التوتر على الحدود الروسية الأوكرانية كان فى مصلحة واشنطن بوتين أنقذ سمعة الولاياتالمتحدة بعقد القمة.. وتوقف عن هجوم لم يكن سيحدث على أوكرانيا د. نبيل رشوان جاء الرئيس بوتين إلى القمة الروسية الأمريكية بعد زيارة للهند وقع خلالها على عدد من الاتفاقيات، كما أنه حاول بقدر المستطاع أن يظهر أن قمته مع الرئيس بايدن هى مجرد حدث عادى، فقد شارك عبر الفيديو فى افتتاح محطة لمترو الأنفاق فى موسكو، وشارك فى مؤتمر اقتصادى حتى قبيل القمة بقليل. لا أحد يدرى بما فعله الرئيس بايدن وإن كان قد حضر القمة معه أثناء الحديث مع الرئيس بوتين أربعة من معاونيه منهم وزير الحارجية ومستشاره للأمن القومى، فيما بقى الرئيس بوتين فى غرفة المحادثة بمفرده يتحدث لنظيره الأمريكى، على أى حال من شاركوا بايدن لم يكن لهم دور، مجرد تواجد، ربما تحسباً لأى سقطات من الرئيس. الرئيس بوتين كذلك حصل على ما يريد نتيجة الحشود العسكرية على الحدود الأوكرانية، وتم ترتيب هذا اللقاء لمناقشة قضية الحشود الروسية، والتى صورتها وسائل الإعلام الغربية على أنها مشروع غزو روسى لأوكرانيا، الرئيس الروسى أراد من خلال إجبار الرئيس بايدن على اللقاء، أن يؤكد على عدم أحادية أو ثنائية القطب فى العالم بل على تعدد الأقطاب، وروسيا لها دور لا يقل عن الدور الصينى فى ترتيب الأوضاع فى العالم، وعلى غرار قمة الرئيس بايدن مع الرئيس الصينى عقدت القمة الروسية الأمريكية، ولا ننسى أن بوتين قبيل القمة كان عائداً لتوه من الهند وهى أيضاً قطب لا يستهان به. نتائج متوقعة نتائج المباحثات الافتراضية لم تخرج عما كان متوقعاً لها، الرئيس الأمريكى كما أعلن هو نفسه حذر روسيا من شن أى هجوم على أوكرانيا لأن هذا سيعرض روسيا لعقوبات شديدة ، الرئيس الروسى بدوره أعرب عن قلق بلاده من توسع الناتو شرقاً وأعطى لنفسه الحق فى الدفاع عن بلاده، وكما أعلن الكرملين أن المباحثات أخذت طابع الصراحة والعملية، وأعرب الجانبان عن دعمهما للسلام والأمن فى العالم بحكم مسئوليتهما، واتفق الطرفان على استمرار الحوار لتحقيق السلام والأمن العالميين. ووفقاً لما صدر من الكرملين عن المباحثات فقد أكد الرئيس بوتين على عدم تعليق المسئولية على أكتاف موسكو فقط، بل الناتو أيضاً يقوم بمحاولات خطيرة لضم أوكرانيا وينشر فيها قواته بالقرب من الحدود الروسية، ومن الجانب الأمريكى الرسمى قال الرئيس بايدن إنه أبلغ الرئيس بوتين بما يمكن أن يقع على روسيا من عقوبات فى حال الهجوم على أوكرانيا، تحدث الجانبان عن الملف النووى الإيرانى وعن الأمن السيبرانى والقراصنة الذين يطلبون فدية، وتحقيق الاستقرار الاستراتيجى الذى كان أهم نتائج مباحثات جنيف فى يوليو الماضى. عرقلة النفوذ الأمريكى وبصرف النظر عن النتائج فقد حصلت موسكو والرئيس بوتين على ما يريدان وأكدت روسيا أنها قطب يجب أن يؤخذ فى الاعتبار، وهى لديها من الملفات ما يعرقل توسع النفوذ الأمريكى على الأقل فى فضاء الاتحاد السوفيتى السابق، لكن كان المتوقع أن يزور الرئيس بوتين الصين، خاصة أن هناك صخبا حول المشاركة فى الأولمبياد الشتوى ودعم واشنطن لقوى معارضة فى تايوان وملف حقوق الإنسان فى بكين، غير أن الرئيس بوتين أنهى زيارة للهند ليؤكد أن روسيا تحالفاتها واسعة وتقترب من نصف سكان العالم. ربما لم يذهب الرئيس بوتين للصين على اعتبار أنها توصلت لتفاهمات مع واشنطن حول معضلة تايوان وإقرار واشنطن بصينية الجزيرة، وتأكيدها على مفهوم دولة واحدة ونظامين، رغم أنه فى تقديرى ربما كانت زيارة الصين أشد وقعاً على الجانب الأمريكى. من جانبها الولاياتالمتحدة وبعد انسحابها المهين من أفغانستان وتخليها عن الحكومة الحليفة لها هناك، جاءت الحشود الروسية على الحدود الأوكرانية بالنسبة لها طوق نجاة لتثبت أنها لا تتخلى عن حلفائها، وانطلقت التحذيرات من أشد العقوبات التى من الممكن أن تفرض على روسيا فى حال الهجوم على أوكرانيا (رغم تأكيد روسيا بأنها لم ولن تفعل ذلك) غير أن الولاياتالمتحدة ظلت تنفخ فى النار وتسكب الزيت لزيادة الرعب فى أوكرانيا ولتبدو هى فى النهاية المنقذ، وهو ما حدث بالفعل، كما لو كان الهجوم الروسى لم يقع بفضل التهديدات الأمريكيةلموسكو، وهكذا بدت واشنطن وكأنها لن تتخل عن حلفائها هناك فى الشرق أمام العدوان الروسى. أوكرانيا أيضاً لم تكن مفعولا بها طوال الوقت، فبعد المباحثات الافتراضية مع الرئيس بوتين بيوم، تحدث تليفونياً مع الرئيس الأوكرانى زيلينسكى، استغرقت المحادثة ساعة ونصف، ووعده بإمداد أوكرانيا بالسلاح ما سيمكنها من ردع أى عدوان روسى فى المستقبل، كما وعده بفرض عقوبات شديدة على روسيا فى حال مهاجمة أوكرانيا، مثل تلك المفروضة على كوريا الشمالية وإيران، وكأنه يقول نم يا صديقى وكن قرير العين. فرض العقوبات بعد المباحثات مع الرئيس بوتين هاتف الرئيس بايدن حلفاءه الأوروبيين وأبلغهم بالنتائج، ربما ليكونوا على استعداد لفرض مزيد من العقوبات على روسيا إذا لزم الأمر، فما كان من المستشار الألمانى الجديد أولاف شلوتز، إلا أن يضرب فى قدس من أقداس روسيا وهو خط الأنابيت "السيل الشمالى 2" ويعلن أنه فى حال هجوم روسي على أوكرانيا فإنه سيوقف إجراءات تراخيص الخط. المباحثات جرت على أساس التراضى بين الفرقاء، وكما يقول المثل الروسى "الذئاب شبعت، والغنم لم ينقص منها شئ" الولاياتالمتحدة حفظت ماء الوجه بعد فضيحة أفغانستان، وهى كما لو كانت أوقفت العدوان على أوكرانيا وحمتها من "العدوان الروسى" المتربص بها وهذا يمنحها شهادة حسن سير وسلوك بين دول الاتحاد السوفيتى السابق خاصة دول وسط آسيا وحتى مع الحلفاء الأوروبيين باعتبارها حامى حمى أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية التى كانت تحميها من الشيوعية ثم بعد ذلك من الدب الروسى، وروسيا تحدثت وحذرت صراحة من محاولات واشنطن والناتو التمدد فى دول الاتحاد السوفيتى السابق، مما سيشكل بلا شك ضغطا أمنيا، وبالنسبة لأوكرانيا يبقى الوضع فى الدنباس على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء لاتفاقية مينسك او رباعية نورماندى، التى تسعى أوكرانيا إلى ضم الولاياتالمتحدة إليها لتزيد من قوة موقفها رغم أن نورماندى فيها المانيا وفرنسا وهما داعمتان للموقف الأوكرانى، أو اللجوء لصيغة شتاينماير فى أسوأ الأحول وكل هذه الأمور تؤدى إلى حكم ذاتى واسع لمناطق شرق أوكرانيا سيحول الأخيرة إلى كونفيدرالية وليس فيدرالية، وقد يؤدى فى المستقبل لتقسيم أوكرانيا، حيث الشرق روسى الهوى والغرب أوروبى أو بولندى الهوى بمعنى أدق، فيما سيبقى تحت سيطرة الحكومة المركزية وسط البلاد فقط. استمرار الحوار فى واقع الأمر أهم ما فى القمة بالنسبة لروسيا هو التأكيد على استمرار الحوار مع الولاياتالمتحدة، وأنها حفظت ماء وجه الجميع أمام المجتمع الدولى، روسيا حذرت واشنطن من توسع الناتو، وهو مستمر فى التوسع، والأخيرة حذرت موسكو من مهاجمة أوكرانيا والجميع محلك سر لا القوات الروسية انسحبت، بل على العكس يجرى الآن تكثيف تواجد القوات بأخرى قادمة من سيبيريا، ولا واشنطن توقفت عن دعم أوكرانيا عسكرياً أو أجلت إنشاء بنية تحتية لحلف الناتو، ولا أوكرانيا توقفت عن الشكوى من العدوان الروسى كان أخرها منع سفينة حربية أوكرانية من دخول مضيق كيرتش وهو مياه دولية. وكما قلت فى السابق كل ما يحدث فى فضاء الاتحاد السوفيتى السابق هو نتيجة الانهيار السريع للإمبراطورية السوفيتية التى مر عليه 30 عاماً يوم 8 ديسمبر، الإمبراطوريات لا تختفى فجأة وإنما على مدى عقود بل أحياناً قرون، وانهيار الاتحاد السوفيتى لم يكن طبيعياً، وما زالت تدعيات والهزات الارتدادية لزالزال الانهيار يتردد صداها. وما الصراع فى أوكرانيا وجورجيا حيث انقسمت لثلاث مقاطعات، وفى مولدوفا حيث إقليم الدنستر الموالى لروسيا، والصراع بين طاجيكستان وكيرجيزستان على وادى فرجانى، وصراع أرمينيا وأذربيجان على ناجورنوكاراباخ، ولا أريد أن أنكأ المزيد من الجراح فهى لم تجف بعد. القمة انتهت وربما الشئ الإيجابى الوحيد هو إعلان الخارجية الروسية عن بدء حوار حول التوازن الاستراتيجى بين روسياوالولاياتالمتحدة قد يبدأ فى يناير المقبل. كما أعلن الرئيس الأوكرانى عن أنه على استعداد للدخول فى مفاوضات مباشرة مع روسيا فى الدنباس، ربما ليؤكد على أوكرانية الإقليم، أو أنه سيجرى استفتاء على الدنباس، ولم يحدد حتى سؤال الاستفتاء، هل على حكم ذاتى أم استقلال؟؟ الشئ المؤكد الوحيد أن روسيا مازالت تحشد القوات بالقرب من الحدود الأوكرانية أو على الأقل لم تخفف التصعيد، الناتو يحشد قواته فى اليونان وروسيا كذلك منزعجة، لا ننسى هناك الملف الليبى وهناك الملف السورى، وهى الملفات التى بها تقاطع مباشر بين روسيا وحلف الناتو أو لنقل الغرب والولاياتالمتحدة.