جابر عصفور: أهمية السد تتجسد في رمزية الذات الوطنية حسن طلب: نحتاج إلي مشروعات كبرى تغير الإنسان يوسف القعيد:لابد من وجود عمل فني يسجل معاناة ناصر في بناء السد محمد أبو العلا السلاموني:عبد الناصر كان زعيما عالميا قولنا حنبني وأدي أحنا بنينا السد العالي مطلع أغنية عبد الحليم حافظ الرائعة التي عبرت عن فرحة الشعب بجميع طوائفه بتحقيق الأمل، ولكن هل تكفي أغنية أو عدة قصائد لتعبر عن هذا الحدث العظيم المتفرد في خلفياته ومجريات حدوثه أين " الفن والأدب" من تسجيل هذا الحدث؟ ولماذا لا توجد أعمال فنية درامية تشرح للأجيال معاناة جمال عبد الناصر لحظة بلحظة حتي تجسد السد كيانا عظيما علي أرض الواقع ! أكد دكتور جابر عصفور الكاتب والمفكر الكبير ووزير الثقافة الأسبق أن السد العالي أخذ ما يستحقه علي جميع الأصعدة فهو عبارة عن ملحمة نضال الشعب المصري من أجل المستقبل بزعامة عبد الناصر بدليل إنه ليس هناك مشروع تم تأليف أغان خصيصًا له مثل السد العالي، وليس هناك مشروع له تأثير ومازال باقيا في مجالات مختلفة غير السد العالي، فمثلاً سافر المهندس "باقي زكي يوسف" بعثة مع خمسة من زملائه إلي ألمانيا لكي يتعلموا "تكنولوجيا الخراطيم" التي تذيب التراب وبالفعل استخدمت هذه التقنية في تذويب مناطق التراب حتي يبنوا علي أساسها السد، وهي نفس التقنية التي استخدمت في عبور قناة السويس، واستخدمت ايضًا في هدم حائط بارليف فهو لم ينهر بالضرب الناري ولكن بتقنية الاذابة، ويكفي أن السد العالي مازال موجودا بإعتباره أثرا عظيما لا يُنسي، ويتضمن أيضًا بجانب عظمته كمشروع أنه به قدر من الأهمية التي تتجسد في رمزية الذات الوطنية عندما تزداد وعيًا بقدراتها فتقرر أن تبني شيئا جديدا جداً بلغة زمانها. وأضاف عصفور قائلاً: رمزية السد تتجسد ايضًا عندما يرفض الاستعمار التمويل فنقول له "في ستين داهية" وننفذ المشروع من خلال جهة أخري ساعدتنا، وهذا سيظل صفحة مضيئة بالتأكيد في تاريخ العلاقات المصرية الروسية، لأن بدون شك بقدر ما أمريكا ضرتنا بقدر ما الروس نفعونا، وهذا ما يجعلني أستغرب فمن فترة وجيزة قرأت أكثر من رواية وكتاب عن تاريخ ثورة يوليو من بينها رواية وثائقية لإبراهيم عيسي بعنوان "كل الشهور" تكلم فيه عن العلاقة التي تربطنا بأمريكا نقلاً عن وثائق فالرواية كلها توثيق، يقول إبراهيم عيسي إن عبد الناصر عبقري وشديد الذكاء.. إلخ، وأنتهازي جداً.. إلخ، وإنه لم يتحرك حركة في سبيل قلب نظام الحكم، إلا بعدما أطمئن من "علي صبري" إنه تفاهم مع السفير الأمريكي وأن السفارة الأمريكية أعطتهم ضوء أخضر بالتنفيذ، ولهذا ستظل مسألة السد العالي رمز متعدد الأبعاد فكيف من كان معك في كل شيء يرفض السد العالي؟ طبعاً قد يكونوا بدأوا يخافوا مننا بعدما أصبحنا قوة تسعي إلي العدالة وتدخل في الاشتراكية، فدخلنا في هذه المعارك المتعلقة بالسد ولكن لا أحد يستطيع أن يقول إن السد العالي ليس مشروعا عظيما. "الوعي الجماعي" وأضاف عصفور قائلاً: الناس غضبت عندما قيل إنه سيتم تصفية شركة الحديد والصلب، فالناس لم تزعل عقليا ولكن زعلت وجدانيا، لأن الحديد والصلب هي رمز مخزون في الذاكرة الثقافية وهناك من يقول إن السد العالي أصبح خردة فمن الذي تركه ليصبح خردة حاكموه في أي عصر وفي أي زمان حاكموه، فالحديد والصلب هي الرمز الساطع الذي كان يميز مصر وسط منظومة العالم المتخلف، فهذه الأمة مثل البني آدم لذلك نقول هناك وعي فردي ووعي جمعي الأمه لها وعي جمعي وهناك وعي جمعي به أجزاء لها قدسيتها مثل أول حب عندما تأتي سيرته القلب يرفرف، فهناك أشياء في وجدان الأمة لها هذه الخصوصية ومن هنا تأتي أهميتها وهذا مثل السد العالي وشركة الحديد والصلب. وأستطرد عصفور قائلاً: فيما يتعلق بتخليد قصة بناء السد في عمل فني قائلاً: هذه هي أهمية الثقافة، فالثقافة لدينا في الجوانب المادية ليست متقدمة وبالتالي ليس لديها كثير من الأختيارات في تخليد الأشياء، فمثلا الثورة الفرنسية يوجد افلام تخلدها وروايات تخلدها وقصائد تخلدها لأن الثقافة الفرنسية لديها قدرات وأدوات عالية جدا نحن ثقافتنا ليس لديها هذا الغني لذلك كل ما سوف يتبقي من السد العالي هو ذكرياته الشعبية و أغاني عبد الحليم، أنا من أعماقي وأنا من داخلي بي جزء ناصري لا أستطيع أن أنكره فعبد الناصر هو من أتاح لي مجانية وهو الذي عيني في الجامعة فكيف أنكر هذا؟ "المشاريع القومية" وأضاف المبدع الشاعر الكبير دكتور حسن طلب معلقاً علي المقارنة بين الاهتمام المستمر بالسد إعلاميا والتجاهل أو التغافل إن جاز التعبير من قبل المجالات الادبية قائلاً: الأحداث الكبري التي لها طابع مشاريع قومية واقتصادية وما إلي ذلك، ممكن أن لا يكون لها أولوية ثقافية لأن الثقافة قد تنظر إلي ما هو أشمل، وتنتظر النتائج ولا يكون لديها رد الفعل المباشر للوقوف عند كل المشاريع الكبري. فنحن في هذا الإتجاه لدينا تحديات خارجية كبيرة ولدينا تحديات ثقافية، فالثقافة في كل المشاريع الكبري التي تحدث تكون الأولوية شيئا آخر مثل مقاومة التيارات المتشددة أهم كثيراً من السد لديها، لأن الثقافة تحاول أن تنظر إلي الإنسان نفسه. "المعارك الفكرية" وأضاف طلب مفسراً إذا انشأنا السد العالي و التيارات المتشددة موجودة والتفكير مازال غيبيا ومتخلفا وغير علمي فلن تكون الفائدة كبيرة، فالثقافة تذهب إلي ما يكون الإنسان ويجعله قادراً علي أن ينهض ويفكر بصورة توازي هذه المشروعات الكبري، فبجانب المشروعات الكبري علي الأرض نحتاج إلي مشروعات كبري تغير الإنسان وهذا ما تهتم به الثقافة، بالتأكيد السد من المشروعات الضخمة التي لها آثارها الإيجابية اقتصاديا واجتماعيا وحتي سياسيا فعلي سبيل المثال زيادة الرقعة الزراعية توليد الكهرباء كل هذه المشروعات يعود الفضل فيها إلي وجود السد فهو مشروع ضخم من المشروعات الكبري التي تمت في القرن العشرين ولكن الثقافة تنظر إلي الإنسان الذي سيستطيع أن يضيف إلي هذه المشروعات مشروعات أخري، ويستطيع أن يرعي هذه المشروعات ويستثمرها علي النحو الأكمل، فهذا هو الذي تعمل عليه الثقافة فالثقافة تعمل علي العلاقات الإنسانية بين الناس وبعضها والعلاقات التي تصوغ العقل، ولذلك نجد معظم المفكرين الكبار لم يأتوا بسيرة السد نهائي من أول طه حسين حتي زكي نجيب محمود لماذا؟ لأن هناك معارك كبري أخري تضمن أن المستقبل سيكون أفضل من ناحية النهوض بالإنسان، فهؤلاء كانوا يتحدثون في موضوعات تخص العقل والعلم الذي يربي الإنسان علي النقد والتفكير وحرية الإبداع كل هذا هو الأساس ويمكن هو السبب الرئيسي. وأستطرد طلب قائلا: ولكن إذا بحثنا سنجد بعض الأعمال الأدبية بها صدي وتصوير لفترة السد وهناك بعض الأشعار والأبنودي لديه جوابات "حراجي القط" وهي عبارة عن رسائل منه عن السد إلي أهله بيصور فيها معاناة العمال هناك والمهندسين في فترة بناء السد. ولكن الطابع الغالب للثقافة هي معارك فكرية فمثلاً: ممكن أن تكون معركة مثل معركة "علي عبد الرازق" الذي يقول إنه ليس هناك خلافة فهذه معركة كبري في الثقافة وهذه المعركة فُصل بسببها من الأزهر لأن هذه معركة كان لابد أن يكسبها، لأنها كانت ستربطنا بالخلافة العثمانية ويظل مفهوم الخلافة موجودا وستؤثر علي حرية الفكر والابداع ولا يكون هناك فن نهائي. فإذا أهملنا الإنسان هذا التيار المتشدد سيقضي علي الفن والثقافة نفسهم لانه سيحرم التمثيل ويطلب من الممثلات الإعتزال بدعوي التوبة فلن نجد ممثل "كويس" يمثل "شئ حلو" عن السد،لان الإنسان أتخرب فعندما يتخرب عقل الإنسان ويُربط بالغيبيات مثلما يريدون وهكذا، لن نجد فنانين ومبدعين كويسين. "إنسان السد" وفي نفس السياق أضاف القاص والأديب يوسف القعيد قائلاً: في ذلك الوقت كنت فتي صغيرا في قريتي، لكن وقتها بعد التعاون المصري الروسي في بناء السد تم تسفير أدباء وصدرت رواية لصنع الله إبراهيم بعنوان "إنسان السد" وتم عمل فيلمين سينمائيين ، فيلم اخراج يوسف شاهين بعنوان "الناس والنيل" ولكن أنا أري أن الابداع الأدبي والفني كان أقل تجليات في تناول الحدث. وأضاف إن المؤرخين وكتاب السياسة قد قاموا بالفعل في تسجيل معاناة ناصر في خروج السد إلي النور وتحويله من حلم إلي واقع، انما التناول الفني لم يتناول مثل هذه الأمور ممكن سطر أو شيء من هذا القبيل، انما ليس هناك عمل مكرث للمؤامرة الدولية حتي لا يُبني السد العالي وأن لا يتمكن عبد الناصر من عمل أي شيء في مصر بالطبع لايوجد عمل فني يتناول هذه الجزئية. وأستطرد القعيد قائلا بالطبع مهم جداً أن يكون هناك عمل فني يتناول مضمون هذه المعاناة حتي يستوعبها ويعيها الأجيال الأصغر من الشباب وكان سيصبح له قيمة كبيرة إذا تم عمله وقتها ولكن مازال الامكانية متاحة حتي الآن فالباب لم يغلق بعد. "سلح جيش أوطانك" وأضاف الكاتب و المسرحي الكبير محمد أبو العلا السلاموني قائلاً:السد العالي هو رمز لثورة يوليو كلها فأنا شخصيًا نشأت في ظل ثورة يوليو كان عمري حينها احدي عشر عامًا. في هذا السن أنا تشربت الثورة، كانت شعارات الثورة موجودة في المدرسة وخصوصًا أن المدرسة في هذا الوقت كانت تقوم بدور مهم جداً سواء الدور الوطني أو الدور الإجتماعي، وفي نشيد الصباح كنا نغني أغنيات مثل "مصر التي في خاطري" لأم كلثوم لأنها كانت بالمناسبة موجودة في تلك الفترة وأيضا أغنية "علي الدوار" وأغنية "سلح جيش أوطانك وأتبرع لسلاحه" واغنية "تسلم يا غالي" التي غُنيت خصيصًا لعبد الناصر عندما حاول الإخوان اغتياله! وأستطرد السلاموني قائلاً: عبد الناصر كان بطلا ورمزا قوميا لثورة يوليو وللمنطقة. كلها فهو كان زعيما عالميا وليس زعيما محليا. كلنا كنا بنعشقه ورمزه هو السد العالي فهو أعظم إنجاز عمله جمال عبد الناصر فالسد مازال ينقذنا حتي الآن فهو الذي يحمينا من كل مشاكل المياه حتي مشاكل "سد النهضة" وبالتالي السد العالي يعتبر أهم رمز من رموز ثورة يوليو ونحن جميعاً نعتز به. وفيما يتعلق بالقيام بعمل فني يخلد قصة بناء هذا الصرح قال السلاموني: عمل مثل هذا يحتاج امكانيات عالية، واعتقد أن هذا العمل أولي أن يكون فيلما وليس مسلسلا أو مسرحية فهناك مسرحيات كثيرة جدا تكلمت عن السد العالي وأغنيات وكان هناك أعمال فنية كثيرة جداً تكلمت عن السد مجرد كلام لكن لكي نعمل عملا يتكلم عن السد وبنائه نحتاج لفيلم بإمكانيات وقدرات عالية جدا، فمثلا عبور خط بارليف حتي الآن لم نستطع أن نعمل عنه شيئا، رغم انه أهم حدث من أحداث المنطقة في هذه الفترة، لأنه يحتاج لامكانيات مرتفعة، فمثلاً نجد السينما العالمية قامت بتجسيد الحربين العالمية الأولي والثانية في أفلامها ولكن نري أنها نُفذت بإمكانيات مهولة سواء كانت طيارات دبابات مصفحات واساطيل وخلافه كل هذا يحتاج أمكانيات مادية وتكنولوجية ليست متوفرة لدينا، وتحتاج إلي فنيين خبراء علي وعي سينمائي وتقني فني عال بحيث يستطيع أن يعمل معارك، فنحن نستورد دائما خبراء المعارك من الخارج . وأضاف السلامي قائلاً وبناء عليه المتاح حاليًا هو الكتب والروايات الوثائقية وهناك رسائل حراجي القط لعبد الرحمن الأبنودي وفيلم ناصر بامكانياته استطاع أن يقدم جزءا من بداية الحدث وهو تأميم القناة لأن تأميم القناة كان سببا قويا لبناء السد العالي من إمكانياتها، وهناك أيضًا روايات لفتحي غانم وبعض كتاب القصة والرواية. وأخيراً سنظل نتذكر ناصر بكل ما قدمه لمصر بدءا من تأميم القناة بناء السد، حروب الاستنزاف، مساعدة حركات التحرير في أفريقيا ونردد دائما قولنا حنبني وأدي احنا بنينا السد العالي.