كان المحور الاقتصادي عاملا أساسيا في الاستعداد لحرب أكتوبر، فعلى الرغم من الصعوبات والظروف القاسية التى واجهتها الدولة أعقاب نكسة 1967، والانخفاض الشديد فى موارد العملات الأجنبية، في ظل الحاجة الشديدة لشراء المعدات والأسلحة، وكذلك تأمين المخزون الاستراتيجي من السلع الغذائية، إلا أن الإرادة المصرية، بمساعدة شركات القطاع العام، استطاعت التغلب على كل الصعوبات في ملحمة سيظل يذكرها التاريخ حتى تم العبور العظيم في أكتوبر 1973. ظروف قاسية وصفت الصعوبات والظروف السياسية والاقتصادية التى واجهتها مصر فى أعقاب 67 بأنها بالغة القسوة، وانخفض معدل النمو فى الحرب إلى 3 %، وتدهورت المرافق العامة والبنية الأساسية، وتراجع مستوى المعيشة، ورغم ذلك فإنه حتى وفاة عبدالناصر لم تتجاوز ديون مصر المدنية 1 مليار و300 مليون دولار، وهى نسبة لا تتجاوز 25 % من الناتج الإجمالى القومى، وكذلك فقدت مصر آبار البترول فى سيناء، وخربت معامل تكرير البترول فى السويس، وأغلقت قناة السويس التى كانت تدر لمصر فى المتوسط سنويا 164 مليون دولار فى السنوات ال7 قبل الحرب، وإضافة إلى ذلك انخفاض كبير فى إيرادات السياحة التى كانت تدر نحو 100 مليون دولار. ميزانية المعركة وعندما استفاقت الدولة من آثار النكسة، وبدأت الاستعداد لمعركة المصير، فقد طبقت حكومة الدكتور عزيز صدقى، رئيس الوزراء فى ذلك الوقت، خطة اقتصادية تهدف إلى ترشيد الإنفاق الحكومى، تحت مسمى "ميزانية المعركة"، لتوجيه الناتج لصالح القوات المسلحة، وقد شهد الاقتصاد المصري حالة من الاستقرار النسبي في هذه المرحلة، والتزمت مصر بسداد جميع التزاماتها الدولية بموعدها، وتم إعادة النظر فى خطة التصدير والاستيراد لتوفير النقد الأجنبى، مع العمل على إحلال المنتجات المحلية بديلا للمستوردة، وتخفيض الاستثمارات مع تأجيل تنفيذ المشروعات التنموية الطويلة الأجل التى ليس لها مردود فى العام نفسه، أو لا علاقة لها بالمعركة، كذلك إجراء تخفيض جديد فى أنواع الإنفاق بالمصالح الحكومية والقطاع العام، ويشمل خفض اعتمادات السفر والانتقالات، ومصروفات الأعياد والمواسم، ومصروفات الأوسمة والجوائز. كما أنه قامت الحكومة خلال حرب أكتوبر، بطرح سندات الجهاد من أجل تمويل متطلبات الحرب وهى عبارة عن شهادات استثمارية من أجل المشاركة المجتمعية فى الحرب ماليا تحت شعار "شارك فى ملحمة النضال الوطنى"، وتم الطرح فى البنك المركزى وفروعه وجميع البنوك التجارية المصرية، وتضمنت الفئات المالية 50 قرشا، جنيها واحدا، 5 جنيهات، 10 جنيهات، 100 جنيه، بفائدة 4.5% سنويا ومعافاة من الضرائب، كما لا يجوز الحجز عليها، وبلغت حصيلة تلك السندات بعد شهر واحد فقط من بدء الحرب 7 ملايين جنيه. القطاع العام قال خبراء الاقتصاد ان شركات القطاع العام، كانت يد الدولة والداعم لها طوال فترة الاستعداد للحرب وأثناء المعركة، فقامت بتوفير كل مستلزمات الجيش في ذلك الوقت، بل وساعدت في توفير النقد الأجنبي من خلال التصدير، لشراء الاسلحة. فمن مصانع الغزل والنسيج، لشركة الحديد والصلب والتى قامت بدور استراتيجي وخاصة عند بناء حائط الصواريخ لحماية العمق المصري من طائرات العدو، وتوريد المنتجات التي تستخدم فى صناعة المدرعات ، ومرورا بشركة عمر أفندي وبنزيوان وقها وغيرها الكثير من الشركات، حيث كانت الشركات أشبه بمعسكرات وعمال الشركات هم جنود الانتاج، في معركة مع الزمن للإنتاج، وتلبية احتياجات الجيش. وقال أحد العاملين بشركة الحديد والصلب، إنه أثناء الحرب، قام العمال من تلقاء أنفسهم بإلغاء إجازاتهم، وواصلوا العمل ليلا ونهارا، وكانوا منقسمين إلى جبهتين، الأولى في المصانع والشركات، والثانية على الجبهة تحارب العدو بالسلاح، مضيفا، أنه تم التعهد على مضاعفة الانتاج، وعدم الراحة لتوفير كل ما تتطلبة الدولة، بل وتم العمل أيام الإجازات أيضا ومنها إجازة عيد الفطر في عام 1973، فلم يحصل العمال عليها. ويتابع: "دشم حائط الصواريخ، ومستلزمات الأسلحة وغيرها من التجهيزات كانت شركة الحديد والصلب تقوم بها، وبجانب هذا كانت شركات الغزل والنسيح تقوم بتوفير جميع الملابس، وكان يتم تصدير جزء كبير من هذه المنتجات بعد تلبية احتياجات الجيش، لتوفير العملة الصعبة، فالصناعة المصرية وخاصة المنسوجات كانت تغزو العالم، وكان لها سمعة تجعل الجميع يتهاتف لشرائها، وفي هذا الوقت نجح القطاع العام وبامتياز في مساندة الدولة في أزمتها"