بدء عمليات الفرز بالإسكندرية بعد انتهاء التصويت في الدوائر الملغاة بالمرحلة الأولى    ماذا حدث في سوق الذهب العالمي والمحلي اليوم؟    وزير السياحة يعقد لقاءات مهنية مع منظمي الرحلات بالسوق الأمريكية    «سقطت سهوًا» | العراق يتراجع عن تصنيف حزب الله والحوثيين «إرهابيين»    بطولة إفريقيا لكرة السلة سيدات.. تعرف على مجموعة الأهلي    الأهلي طرابلس يفوز على أهلي بنغازي ويتوج بكأس ليبيا    من «ميت بشار» ل «السدرة».. التماسيح تغزو مياه النيل في الشرقية (صور)    إطلالة جذابة ل «داكوتا جونسون» بافتتاح مهرجان البحر الأحمر السينمائي 2025 | صور وفيديو    هيئة قصور الثقافة تنعى الشاعر الكبير فوزى خضر    دار الإفتاء تؤكِّد: «البِشْعَة» ممارسة محرَّمة شرعًا ومُنافية لمقاصد الشريعة    وزير الصحة: أمراض الجهاز التنفسي تتطلب مجهودا كبيرا والقيادة السياسية تضع الملف على رأس الأولويات الوطنية    مراسلة إكسترا نيوز: اشتعال المنافسة في الإسكندرية بين 16 مرشحا على 3 مقاعد    أحمد محمود يحصد ذهبية بطولة أبطال الجمهورية في الووشو كونغ فو    ما الحكمة من تناثر القصص القرآني داخل السور وعدم جمعها في موضع واحد؟.. خالد الجندي يوضح    الأقصر تشهد أضخم احتفالية لتكريم 1500 حافظ لكتاب الله بجنوب الصعيد    الإدارية العليا تغلق باب الطعون على نتيجة النواب بالمرحلة الثانية ب300 طعن في 48 ساعة    الوطنية للانتخابات: تسليم الحصر العددي لمن يطلب من المرشحين أو الوكلاء وليس للمندوب    "المصل واللقاح" يكشف حقائق صادمة حول سوء استخدام المضادات الحيوية    بعد غد.. فصل التيار الكهربائي عن مناطق وقرى بالرياض في كفر الشيخ لمدة 5 ساعات    ننشر الجدول الزمنى للإجراءات الانتخابية بالدوائر الملغاة بانتخابات النواب    سوريا ضد قطر.. التعادل السلبي ينهى الشوط الأول بكأس العرب 2025    تحولات الدور التركى فى الساحل الإفريقى    البورصة تسجل قفزة في سوق الصفقات بقيادة شارم والخليج الإنجليزية    محافظ قنا ل إكسترا نيوز: غرفة عمليات لمتابعة الانتخابات على مدار الساعة    هنو يكرم خالد جلال «صانع النجوم»    محافظ الدقهلية يقدم العزاء في وفاة الحاجة «سبيلة» بميت العامل بمركز أجا| صور    تغيير ملاعب مباريات الأهلي والزمالك في كأس عاصمة مصر    بانوراما مصغرة ل«المتحف المصري الكبير» بإحدى مدارس كفر الزيات    الأزهر للفتوى يوضح: اللجوء إلى البشعة لإثبات الاتهام أو نفيه ممارسة جاهلية    توقيع بروتوكول تعاون مشترك بين وزارة الخارجية ومحافظة كفرالشيخ لإتاحة خدمات التصديقات داخل المحافظة| صور    حفل جوائز التميز الصحفى الإثنين |تكريم «الأخبار» عن تغطية افتتاح المتحف الكبير    دير شبيجل: ماكرون حذر زيلينسكي وميرتس من خيانة أمريكية    تأثير الموسيقى.. كيف تغير المزاج وتزيد التركيز؟    بيان من نادي كهرباء الإسماعيلية بسبب الشائعات بين المرشحين على مواقع التواصل    وفاة معلم أثناء طابور الصباح في القاهرة    ياسمين الخيام تكشف التفاصيل الكاملة لوصية والدها بشأن أعمال الخير    الكرملين: الهند شريك رئيسي لروسيا.. والعلاقات بين البلدين متعددة الأوجه    إجراءات التقديم لامتحان الشهادة الإعدادية 2026    تحويلات مرورية في القاهرة.. تعرف عليها    نائب رئيس الوزراء: القيادة السياسية تضع الملف الصحي على رأس الأولويات الوطنية    السفيرة الأمريكية بالقاهرة: نسعى لدعم وتوسيع الشراكة الاستراتيجية مع مصر    العمل" تُوفر 10 وظائف للشباب في" الصناعات البلاستيكية الدقيقة بالجيزة    الداخلية تضبط شخصا يوزع أموالا على الناخبين بطهطا    الاحتلال الإسرائيلي يعلن مقتل ياسر أبو شباب على يد مسلحين فى غزة    ثقافة الغربية تناقش كتابات نجيب محفوظ احتفالا بذكرى ميلاده    رئيس الوزراء يصدر 10 قرارات جديدة اليوم    أبو الغيط: جائزة التميز الحكومي رافعة أساسية للتطوير وتحسين جودة حياة المواطن العربي    الطقس غدا.. تغيرات مفاجئة وتحذير من شبورة كثيفة وأمطار ونشاط رياح وأتربة    لجان لفحص شكوى أهالي قرية بالشرقية من وجود تماسيح    في غياب الدوليين.. الأهلي يبدأ استعداداته لمواجهة إنبي بكأس العاصمة    ضبط شخص بحوزته عددا من بطاقات الرقم القومي للناخبين في قنا    خسائر بالملايين| الحماية المدنية تسيطر على حريق بمعرض أجهزة كهربائية بالوراق    موعد صلاة الظهر..... مواقيت الصلاه اليوم الخميس 4ديسمبر 2025 فى المنيا    الحقيقة الكاملة حول واقعة وفاة لاعب الزهور| واتحاد السباحة يعلن تحمل المسئولية    الصحة: مباحثات مصرية عراقية لتعزيز التعاون في مبادرة الألف يوم الذهبية وتطوير الرعاية الأولية    اليوم.. إطلاق إعلان القاهرة الوزارى لحماية البحر المتوسط فى COP24    استقرار أسعار الذهب اليوم الخميس.. والجنيه يسجل 45440 جنيهًا    كأس إيطاليا – إنتر ونابولي وأتالانتا إلى ربع النهائي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأثير صعود أحزاب الخضر حول العالم علي السياسة الدولية
نشر في الأهالي يوم 08 - 12 - 2021

تشهد بعض أقطار العالم صعوداً لتيار سياسي وأيدولوجي حديث العهد بالسياسة اليومية التقليدية, وهو تيار الخضر الذي عُرف عنه دخوله إلى السياسة عبر تشديده علي القضايا البيئية التي أحدثتها المتغيرات الصناعية والتكنولوجية.
في أوروبا تبدو فرص الخضر المستقبلية واعدة في ظل تراجع نفوذ الأحزاب اليسارية واليمينية التقليدية لصالح التيارات الغريبة عن المنظومة السياسية المألوفة.
مؤخراً حصل الخضر علي نتائج مرضية في ألمانيا, بعد أن حصلوا علي المركز الثالث من حيث عدد المقاعد بين أحزاب البرلمان الألماني, وهو ما ضمن لهم دوراً جوهرياً في تسمية المستشار الجديد أولاف تشولز وصياغة برنامج الائتلاف الحاكم, كما ضمُنت لهم مواقع وزارية مهمة في الحكومة الفيدرالية الجديدة.
صعود أحزاب الخضر
ورغم السمة الراديكالية التي وصف بها الخضر باعتبارهم تياراً من خارج السياسة التقليدية, تطور تيار الخضر من مطالبات النشطاء المستندة علي قضية بيئية واحدة إلى أحزاب لها أجندة واسعة قادرة علي نيل الفوز بالمقاعد الانتخابية وأن تتفاعل علي المستوي الحكومي.
و للأحزاب الخضراء جذورها في موجة الحركات الاجتماعية التي عارضت المجتمعات الصناعية ابتداء من ستينيات القرن الماضي. فقد انفصل "اليسار الجديد" والحركات الطلابية في عام 1968 عن الأشكال السابقة لتنظيم العمال على أساس طبقي، متجهين علي نحو مغاير من ذلك إلى توجيه الانتقادات الجذرية للرأسمالية الصناعية نفسها بناء علي الرؤى الطوباوية للحياة في انسجام مع الطبيعة.
الخضر والانتخابات
شهدت فترة أوائل السبعينيات من القرن الماضي بدايات دخول الحركة إلى السياسة الانتخابية. تم تشكيل الأحزاب الخضراء الأولى في أستراليا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة في عام 1972. وكان حزب الشعب البريطاني هو الأول في أوروبا، والذي تأسس على أفكار نص بيئي مؤثر حذر من الانهيار البيئي الوشيك (A Blueprint for Survival-مخطط من أجل البقاء)، والذي تم توقيعه من قبل عشرات العلماء البريطانيين البارزين.
ومنذ تظاهرات 1968 الشهيرة حتي نهاية السبعيننيات لم يكن للخضر أي تفاعلات مع الانتخابات البرلمانية, إلى أن خاض خضر ألمانيا الغربية الانتخابات عام 1980. منذ هذه اللحظة انتقل الخضر من أحزاب للاحتجاج والحركات الفضفاضة إلى تنظيمات سياسية تضم كوادر سلطوية مؤثرة في غضون بضعة عقود فقط. وعلى الرغم من أنها أصبحت في بعض البلدان لاعباً أساسياً في المؤسسات التشريعية، إلا أنها تظل في بلدان أخرى على الهامش.
الوصول للحكم
وشهد العقد الأول من القرن الحالي تفاعلات أوسع للخضر في السياسة الأوروبية, حيث أصبح إنغليس إمسيس من لاتفيا أول رئيس وزراء من حزب الخضر في عام 2004، ودخل الخضر الحكومات في بلجيكا وفرنسا وإيطاليا وأماكن أخرى. بحلول عام 2021، مع استمرار الأحزاب الرئيسية في فقدان شعبيتها وتزايد دور تغير المناخ كمصدر قلق للناخبين للأوروبيين، شاركت الأحزاب الخضراء في الحكومات الوطنية في كل من النمسا وبلجيكا وفنلندا وأيرلندا ولوكسمبورغ والسويد.
أول حزب رئيسي
وكان للخضر نتائج متباينة في دول الكومنولث في المملكة المتحدة (أستراليا وكندا ونيوزيلندا). في نيوزيلندا، موطن ما يعتبره الكثيرون أول حزب أخضر رئيسي في العالم ، فاز الخضر بين 5 و 11 في المائة من اصوات الناخبين منذ عام 1999، وفي عام 2017، دخلوا الحكومة لأول مرة. و لم يكن لدى الخضر الأستراليين أكثر من مقعد في مجلس النواب. كما دخل الخضر في كندا البرلمان لأول مرة في 2011 بمقعد واحد، ثم ازداد العدد لثلاثة مقاعد بعد انتخابات 2019.
في الولايات المتحدة كافحت الأحزاب الخضراء الأمريكية على المستوى الوطني: لم يتم انتخاب أي عضو في حزب الخضر لأي مكتب فيدرالي، وكان أفضل أداء لها في الانتخابات الرئاسية هو 2.7 في المائة من الأصوات الشعبية في العام 2000. ومع ذلك، فقد مارسوا النفوذ بطرق أخرى. اعتباراً من عام 2020، أسس الخضر 117 مكتبا منتخبا محلياً على مستوى البلاد, وكانوا من أوائل الداعين لصفقة خضراء جديدة، والتي أصبحت شائعة بين الديمقراطيين تعبيراً عن النفوذ الصاعد للخضر علي الدوائر السياسية المهمة في الولايات المتحدة. تم دمج الاقتراح جزئياً في خطط الرئيس جو بايدن لسياسات البنية التحتية والزراعة والطاقة للحد من إنبعاثات ثاني أوكسيد الكربون.
أمريكا اللاتينية
وفي أمريكا اللاتينية دخل الخضر الهيئات التشريعية وسيطروا على مناصب حكومية محلية مهمة في العديد من البلدان.حيث فاز حزب الخضر البيئي في المكسيك (PVE) في العقد الماضي 47 مقعدا (من أصل 500) في مجلس النواب في البلاد و 9 مقاعد (من أصل 128) في مجلس الشيوخ.
وبالعودة لألمانيا حقق الخضر قفزة أكبر عام 1998، عندما أصبحوا أعضاء في الائتلاف مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي يسار الوسط (SPD). أصبح زعيمهم، جوشكا فيشر، نائب المستشار ووزير الخارجية.
وفي الانتخابات الألمانية الأخيرة 2021 حصل الخضر علي المركز الثالث من حيث أعداد المقاعد (118), بعد أن حصل الحزب الديمقراطي الاجتماعي علي المركز الأول, و الاتحاد الديمقراطي المسيحي علي المركز الثاني. وهي نتيجة إيجابية بالنسبة للخضر في ألمانيا, حيث كان لهم دور مهم في الاتفاق مع الحزبين الأخرين في تسمية المستشار الألماني الجديد أولاف تشولز, والذين سيشكلون معاً الحكومة الفدرالية الجديدة.
من هم الخضر
تعبر أحزاب الخضر عن حراك اجتماعي يسعى لإعادة تشكيل الحضارة البشرية وفقاً لمنظومة مستدامة موجه من قبل البشر. بدأت الحركة حول العالم بمعارضة توليد الطاقة النووية لتتوسع وتضم شعارات خاصة بالاحتباس الحراري والتلوث وتحقيق صناعة متوافقة مع البيئة. و وفقاً لشبكة الخصر العالمية, يوجد حوالي 80 حزب أخضر حول العالم.
وتتبني أحزاب الخضر عادة قضايا اجتماعية واقتصادية واسعة ولكن مترابطة – وهي قضايا ترتكز عند معظم الأحزاب الخضراء علي أربع ركائز: الاستدامة البيئية; الديمقراطية الشعبية; العدالة الاجتماعية ؛ اللاعنف و التسامح و رفض التدخلات العسكرية .
تتضمن المنصات الخضراء بشكل عام شعارات معارضة الحرب وصناعة السلاح, بالأخص السلاح النووي, والتشكك في اتفاقيات التجارة العالمية, وتفضيل الحكم اللامركزي والاعتماد علي الحكم المحلي, والالتزام بالعدالة الاجتماعية, العدالة الاقتصادية ومناهضة العرقية وتمكين المرأة.
ركود ديمقراطي
يذهب ديريك وال الناشط البريطاني, في كتابه حول سياسات الخضراء, أن الحراك الأخضر يتميز باختلافات جوهرية بين اليمين واليسار, يصنف كثير من الخضر أنفسهم علي جانب اليسار بالنسبة للقضايا الاقتصادية والاجتماعية, لكن تركيزهم علي تطبيق اللامركزية و الحلول المحلية يفرقهم عن الأحزاب اليسارية التقليدية.
وفي الوقت نفسه توجد بعض التوجهات التي يطلق عليها "الخضرية المحافظة"التي تري المشاكل البيئية عبر رؤية قومية وطنية ويقدمون الحلول مستندة علي الأسواق عوضاً عن الاعتماد علي التخطيط ودور الدولة الاقتصادي.
وبينما يري مراقبون أن سلامة النظم الديمقراطية حول العالم مهددة, حيث ذهب فريدوم هاوس أن العالم سيدخل خلال خمسة عشر عاماً إلى حالة "ركود ديمقراطي". فالشعبوية تتغذي علي تدني مستويات المعيشة و المؤسسات التي لا تؤدي عملها بكفائه. و تأتي أزمة الفيروس التاجي لتترك أثر بالغ علي مدى ثقة المواطنين بسلطات بلادهم و مدى فعالية أنظمتهم السياسية في التعبير عن حاجاتهم.
وفي حين تفقد الأحزاب الرسمية شعبيتها وتأثيرها عبر السنوات, نتيجة لتأثير الأزمة الاقتصادية العالمية, بالإضافة للهجمات الإرهابية, والهجرات من الشرق الأوسط نتيجة للتوترات التي تشهدها المنطقة, تؤدي هذه العوامل إلى ابتعاد الناخبين عن سياسي الوسط والاتجاه نحو البدائل اليمينة أو اليسارية علي حد سواء.
وفي خضم هذه الاضطرابات يخترق الخضر المعادلات السياسية, فالنظرة إليهم باعتبارهم غرباء عن المنظومة السياسية التقليدية مكنتهم من الاستفادة من عدم الرضا العام الُمنصب علي النظم الحالية, بينما تجتذب أيدولوجيتهم الكثير من مؤيديى اليمين واليسار علي حد سواء. حيث يذهب بعض المحللين أن الموقع الذي يقف فيه الخضر يضمن لهم الفوز, فاليمين يفقد مصوتيه – بالأخص في ألمانيا .
و لكن السؤال الذي يطرحه معظم مراقبى السياسة الغربية, هو مدى التزام الخضر بشعاراتهم النابذة للعنف وقابليتهم للتحالف مع أقصي اليمين وأقصي اليسار. فهناك أمثلة علي أحزاب خضراء أظهرت مرونة كافية, في النمسا شكل الخضر إئتلاف مع الحزب المحافظ, مما أدى إلى تشكل حكومة يقوم برنامج عملها علي معارضة زيادة الهجرة و استخدام السياسات الضريبية في مواجهة ملوثي البيئة, بينما تتلاقي سياساتهم مع الوسط فيما يتعلق بتدعيم الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
بين الراديكالية والاعتدال
منذ فترة طويلة انقسم الخضر داخلياً (من السبعينيات حتي أوائل التسعينيات بالأخص)، مما أدى إلى صراعات علي القيادة وانشقاق الأحزاب نابعة من خلافات مستمرة حول كيفية الاستفادة من الشعبية المتزايدة.
تركزت المناقشات الرئيسية على طبيعة الحركة وهويتها. حيث يرى البعض في المقام الأول, أن الحركة يجب أن تعمل بالتزام بشكل احتجاجي مباشر علي الأرض عبر أدوات التظاهرات و العصيان المدني، وهو الاتجاه الذي تجسده مجموعة (الأرض أولاً) ويفضل آخرون استراتيجية انتخابية أكثر تقليدية. و تمثل هذا الخلاف في ألمانيا بين المعتدلين، والراديكاليين.
سياسة الطاقة
فعلى الرغم من موقفهم التقليدي المعارض للطاقة النووية ، فإن بعض الخضر وعلى الأخص في فنلندا—يعيدون النظر في هذا الموقف في ضوء الحاجة الملحة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن نشاطات الطاقة الأحفورية.
دور التكنولوجيا والعولمة والنمو الاقتصادي.
استدعاء لبعض النقاشات السابقة بين فريق النشطاء (الراديكاليون) في مواجهة فريق الاعتداليين، حيث يصر بعض الخضر على توجيه الانتقادات الأكثر راديكالية للنمو الاقتصادي الذي لا نهاية له، والنزعة الاستهلاكية القائمة على التجارة الكثيفة الاستخدام للطاقة وسلاسل التوريد، والحلول التكنولوجية لمشكلة تغير المناخ. داعون إلى "عكس النمو" ، أو التخفيض الحاد في كل من الإنتاج والاستهلاك وصولاً إلى ما يعتبرونه مستويات مستدامة. وبدلاً من ذلك، يدعو آخرون إلى "النمو الأخضر"، وهم منفتحون على الحلول التكنولوجية مثل تنقية الكربون والهندسة البيئية.
الالتزام بنهج اللاعنف
حيث تؤكد الأحزاب الخضراء على ضرورة نزع السلاح وحل النزاعات سلمياً، إن لم يكن السلام التام، وهو موقف تم اختباره من خلال مشاركتهم الحكومية. رغم ذلك دعم الخضر في ألمانيا العديد من التدخلات العسكرية، كما أن برنامجهم الحالي يدعم وجود حلف الناتو بقوة.
دور الاتحاد الأوروبي
معظم الأحزاب الخضراء الأوروبية مؤيدة للاتحاد الأوروبي، لكن هذا لم يكن الحال دائماً، نظراً للضغوط المحلية واللامركزية في فلسفتها. قام الخضر السويديون بحملة ضد دخول البلاد إلى الاتحاد الأوروبي، وفي عام 2008 تم طرد حزب الخضر الدنماركي الأصلي من الاتحاد الأخضر الأوروبي الأوسع بسبب موقفه المعادي للاتحاد الأوروبي.
الموقف من النزعة البيئية اليمينية
حيث يوجد هذا الاتجاه اليميني الداعم لحماية البيئة والواعي بمشكلات التغيير المناخي و الذي يجمع بين حماية البيئة والقومية والشك في الحكومة ورفض الرؤى المتفتحة حول قضايا الهجرة والعلمانية والليبرالية الاجتماعية. نُبذت هذه المجموعات إلى حد كبير من قبل المنظمات الخضراء الكبيرة، مثلما حدث مؤخراً شوهدت في حزب الخضر اللاتفي.
وتتمثل المفارقة هنا أنه في هذه الفترة المضطربة في السياسة الألمانية علي سبيل المثال، يمثل الخضر الاستقرار والاستمرارية بعد أن كانوا يمثلون نهجاً يسارياً غالبا ما وصف بالتطرف. "إن الحزب ينتقل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ"، كما يقول العالم السياسي الألماني أوي جون. "أصبح الخضر أكثر براجماتية، ستكون الأفكار الراديكالية ثانوية".
و في حين أن الحزب بقيادة أناليتا بيربوك يتبني برنامجا بيئيا صارما (يتصف بالراديكالية في السياق الألماني) يشتمل علي خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 70 في المائة بحلول 2030, إلا أنه يتبني موقفا وسطيا في مناحى أخرى, حيث يؤيد الحزب الاتحاد الأوروبي و استمراره بقوة, و يعتبر أن الناتو مؤسسة "لا غنى عنها", كما يتعامل بقلق وعدائية مع علاقة ألمانيا بكل من الصين و روسيا. والجدير بالذكر أن الحزب يعارض تشغيل خط أنابيب الغاز Nord Stream 2 بين ألمانيا وروسيا، والذي دعمته حكومة المستشارة أنجيلا ميركل على الرغم من معارضة الحكومة الأمريكية له.
علي صعيد أخر, يبدو أن أحزاب الخضر في بقية أوروبا أصبحت أكثر ارتباطاً بالسياسة اليومية وتخلت عن النزوع الراديكالي بشكل كامل تقريباً, عبر إبداء المرونة تجاه التحالفات السياسية و تبني مواقف مرنة في قضايا مختلفة مقابل تمرير النزعة الحمائية للبيئة، كما هو الحال في النمسا علي سبيل المثال.
ومن المتوقع أن لا يتوقف نفوذ الخضر علي البلاد التي ذكرناها سابقاً, فالوعي بقضية التغيير المناخي في تزايد واضح بين شعوب العالم, بينما تمثل تجربة الخضر في ألمانيا تجاوزاً لأزمة لطالما عانى منها الخضر حول العالم, و هي الانقسام و التشرذم وغياب الإجماع علي قيادة موحدة. و في ظل هذه الطروف الملائمة سيعني توحد الخضر فيما بينهم تشكل تيار سياسي دولي قوى التأثير وقادر علي فرض اتجاهاته.
الخضر في النظام الدولي
وهذا النمو للتيار الأخضر في أوروبا وحول العالم, سيضع القضايا المناخية والبيئية في الصدارة, فبينما تُطرح قضية التغيير المناخي علي الأجندة الدولية بصفتها عنوان رئيسي و عاجل, إلا أن النتائج التي توصلت إليها الدول حتى الآن في كوب 26 غير كافية للحد من ظاهرة الاحترار العالمي وفقاً لمجموعات الخبراء البيئيين من جانب, وللنشطاء الاحتجاجيين من جانب آخر, و هنا تكون قضية مساحة اهتمام الحكومات بالأزمة المناخية هي التي يتفاعل فيها الخضر و يمارسون نشاطهم – سواء الاحتجاجي في البلدان التي يمثلوا فيها برلمانياً, أو في الحكومات التي ساهموا في تشكيلها كما هو الحال في ألمانيا علي سبيل المثال, فالمطالبة بمزيد من الإجراءات الحمائية للبيئة و دعم الاقتصاد الأخضر لا سقف لها, ولا يزال الصراع مع شركات إنتاج الطاقة الأحفورية العالمية و منتجي الفحم صراعاً طويل الأمد سيكون للخضر فيه دور البطولة.
التدخلات العسكرية
كما يساهم صعود الخضر حول العالم- وفي الدول المُنتجة للسلاح بالأخص, في تخفيض مبيعات السلاح لهذه الدول وعرقلة التدخلات العسكرية, فمعارضة الخضر للتدخلات العسكرية في الولايات المتحدة و أوروبا يعتبر ثابتا من ثوابتهم الأيدولوجية والسياسية , ومن المتوقع أن يكون للخضر دور هام في عرقلة التدخلات العسكرية والنزاعات المسلحة وبيع السلاح في الدول التي ساهموا في تشكيل حكوماتها. إلا أن الصفة الاعتدالية التي اكتسبها الخضر مؤخراً, كما ذكرنا سابقاً, توحي بأنه من الممكن أن تُقدم بعض التنازلات بهذا الصدد, حيث دعم حزب الخضر الألمان تزويد أوكرانيا بالسلاح في مواجهة ما وصف "بالتهديدات الروسية", كما لا يعارض الخضر التعاون العسكري مع إسرائيل في بعض الدول مثل إنجلترا و فرنسا.
إلا أن للخضر دوراً يفوق في أهميته ما ذكرناه سابقاً, و هو المتمحور حول الخطاب السياسي و الأيدولوجي الذي يمثله الخضر, فصعودهم يأتي في إطار موجة ضعف تمر بها الأحزاب اليمينية واليسارية التقليدية, وهذا الضعف الناتج عن عزوف الناخبين عن السياسية التقليدية كرد فعل علي الأزمة الاقتصادية العالمية, يرافقه صعود التيارات الشعبوية و الفاشية التي تهدد بقاء النظام الدولي عبر توجهاتها الراديكالية القائمة علي استنفار القواعد الجماهيرية نحو الاستقطاب الاجتماعي و السياسي الحاد, و في خضم ذلك يأتي الخضر من خلفيتهم السياسية غير التقليدية و التي تحمل طابعاً يسارياً راديكالياً يتطور نحو الاعتدالية مع تزايد الانخراط في السياسة- يأتي الخضر باعتبارهم تيارا راديكاليا أخر قادر علي اجتذاب التكوينات الجماهيرية الغاضبة و المستنفرة في اتجاه القضايا البيئية و المطالبة بالعدالة الاجتماعية, علي حساب نزعات التعصب العرقي والديني ومعادة الديمقراطية التي تروجها التيارات الشعبوية وتقوم دعايتها عليها , بهذا يكون الخضر أحد التيارات التي تقدم نفسها كمكافئ موضوعي للتيارات الشعبوية علي مستوي عالمي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.