_________________ عبود الجابري ( إرتباك ) ________ أسخرُ من الشوق الحارق لأنّ الذين أحبّهم لم يعودوا في متناول القلب أطلقتُ النار على صورهم المعلّقة في زوايا البيت فلم ينطقوا وحين سقيتُ شجيرة الورد سكبتُ عليهم كفايتهم من الماء فما نمَتْ لهم براعم ولمْ يخضرّ عرقٌ واحد في الصّور أحادثهم بشكل يوميّ فلا أحفل بأصواتهم اليابسة من فرط الحنين وربّما من فرط انشغالهم بقلوب أخرى أكثر طراوة من قلبي القديم أسخرُ من تقادم الشوق وطفولة الرغبات ، ذلك ماجعلني أسألُهم عن أشياء كنت أراها كريهة وأماكنَ طمرتُها بترابٍ كثيف فحدّثوني عن الورد اليابس في مزهرية من نحاس قنبلة فارغة وعن الغرباء الذين يطرقون ليالينا بلا مواعيد حتّى انّي سألتُهم عن أبي الذي لم أره إن كان يعود متأخّراً من عمَلهِ كميّتٍ في مقبرة أسخرُ من الشّوق – يطفؤهُ طعامٌ ملفوفٌ بقلبٍ بارد – مغبرّاً كورقٍ يابس تكنسه الأمّهات الحزينات عن أبواب المنازل أسخر من الشوق لعناقِ غيمة ومراودة الأنبياء عن أسرارهم أسخرُ منّي متّشحاً بقمصان قديمة لم يعد يأبهُ بها من خلعوا اشواقَهم ليسبحوا في الرمّال عراة ============ (تمجيد الفحم ) ___________ ليس للأرضِ دورٌ في سيرةِ الفحم فلمْ يكن قلبها أسود ولم تكن تحمل فرشاةً كي تلوّن كلّ من يلوذ بها الفحم شبيهنا جميعاً تحمرُّ وجنتاه، وأذناه عند ملامسة النار ويتقافزُ بعضُ أوجاعهِ في الهواء لكنَّه يستكينُ ويخمدُ كأي كائنٍ ذليل يحزنُه زيفُ البياض عندما يصبحُ رماداً (غرق ) ______ غارقٌ في غموض العائلة غارق في صمتِها في مجاعةٍ تمتدُّ كحبلٍ طويل يلتفُّ بلا نهاية حولَ خواصر أيّامنا غارقٌ في عبوس التراب وسخرية الماء غارقٌ في حزن هواءٍ يصهلُ في جيوبي ويختنقُ في شوارع صدري غارقٌ في ضجر العتمة من ملامح وجهي وسأبقى كذلك مالم يصدر الطّين وآلهةُ الطين توضيحاً عاجلاً للجلبة التي تحدثها سيرة الأواني الفارغة ( قبلَ أنْ يضُمّني كتاب ) __________________ ترى من يفكّر باللّغة أكثر من الأخرس ؟ وهل هناك ضوءٌ أكثر من ذلك الذي يسكنُ عين الأعمى ؟ لقد أسَرنا آلاف السّبايا لكنّنا يالخسارتنا لم نربحْ قلباً واحداً وتسلّقنا جبالاً كثيرة فلم نجدْ من يحني لنا ظهره مثلما تفعلُ نخلةٌ سامقة كتبنا عن الرغيف ولم نحسنْ أن نرسم رائحتَه في بيوتنا وزرعْنا ورداً غزيراً في الحواكير وحين شاخت القصائد لم نقطفْ سوى صفرةِ الورق لا جدوى من اللّغة إذنْ لا جدوى من الصّفير في الليالي الموحشة لا جدوى من قراءة الألواح حين تهتريء عيون الحروف القديمة لا جدوى من ترتيب البيت من أجل الموسيقى الجنائزيّة ولذلك علينا أن نخطىءَ بشغفٍ كي نعتذر عما لم ندركْ من خيانتنا للضّوء النائم منذ أزلٍ بعيد في أسرّةِ اللّغة الخائفة