اليوم 6 مايو 2021، تكون ثلاثة أعوام قد مرت على رحيل الفارس والزعيم الوطني التقدمي المصري خالد محيي الدين، برحيله في مثل هذا اليوم عام 2018، فقدت الحركة الوطنية المصرية والعربية وقوى التقدم والسلام في العالم، رمزاً من رموز التيار الوطني الديمقراطي التقدمي، المناضل من أجل الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية. انضم الراحل الكبير منذ شبابه لكتيبة الضباط الأحرار الذين قادوا ثورة 23 يوليو 1952، التي استهدفت التخلص من تحالف الاحتلال الأجنبي والملك والإقطاع، تحالف الفساد والاستغلال الاجتماعي والتخلف الثقافي، الذي ترك مصر حبيسة في قفص الفقر والجهل والمرض، وعوق إمكانيات تحررها وتقدمها، وإمكانيات تطور قواها الإنتاجية وقواها الاجتماعية وتطور وازدهار إمكانياتها الفكرية والثقافية. كان الراحل الكبير، على الرغم من انتمائه لعائلة من الفئات الغنية من ملاك الأرض؛ ينتمى فكرياً وثقافياً لطموحات العدل الاجتماعي، فصار مدافعاً جسوراً عن حقوق العمال والفلاحين وأبنائهم في العمل والتعليم والعلاج والترقي الاجتماعي. خصائصه الفكرية: لخالد محيي الدين الإنسان والسياسي المناضل، خصائص عديدة، فقد دمج الراحل الكبير خالد محيي الدين في فكره ونضاله بين ضرورات التحرر الوطني واستقلال الإرادة الوطنية وضرورات التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، فكان مناضلا صلباً – أياً كان موقعه في السلطة أو خارجها – ضد مؤامرات الاستعمار والصهيونية، وضد خططها لتفتيت وتفكيك جبهة النضال العربية ضد الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية، ومن هذا المنطلق رفض بصلابة زيارة السادات للقدس وما ترتب عليها من اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة السلام، مفرقاً بين السلام ومتطلباته وأدوات تحقيقه والحلول الانفرادية، التي اعتبرها في حينها دعوة للحرب، وتمكين الدولة الصهيونية من الانفراد بكل دولة عربية على حدة وليست دعوة للسلام. ودمج الراحل الكبير بين رفضه للعدوان الخارجي على مصر والوطن العربي ورفضه للاستغلال وبرامج التمييز الاجتماعي والتفاوت في توزيع الدخل القومي والثروة القومية داخلياً، ومن هذا المنطلق رفض سياسات الانفتاح الاقتصادي – ليس لأنه فقط انفتاح سداح مداح – بل لأنه كذلك إعادة إنتاج للفئات الطفيلية التى تثرى على حساب غالبية الفئات والقوى الاجتماعية، بما ينتجه من إطلاق لقوانين السوق وانسحاب الدولة من دورها التنموي الاقتصادي ومن دورها الاجتماعي، وبما ينتجه من تضخم وبطالة وتطرف وعنف وإرهاب، وطرح في مواجهة تلك السياسات حزمة من السياسات التي تقوم على التنمية الاقتصادية والاجتماعية وإعادة توزيع الثروة لمواجهة الفقر والجهل والمرض وبناء قواعد العدالة الاجتماعية. مأثرته الكبرى: لكن مأثرة خالد محيي الدين الكبرى – ومآثره كثيرة – ليست فقط ما هو مشهور عنه بأنه فارس الديموقراطية، وهو كذلك، فقد تمسك بالديموقراطية وهو في السلطة، وكان يمكنه الصمت حفاظاً على موقعه فوق كراسي الحكم، وتمسك بالديموقراطية وهو رئيساً لحزب التجمع وآثر أن يؤسس ويطبق على نفسه المادة الثامنة التي تمنع أي قيادي الاستمرار في موقعه لأكثر من دورتين متتاليتين، وطبقها على نفسه، وأصبح عضواً بالحزب – بمرتبة مؤسس وزعيم ورئيس للمجلس الاستشاري – يحضر الاجتماعات الحزبية تحت رئاسة رئيس غيره، ويطلب الكلمة للحديث مثل أي عضو أخر. إن المأثرة الكبرى لخالد محيي الدين تتمثل في أنه أسس لطريقة في العمل السياسي – معارضاً أو مؤيداً – تجمع بين القيم السياسية الرفيعة والمواقف الحاسمة، فلم يعرف عنه أبداً إلا استخدامه للألفاظ المنتقاة في معارضته الموضوعية، فلا إستخدام، ولا اقتراب أو (ولع) باستخدام، ألفاظ حادة أو جارحة أو مهينة، ولا ولع باستخدام تعبيرات (التخوين والتكفير) مهما كانت حدة الموقف، ولا معارضة للمعارضة أو لأسباب شخصية، ولا شخصنة للخلاف في الرأي، وحين يعلن أنه يعارض رأياً أو يعارض سياساتٍ وإجراءاتٍ حكومية، وقد فعلها بصورة شبه يومية في البرلمان ومؤتمرات واجتماعات الحزب وصحفه، فلا يعلنها باعتبارها خصومة له مع أشخاص أياً كان موقعهم، فقد كان يهتم بمعارضة أو رفض الموضوع، ويهمه أكثر كسب مؤيدين لهذا الرأي لا مجرد تسجيل موقف، ويهتم في كل معارضته بأهمية طرح البديل. شخصيته التجمعية: تلك بالطبع مآثر كبرى للراحل الكبير، لكن خالد محيي الدين بشخصيته الأثرة خبراته الحياتية والسياسية، وعلاقاته بقامات وزعامات القوى التقدمية واليسارية من مدارس و منابع فكرية متنوعة، لكنها منشغلة معاً – رغم تنوع وتعدد المنابع – بعدة قضايا مصيرية كبرى، قضايا العدل الاجتماعي والديمقراطية والتطور الثقافي والتحرر السياسي والاستقلال الوطني، قدم مأثرته الكبرى، حيث قام بمشاوراته لبناء حزب اليسار العلني، قام – مع كوكبة من زملائه – ببناء و تأسيس حزب تقدمي من طراز جديد، هو حزب التجمع، ولا يجادل أحد في أن خالد محيي الدين هو مؤسسه، لكن الجديد هنا هو أن القائد ظل منشغلاً بتأسيس نموذج حزبي جديد، حزب تقدمي من طراز جديد، حزب لا ينطلق من منبع فكري أيديولوجي واحد، ولا يبنى من فصيل سياسي واحد، بل يتكون من فصائل وطنية وتقدمية متنوعة في منابعها الفكرية والإيديولوجية، تتجمع وتتعاقد، وتتفق وتتوافق على رؤية عامة، تتجسد في الخطوط الأساسية للبرنامج العام والبرنامج السياسي في توجهاته الوطنية والديمقراطية والاجتماعية والتنموية والثقافية. وتمكن خالد محيي الدين بشخصيته الآثرة، وخصائصه القيادية، وانطلاقاً من هذا التوجه، من حشد طاقات جبارة وهيئات سياسية ونقابية عمالية وفلاحية ومن فئات الطبقة الوسطى المهنية، التي ظلت هي الزاد الأساسي لمواجهة الأعاصير التي أحاطت بحزب التجمع في المراحل السياسية المتعددة. إن النموذج الذي قدمه خالد محيي الدين لحزب من طراز جديد، لم يعد ملكاً لحزب التجمع وحده، بل لكل قوى التقدم والاشتراكية والتحرر الوطني، وبالفعل تكررت تجربة حزب التجمع كحزب من منابع فكرية متنوعة في عدد كبير من بلدان العالم. وسيظل خالد محيي الدين نموذجاً يحتذى، ورمزاً تفتخر به القوى الوطنية والتقدمية وكل فئات الأمة المصرية والعربية، وستبقى معنا أفكاره وسيرته العطرة و كتاباته الفكرية والسياسية ومن أهمها: والآن أتكلم، ومستقبل الديمقراطية في مصر، والاشتراكية والدين، وسيظل يذكره كل من زامله أو عمل معه أو تتلمذ على يديه، في الحزب وفي جريدة المساء ومؤسسة أخبار اليوم ونقابة الصحفيين، وكذلك كل من تسمى باسمه، سوف يظل معتزاً ومتفاخراً بأن والده قد سماه خالداً، على اسم خالد محيي الدين.