برحيل خالد محيي الدين فقدت الحركة الوطنية المصري والعربية وقوى التقدم والسلام فى العالم، رمزاً من رموز النضال الوطني والديمقراطي من أجل الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، فالراحل الكبير انضم منذ شبابه لكتيبة الضباط الأحرار الذين قادوا ثورة يوليو 52 للتخلص من تحالف الاحتلال الأجنبي والملك والإقطاع، كتحالف للفساد والاستغلال الاجتماعي الذي ترك مصر تحت ثلاثية الفقر والجهل والمرض، ومنع إمكانات تحررها وتقدمها، وكان الراحل الكبير على الرغم من انتمائه لعائلة من الفئات الغنية من ملاك الأرض؛ لكنه انتمى فكرياً لطموحات العدل الاجتماعي فصار مدافعاً صادقاً عن حقوق العمال والفلاحين وأبنائهم فى العمل والتعليم والعلاج والترقي الاجتماعي. دمج الراحل الكبير خالد محيي الدين دائماً فى فكره ونضاله بين ضرورات التحرر الوطني واستقلال الإرادة الوطنية وضرورات التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، فكان مناضلا صلباً – أياً كان موقعه فى السلطة أو خارجها – ضد مؤامرات الاستعمار والصهيونية، ومن هذا المنطلق رفض بصلابة زيارة السادات القدس وما ترتب عليها من اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة السلام مفرقاً بين السلام ومتطلباته وادوات تحقيقه والحلول الانفرادية التي اعتبرها فى حينها دعوة للحرب والانفراد بكل دولة عربية على حدة وليست دعوة للسلام. ودمج الراحل الكبير بين رفضه للعدوان الخارجي على مصر والوطن العربي ورفضه للاستغلال وبرامج التمييز الاجتماعي والتفاوت فى توزيع الدخل القومي والثروة القومية داخلياً، ومن هذا المنطلق رفض سياسات الانفتاح الاقتصادي – ليس لأنه فقط انفتاح سداح مداح – بل لأنه كذلك إعادة إنتاج للفئات الطفيلية التى تثرى على حساب أغلبية الفئات والقوى الاجتماعية، بما ينتجه من إطلاق لقوانين السوق وانسحاب الدولة من دورها التنموي الاقتصادي ومن دورها الاجتماعي، وبما ينتجه من تضخم وبطالة وتطرف وعنف وإرهاب، وطرح فى مواجهة تلك السياسات حزمة من السياسات التي تقوم على التنمية الاقتصادية والاجتماعية وإعادة توزيع الثروة وبناء قواعد العدالة الاجتماعية. لكن مأثرة خالد محيي الدين الكبرى – ومأثره كثيرة – ليست فقط ما هو مشهور عنه بانه فارس الديمقراطية، وهو كذلك، فقد تمسك بالديمقراطية وهو فى السلطة، وكان يمكنه الصمت حفاظاً على موقعه فوق كراسي الحكم، وتمسك بالديمقراطية وهو رئيساً لحزب التجمع وآثر أن يؤسس ويطبق على نفسه المادة الثامنة التي تمنع أي قيادي الاستمرار فى موقعه لأكثر من دورتين متتاليتين، وطبقها على نفسه، وأصبح عضواً بالحزب – بمرتبة مؤسس وزعيم ورئيس للمجلس الاستشاري – يحضر الاجتماعات الحزبية تحت رئاسة رئيس غيره، ويطلب الكلمة للحديث مثل أي عضو أخر. إن المأثرة الكبرى لخالد محيي الدين أنه أسس لطريقة فى العمل السياسي – معارضاً أو مؤيدا – تجمع بين القيم السياسية الرفيعة والمواقف الحاسمة، فلم يعرف عنه أبداً إلا استخدامه للألفاظ المنتقاة فى معارضته الموضوعية، فلا استخدام لألفاظ حادة او جارحة أو مهينة مهما كانت حدة الموقف، ولا معارضة لأسباب شخصية، ولا شخصنة للخلاف فى الرأي، فقد يعلن انه يعارض رأي ويعارض سياسات وإجراءت حكومية، فلا خصومة له مع أشخاص أياً كان موقعهم، فقد كان يهتم بمعارضة أو رفض الموضوع، ويهمه أكثر كسب مؤيدين لهذا الرأي لا مجرد تسجيل موقف. هذه بالطبع ماثرة كبرى، لكن خالد محيي الدين بشخصيته الأثرة وعلاقاته بقامات وزعامات القوى التقدمية واليسارية من مدارس فكرية متنوعة، تجتمع على قضايا العدل الاجتماعي والديموقراطية والتحرر والاستقال الوطني، قدم مأثرته الكبرى فى بناء وتايس حزب تقدمي من طراز جديد، هو حزب التجمع، والراحل الكبير لا يجادل أحد فى انه مؤسسه، فقد تمكن خالد محيي الدين من تاسيس نموذج جديد لحزب تقدمي من طراز جديد، حزب لا ينطلق من منبع فكري واحد، بل يتكون من فصائل وطنية وتقدمية متنوعة فى منابعها الفكرية والإيديولوجية، ويجمع بينها البرنامج العام والبرنامج السياسي فى توجهاته الوطنية والديمقراطية والاجتماعية، وتمكن خالد محيي الدين انطلاقاً من هذا التوجه من حشد طاقات جبارة وهيئات سياسية ونقابية عمالية وفلاحية ومن فئات الطبقة الوسطى ظلت هي الزاد الأساسي لمواجهة الأعاصير التي أحاطت بحزب التجمع فى المراحل السياسية المتعددة. وسيظل خالد محيي الدين نموذجاً يحتذى، ورمزاً تفتخر به القوى الوطنية والتقدمية وكل فئات الأمة المصرية والعربية، وستبقى معنا أفكاره وسيرته العطرة وكتاباته الفكرية والسياسية ومن اهمها : والآن اتكلم، ومستقبل الديمقراطية فى مصر، والاشتراكية والدين، وسيظل يذكره كل من زامله او عمل معه فى الحزب وفى جريدة المساء ومؤسسة اخبار اليوم ونقابة الصحفيين، وكل من تسمى باسمه سوف يظل معتزاً ومتفاخراً بأن والده قد سماه خالد، على اسم خالد محيي الدين. ولن نبالغ إذا استعرنا أبيات صلاح جاهين وقلنا: على اسم خالد، التاريخ يقدر يقول ما شاء. محمد فرج