قضية للمناقشة "هاريس" وبرنامجها فريدة النقاش تحتفي الأوساط التقدمية الأمريكية بوصول "كمالا هاريس" المرأة من الأصول الافريقية – الي موقع نائب الرئيس, وذلك لأول مرة في التاريخ السياسي الأمريكي. وكانت "هاريس" وهي قاضية قد كافحت طويلا للوصول إلى المنافسة علي موقع الرئيسي الأمريكي عبر الحزب الديموقراطي الذي تنتمي إليه. وتؤيدها "هاريس" في برنامجها تقديم مساعدات للمستأجرين, وحوافر ضريبية للطبقة الوسطي بقيمة ستة ألاف دولار, وهو ما يوفر مزايا ملموسة علي المدي المباشر, بدلا من البرامج الراديكالية التي تقدمها قوي يسارية تقدم حلولا جذرية للمشكلات, تبدو طويلة المدي وغير مضمونة. وتطرح السيناتورة "وارين" التي تنتمي الي التيار الراديكالي تفكيك الشركات الكبري للتكنولوجيا باعتبارها مواقع لتكثيف الاستغلال. وتتعمد "كمالا هاريس" بفرض غرامات قاسية علي الشركات التي تميز في الأجور بين النساء والرجال, ومن المعروف عموما أن المرأة العاملة الأمريكية تحصل علي 80 سنتا مقابل كل دولار يحصل عليه العامل الرجل. وقد تواصلت معركة النساء- علي الصعيد العالمي- أي في كل البلدان تقريبا من أجل المساواة في الأجور مادامت المرأة تقوم بنفس العمل الذي يقوم به الرجل, وذلك بعد أن خاضت النساء ومعهن القوي التقدمية المدافعة عن التحرر الانساني عامة- معركة امتدت لعقود دفاعا عن مبدأ المساواة في حد ذاته, ودعت هذه القوي الي توحيد المعايير التي تقيس القدرة علي الانجاز بصرف النظر عن الجنس أو حتي اللون أو العقيدة, ووضع الظروف المحيطة في الاعتبار. وكان كسب هذه المعركة يتضمن في حد ذاته انتصارات لمبدأ أرسته الجهود الإنسانية من أجل المساواة علي مر العصور وهو المبدأ الذي يقول "إن الله واحد والانسان واحد", لتتأكد حقوق النساء وعلي رأسها الحق في المساواة, وهو الحق الذي يواجه صعوبات بلا حصر في شتي البلدان تقريبا, وحتي الآن رغم كل ما تم من انجاز. وكانت ثقافة التمييز قد انتقصت من حقوق النساء بدعوي انهن ينشغلن بوظائفن الإنجابية من حمل وولادة وتربية أطفال وإدارة شئون الأسرة. واستغرق الامروقتا طويلا وجهودا مضنية كي يترسخ في الوجدان الانساني مبدأ المساواة, وتتراجع تدريجيا اشكال التمييز التي تعرضت لها النساء علي مر العصور بسبب الوظائف الانجابية, إلي أن نجحت ثقافة التحرر أخيرا في إزالة بعض ما تعرضت له النساء من ظلم وتمييز بدلا من مكافأتهن لأنهن يجددن الجنس البشري. وأدركت البشرية عامة بعد جهد كبير ان النساء بوسعهن ان يستخدمن عقولهن وان يبدعن علي كل المستويات, وأخذت تزول بالتدريج, ومع الجهود المضنية التي بذلتها النساء، بعض أشكال التمييز علي أساس الجنس كما علي اساس اللون او العقيدة او الطبقة. وتوالي إصدار المواثيق الدولية عبر الاممالمتحدة ووكالاتها, وقامت كل دولة علي حدة باصدار تشريعات تناصر بهذه الدرجة او تلك حقوق النساء ان في ذاتها, او باعتبارها جزءا لا يتجزأ من منظومة حقوق الانسان. وبفحص التاريخ المشرف للأمريكيين من اصول افريقية, يتبين لنا أن التمييز في الثقافة الطبقية التي يغذيها الاستبداد لم يقع فحسب ضد السود او الامريكيين من اصل افريقي, وانما وقع ولا يزال ضد الفقراء عامة والملونين بشكل خاص, وذلك بعد أن نجحت الثقافة العنصرية والاستعمارية في تعميم لون البشرة البيضاء باعتباره الأرقي, ليضاف اللون الي منظومة المعايير التي تبرر الاستبداد باعتباره الشيء الطبيعي. وحين يكون الشيء طبيعيا فإنه يستعصي علي التغيير. ويعلمنا تاريخ المقاومة التي أطلقها المظلومون اينما كانوا وأيا ما كانت اشكال الظلم الواقعة عليهم أن المثل الشائع الذي تتداوله الشعوب بلغاتها المختلفة "ما ضاع حق وراءه مطالب". والمطالبة بالحقوق, وابتكار طرائق للنضال من اجل الوصول إليها. وإذا ما نظرنا الي الأمر علي هذا النحو, ولم نر انتصار "هاريس" مجرد نجاح فردي لامرأة من أصول افريقية في مجتمع ترعرعت فيه العنصرية والتمييز سوف نري انما هو انتصار لكل القيم التقدمية التي كافح البشر طويلا من اجل ترسيخ جذورها في عالم يحكمه المال والقيم المرتبطة بالمنفعة الفردية الخالصة, وهي قيم تحاربها الانسانية التقدمية ارساء لمبادئ العدالة والمساواة والكرامة الانسانية, والتي تقتضي جميعا تطهير العلاقات الانسانية من آثام الاستغلال والفردية المطلقة والعنصرية.