منذ أن أعلن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين عن توصل العلماء الروس للقاح مضاد لفيروس كورونا أو كوفيد 19، وإطلاق اسم سبوتنك عليه فى إشارة إلى أول قمر صناعى روسى سبق به الاتحاد السوفيتى فى حينه الأمريكيين، شمرت وسائل الإعلام الغربية عن ساعديها ولم تدخر جهداً فى محاولة للتشكيك فى قدرة اللقاح على وقف الجائحة التى تجتاح العالم، وانطلقت حرب إعلامية مضادة من الغرب للقاح الروسى تشكك فى قدرته على وقف الجائحة. الغرب بلا شك يحاول بقدر المستطاع الفوز بأكبر قطعة من كعكة سوق اللقاحات حول العالم، بعد اللقاح الروسى ظهرت لقاحات أمريكية عدة منها فايزر ومودرنا ووجونسون، وعلى الجانب الآخر من الأطلسى ظهر لقاح أسترازينيكا البريطانى السويدى. كل اللقاحات التى ظهرت بعد سبوتنك لديها مشاكل إن لم يكن فى التخزين مثل فايزر ومودرنا، التى تحفظ تحت درجة حرارة منخفضة جداً ناقص 70 وناقص 20 على التوالى مما يضيف إلى المشترى أعباء الحفظ والتخزين فى ظروف ملائمة، خاصة فى دول العالم الثالث الفقيرة، بالإضافة إلى مشكلة الأعراض الجانبية للقاح أسترازينيكا والتى جعلت الدول الأوروبية توقف استخدام اللقاح البريطانى لفترة فى ذروة الموجة الثالثة للوباء، وأستطيع القول بأنهم ما كانوا ليتراجعوا عن وقف اللقاح إلا خوفاً من اكتساح اللقاح الروسى للسوق الأوروبية. هناك اللقاحات الصينية وهى كثيرة والأشهر منها سينوفارم وسينوفاك، لكنها لم تواجه بأى حملات تقريباً، باستثناء عدم الشفافية فى الصين وأن أى من الدوريات العلمية لم تنشر أى شئ عن اللقاحات الصينية، وتستخدم تركيا لقاح صينى هو سينوفاك، كما أن الصين نفسها تستخدمها وبنجاح على أراضيها ولم يسمع أحد عن أى مشاكل سببتها هذه اللقاحات، ورغم إحجام الصين عن الدخول فى الحرب الدائرة، إلا أنها لم تقل كلمتها النهائية بعد. اللقاح البريطانى عاد للاستخدام فى عموم أوروبا إلى جانب اللقاحات الأمريكية فى حين دول مثل صربيا والمجر وسان مارينو فى أوروبا فضلت اللقاح الروسى مما جعله يحظى بتقدير واسع فى أوروبا، خاصة بعد أن أبدت المانيا عن رغبتها لسد العجز فى اللقاحات لديها بالسعى لاستيراد لقاح سبوتنك فى الروسى. كان من الواضح أن الغرب وبسبب الحرب الباردة على الصعيد السياسى، يدخل فى جبهة موحدة ومتضامنة ضد اللقاح الروسى "سبوتنك فى"، ومن الواضح أن فايزر تريد احتكار سوق اللقاحات فى العالم، خاصة وأنه اللقاح الوحيد الذى أجازته منظمة الصحة العالمية، وكبار المسئولين فى الاتحاد الأوروبى، رغم سريان إشاعات تشكك فى جودة اللقاح، على أى حال كان هو البداية فى أوروبا وطبعا الولاياتالمتحدة بلد المنشأ أو التصنيع، رئيسة اللجنة الأوروبية فون دير لاين اشترطت أن تتم الموافقة على اللقاح من المؤسسات الأوروبية المختصة أولاً قبل الاستخدام. فى إطار حرب اللقاحات أشارت بعض البيانات الإسرائيلية إلى أن 12,4 الف مواطن إسرائيلى تم تلقيحهم بهذا اللقاح (فايزر) وأصيبوا بالمرض وفق بروفيسور إسرائيلى هو نخمان آش، رغم أن 69 منهم تلقوا الجرعتين. العلماء الصينيون بدورهم حذروا من خطورة استخدام لقاح فايزر للمواطنين من كبار السن، وكما نعرف الصين لاعبا كبيرا وأساسيا فى مسألة إنتاح اللقاحات خاصة أن الجائحة بدأت من الصين. وضمن أساليب الهجوم علىى فايزر ما قاله أحد رؤساء الشركة المنتجة للقاح الروسى وهو سيرجى شولياك قال فيه إن الشركة الأمريكية لم تفصح حتى الآن عن طريقة إنتاج اللقاح، وأنه له آثار جانبية كثيرة لم تفصح عنها الشركة المنتجة وطبعا مسألة الحفظ فى درجة حرارة ناقص 70 جعلت من حفظ اللقاح معضلة ومكلفة للدول الفقيرة فى أفريقيا. ثم جاء لقاح أكسفورد أسترازينيكا البريطانى السويدى، وكان من المفترض أن يكتسح أوروبا فالمنتج ذو سمعة طيبة جامعة أكسفورد، وثانيا المنتج أوروبى وبالتأكيد سيكون المفضل للأوروبيين وسيكون منافسا قويا للقاحى فايزر ومودرنا الأمريكيين، على الأقل من حيث السعر الذى لا يتجاوز 3 4 دولار، بينما فايزر وصل سعره 19,5 ومودرنا 32 37 دولار للجرعة، غير أن الاشتباه فى وجود آثار جانبية للقاح الأوروبى أدت لوفاة بعض من تلقوه نسفت الغلبة التى كان يتمتع بها أسترازينيكا، وتحاول المؤسسات الطبية والأوروبية تجاوز حملة التشكيك التى تعرض لها اللقاح. كل هذا يأتى فى الوقت الذى يتحرك فيه اللقاح سبوتنك فى بهدوء فى الأوساط الأوروبية، فاستخدمته المجر وصربيا ومان مارينو، بالإضافة إلى إسبانيا التى أعلنت أنها قد تكون أكبر منتح للقاح الروسى، هذا بالإضافة إلى إجازته فى عدد من الدول العربية والأفريقية، منها تونس والجزائر ومصر. وطبعاً هنا لا يجب إغفال اللقاحات الصينية الزاحفة بهدوء إلى دول آسيا وأفريقيا. بعض وسائل الإعلام اتهمت بعض الزعماء فى العالم بالدعاية لهذا اللقاح أو ذاك، وهو الأمر الذى رفضه الرئيس بوتين عندما قال إنه لن يقلد تقليدا أعمى وأنه أخذ اللقاح الروسى الجرعة الأولى، وحث مواطنيه على تلقى اللقاح. لقاح سبوتنك حتى الآن لم تظهر له آثار جانبية لكل من تلقاه وأتصور أن روسيا التى لم يكن لها باع طويل فى صناعة اللقاحات، وضعت الآن نفسها وبقوة فى هذا المضمار وأصبحت من الدول الكبرى المنافسة فيه مع دول كبيرة مثل فرنساوالولاياتالمتحدة وبريطانيا وفى مجال طبى وإنسانى وليس فى مجال السلاح فقط. تشير الأنباء القادمة من موسكو إلى أن روسيا عاكفة الآن على تطوير لقاح كوفيد 19 للوقاية من التحورات التى قد تنشأ على هذا الفيروس فى المستقبل القريب والبعيد. الآن ورغم اشتداد المعارك الإعلامية والتجاذب والتنافس على مناطق نفوذ توزيع اللقاحات، إلا أنه على دول العالم التفرغ أكثر من التنافس على القضاء على هذه الجائحة التى أحدثت خسائر جسيمة للاقتصاد العالمى وأدت بلا شك إلى إفقار عديد دول العالم سيكون عليها الاجتهاد لتحسين أوضاعها الاقتصادية من جديد، وعلى الدول المنتجة للقاحات التحلى بالإنسانية والروح الرياضية فى التنافس لأن القضية الحالية إنسانية ومن أجل حياة الشعوب وليست للحروب، ولا بأس من أن تتعاون الدول فى انتاج لقاحات مشتركة. لكن على مايبدو أن الحرب الباردة على الصعيد السياسى ومناطق النفوذ بين روسياوالصين من ناحية ودول الغرب من الناحية الأخرى، قد انعكست بلا شك على سخونة الحرب الدائرة على مناطق دخول لقاح هذا الفريق أو ذاك والضحية فى هذا الأمر هى شعوب العالم الفقيرة التى تعانى من الجائحة وتجد نفسها فى موقف يجب أن تنحاز فيها لهذا الفريق أو ذاك، على أى حال سنرى إلى ما ستنتهى إليه هذه المنافسة الشرسة، وأن كنت أتوقع بعد فترة من الزمن ستباع هذه اللقاحات مثل لقاحات الإنفلونزا فى الصيدليات بحرّية، وربما يقوم المواطنون بتطعيم أنفسهم بها بشكل دورى أو سنوى وهكذا مثل ما يحدث مع الإنفلونزا….. لننتظر.