الولايات المتحدة كقطب حددت بنفسها «حدودها» وهى متمثلة فى غرب أوروبا وكندا وأستراليا، كما ترغب واشنطن فى رؤية اليابان ولا بأس من وجود الهند، وهى مستعصية عليها حتى الآن، كما أن كوريا الجنوبية حولها علامة استفهام كبيرة، أما الجزء الأكبر من أوروبا كما يتوقع بعض الخبراء فقد لا تكون فى الفلك الأمريكى وهذا محل شك كبير، فالعملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا حفزت دول أوروبا على الانضمام للناتو أكثر من أى وقت مضى، ومن ثم التحالف مع الولايات المتحدة أى القطب الأمريكى، بدليل أن السويد وفنلندا على بعد خطوة من الانضمام للناتو ولا أستبعد انضمام النمسا فى المستقبل. ومن غير المعروف كيف ستتصرف دول أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وبقايا أوروبا. فهى ربما تنتظر انقشاع غبار العملية الروسية فى أوكرانيا، نتائج الصراع فى أوكرانيا ستكون هى المحدد الوحيد للتحالفات القادمة للدول التى لم تحدد موقفها بعد. صراع قادم أما ما هى المناطق التى ستكون ساحات صراع قادمة، وكما أعلنت القيادة الروسية أولاً: أنها لن تتحمل وجود الأمريكيين فى فضاء الاتحاد السوفيتى السابق، بما فى ذلك الجزء الأوروبى منه، وثانياً: الصين والولايات المتحدة تسعيان للسيطرة فى منطقة آسيا والمحيط الهادى. والنزاع الحالى فى أوكرانيا سيكون بمثابة مفجر لصراعات ونزاعات دولية وإقليمية أخرى، فمن ناحية كما يفترض البعض عالم متعدد الأقطاب سيتكون (فى حال خروج روسيا منتصرة) ومن ناحية أخرى ستخوض الولايات المتحدة صراعاً مريراً من أجل الحفاظ على ما بقى لها من هيمنة، هاتين النزعتين ستصطدمان، وقد تدخلان فى صراع مفتوح ليس فقط على أرض أوكرانيا، رغم أن أوكرانيا هى المسرح الرئيسى للصدام حالياً، فمن غير المستبعد بدء حلقة جديدة من الصراع فى جنوب شرق آسيا حول جزيرة تايوان، وهذا سيكون جزءا من التناقض الأمريكى مع الصين، وإن كانت واشنطن تفضل تأجيل هذا الفصل من الصراع مؤقتاً. كل هذا سيكون جزءا من محاولة واشنطن الحفاظ على جزء من هيمنتها التى كانت عندما كان العالم أحادى القطب. إطار العالم لم يتضح بعد، باستثناء أن العالم لم يعد "أحادى القطب"، الذى سعت واشنطن لبنائه منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضى، ولذلك فإن أوكرانيا تعتبر منعطفا فارقا يعكس تطور سيذهب لأبعد من ذلك بكثير من الناحية الجيوسياسية. المنظومة الدولية ما يحدث فى أوكرانيا الآن هو نتاج تناقض فى المنظومة الدولية، تصاعد على مدى ثلاثين عاماً، نتيجة رفض الولايات المتحدة القاطع، إدماج روسيا فى منظومة الأمن الأوروبية، بدلا من توسع الناتو شرقاً، أقام الغرب منظومة أمن "مركزية للناتو"، فى الوقت الذى أبعد فيه روسيا عنها، بدأوا فى اجتذاب دول مثل أوكرانياوجورجيا وغيرها من دول البلقان، هذا بالرغم من تحذير روسيا، والمشكلة ليست فى أوكرانيا فى حد ذاتها، أى أن الأمر ليس إقليميا، بل أن الأمر امتد ليصبح أوروبيا بمفهومه الواسع، مما حول الخلاف إلى نزاع مفتوح نشهده الآن. حلفاء واشنطن وبصرف النظر عن نتائج معركة أوكرانيا، فإن بعض الخبراء يؤكدون على أن الأوضاع الحالية تشى بأن النظام العالمى الحالى أصبح متداعيا لدرجة أن حلفاء واشنطن التقليديين فى منطقة الخليج، لم يعودوا يستجيبون لطلبات الولايات المتحدة كما كانوا فى السابق، على سبيل المثال قامت المملكة العربية السعودية بإيعاز من الولايات المتحدة بزيادة إنتاجها من النفط فى نهاية الثمانينيات، فهوت أسعار النفط مما دق المسمار الأخير فى نعش الاتحاد السوفيتى، وتقوم السعودية الآن بعملية هدفها عدم استخدام الدولار فى تجارتها مع الصين، ويعتقد بعض الخبراء أن الأزمة الأوكرانية قد تعجل بقتل الدولار كعملة وحيدة تسود العالم وتسيطر على الأنظمة المالية ومنها الاحتياطات النقدية لكثير من الدول، فهل دارت عجلة بناء نظام عالمى جديد متعدد الأقطاب. مازلت أكرر هذا يتوقف على نتيجة الأزمة الأوكرانية ومن سينتصر فيها، روسياوأمريكا تلعبان المباراة النهائية التى لابد أن يفوز فيها أحدهما، والاتحاد السوفيتى لم ينهر بعد وما يحدث هى توابع زلزال انهياره، كما أن روسيا تأخرت فيما يتعلق بمنطقة نفوذها، فها هى دول البلطيق فى حلف الناتو، وجورجياوأوكرانيا قدمتا طلبات للاتحاد الأوروبى ومن غير المستبعد فى المستقبل للناتو، وها هى أذربيجان تتحدث مع تركيا باعتبارها شعبا واحدا فى دولتين، وهى التى اتهمت روسيا فى السابق بأنها دعمت أرمينيا للاستيلاء على كاراباخ، وهاهو رئيس كازاخستان الذى أنقذته روسيا من السقوط فى بداية العام الجارى إثر تمرد شعبى، يوقع اتفاقية أمنية ودفاعية مع الرئيس التركى، سيكون على روسيا بعد أوكرانيا عمل الكثير لتجميع حلفائها السابقين، وسيكون عليهما عمل الكثير من الناحية الإعلامية لاستعادة الثقة فيها كقوة صاحبة نفوذ فى فضاء الاتحاد السوفيتى السابق وخاصة من الناحية الثقافية، فهناك مخاوف من أنه بعد تعددية الأقطاب تجد روسيا نفسها دون مناطق نفوذ فى أوروآسيا، نتيجة زحف الفرقاء والحلفاء فى آن واحد.