منذ قديم الأزل والمسرح يلقب بأبو الفنون قد يكون السبب في هذه التسمية هو توقيت ظهوره حيث يعد من أقدم أشكال الفنون،وقد يكون أقدمها بالفعل. وربما ترجع هذه التسمية إلي شمولية عناصره فالمسرح يجمع بين الصوت والصورة والألوان والحركة والإضاءة والموسيقي ويجمع بين العناصر البشرية وغير البشرية، وقد تكون هذه التسمية جاءت من تعدد وظائفه فالمسرح له عدة وظائف نفسية ووجدانية، لذا يلجأ إليه الجمهور عندما يحتاج إلي ملهاة الكوميديا، أو محاكاة التراجيديا ليرفع عن كاهله نير ضغوط الحياة اليومية ، لذا ليس من الغريب أو المدهش إقبال الجماهير علي مسارح الدولة رغم استمرار أزمة كورونا وهناك أسباب أخري يحدثنا عنها المتخصصون في المسرح. أكد الكاتب المسرحي محمد أبو العلا السلاموني علي أنه من الطبيعي وفق الظروف التي نعيش فيها بسبب أزمة كورونا وبعد التوقف لفترة من الزمن أن يحدث شيء من كثافة الإقبال علي المسرح لكن هذه الكثافة سوف تقل مع الوقت في حدود المتاح والمقبول، وفي اعتقادي أن هذه الكثافة لن تكون دائمة لأن حالياً يوجد تعطش نتيجة التوقف فيحدث في الدفقة الأولي زيادة في الكثافة. وأشار السلاموني إلي أن رغم وجود الدراما علي المنصات الإليكترونية إلا أن المسرح له "طَعم" خاص مُختلف، فالمسرح يتميز بتواجد الجمهور داخل صالته مثل السينما، فهناك فرق بين أن الجمهور يشاهد فيلما سينمائيا في التلفزيون، وبين مُشاهدة الفيلم في دار السينما، فالتواجد الجماعي له مذاق خاص، وبالتالي المسرح سيظل موجودا إلي الأبد ولن يتوقف مهما ظهرت وسائل متعددة من وسائط العرض سواء سينما أو غيرها، فالمسرح يتسم بتواجد الناس مع بعض في الرؤية وهذه طبيعة انسانية موجودة منذ البداية، منذ كنا نتفرج علي الأراجوز وعلي خيال الظل وعلي الحاوي. وأضاف السلاموني قائلاً: تجمع الناس نفسه له ظروف خاصة تؤدي إلي الشعور الجماعي بالتوحد مع الآخرين والتعاطف وهذه نزعة إنسانية طيبة ويجب أن نشجعها بدلاً من أن نقول كل شخص يجلس بمفرده في بيته بعيدا عن الآخرين. وحول انخفاض سعر تذاكر مسارح القطاع العام قال السلاموني إن الأسعار تعد في حدود المعقول. الهواء الطلق وفي نفس السياق قال المخرج المسرحي أحمد السيد رغم أن كل ما يعرض حالياً إنتاج قديم ولكن فكرة عودة جذب المسرح للجمهور مرة أخري فكرة عظيمة، ولكن تطبيق نسبة الحضور25% في الهواء الطلق مع عودة النشاط المسرحي والغنائي والثقافي في الأوبرا، وهذه النسبة تطبق في مسارح الثقافة الجماهيرية والأماكن المغلقة أيضاً، فهذا يُعد ظلما، فلا يجب أن تتساوي النسبة في الأماكن المفتوحة والمغلقة علي حد سواء حيث يمكن زيادة النسبة قليلاً في المسارح المفتوحة، ويظل تطبيق نسبة ال25% داخل الأماكن المغلقة فقط مع تطبيق الاجراءات الاحترازية . وأكد السيد علي أن الإقبال علي المسرح يعود إلي اشتياق الجمهور للخروج والبعد عن المنصات الإليكترونية التي سيطرت علي عقول أفراد العائلة، فكل فرد أصبح يتفاعل معها من خلال وسيط ما سواء شاشة تليفزيون أو محمول أو كمبيوتر، ولهذا قرروا الخروج إلي الحياة الحقيقية من خلال الاتصال والمشاهدة المباشرة للعروض سواء كانت حفلات فنية أو حفلات مسرحية وغنائية. فيما يتعلق بموضوع الفنون، فأزمة كورونا تسببت في نوع من أنواع الكبت بسبب عدم الاتصال المباشر، حتي الأفراح تم منعها، لذلك عندما فُتحت المسارح حدث إقبال يتسم بالشغف بسبب الحرمان الموجود لدي الجمهور، ولهذا كان يجب أن يواكب هذه الحالة نشاطات أكثر من ذلك عشر مرات، لكن نحن لدينا مشكلة حيث إننا نعمل بربع الميزانية ونريد أن نقدم نشاطات تتكلف ضعف الميزانية، فلا يوجد ثقة في أن المجال الفني يستطيع أن يعيد صياغة حياة الإنسان، في دول أوروبا مثل ألمانيا عادت النشاطات الفنية أولاً قبل عودة العمل في المصانع، وذلك حتي يشعر المواطن بإنسانيته أكثر، وبالتالي صرفوا علي مجال الفنون بسخاء .لأن هدفهم هو شعور المواطن بإنسانيته وبعودة دورة الحياة مرة أخري بدل الخوف الذي يسيطر عليهم بسبب كورونا.فالأبعاد النفسية لشغف الناس إلي المسرح أهم من الأبعاد المادية. وأكد السيد علي أن عودة المسرح ليس الهدف منها ماديا سواء في القطاع العام أو الخاص فمسرحية " السندباد" لأحمد عز تم عرضها أول ثلاث ليالي بربع الجمهور ومجاناً لأبطال القوات المسلحة، وهذا يعد إنجازا بالنسبة للقطاع الخاص . لأن هذه الرواية "فورمات" تم شراؤها من أوروبا الخاصة ببرودواي وعلاء الدين، فهذه وجهة نظر مختلفة تماماً عن الحكومة، كما أن الثقافة الجماهيرية تقدم عروضا مجانية بدون تذاكر وبالتالي يكون عليها إقبال. صناعة المسرح وأضاف السيد قائلاً كان يجب أن ننتبه إلي أن المسارح هي المنفس الوحيد حاليا لكي أجعل المواطن يشعر بطبيعة الحياة مرة أخري.ولكن لابد من الدعم بمعني مواكبة منطق الدعم فمثلاً البيت الفني للمسرح لديه مشروع إستخراج كارنية تشاهد بواسطته كل عروض البيت الفني طوال العام مقابل خمسون جنيهاً ومع ذلك معظم الشعب المصري لا يعرف شيئاً عن هذا المشروع. ومع ذلك هذا المشروع إذا أشترك فيه مليون مشاهد سيدر دخل 50 مليون جنيه في العام يمكنك من دعم الإنتاج المسرحي بشكل جيد جداً، ولكن نحن للأسف نخطو خطوة للأمام وعشرة إلي الخلف، فنحن نريد عودة جمهور المسرح، ولكن نقدم له عروضا قديمة وحتي العروض الجديدة أنتجت من خلال ما يسمي "المسرح أون لاين" وهذه العروض تحقق مشاهدات قليلة تتراوح ما بين ألفين وثلاثة عند مقارنتها بجمهور المسرح خلال 15 يوماً سنجدها معقولة وعدد زوار نشاطات وزارة الثقافة علي الانترنت وصل إلي 15 مليون مشاهد. وهذا يدل علي أن الشعب المصري لديه شغف بالثقافة والفن وهناك مبادرة مسرحية تسمي فكر أضحك من خلالها يمكن عقد ندوة بعد العرض المسرحي يتحدث فيها شخص مثل جلال الشرقاوي ففي خلال ثلث ساعة تشاهد المسرحية وأيضا تستمتع بالندوة التي يتحدث فيها شخص متخصص عن العمل ويقوم بتحليله وهذه المبادرات قيمة جداً التعطش للمسرح وفي نفس السياق يقول الناقد المسرحي وليد الزرقاني: هناك سببان لعودة المسرح بقوة وإقبال الجمهور عليه أولاً الحظر في بداية ظهور فيروس كورونا و المكوث في البيوت وعدم الحركة، ولهذا أول مافتح المسرح الناس كلها سواء الفنانون أو الجمهور كان لديهم عطش شديد جداً سواء للتمثيل أو للمشاهدة خصوصاً الناس المرتبطة بالثقافة مثل المثقفين، وكذلك الجمهور الذي يتابع المسرح بشكل دوري. وهناك سبب آخر مهم وهو مسرح "مصر" الذي أنشأه النجم "أشرف عبد الباقي" منذ عدة سنوات، سواء اتفقنا أو اختلفنا علي المحتوي الذي يقدمه، ولكن جميعاً نتفق علي أن أشرف عبد الباقي استطاع هو وفرقته إعادة الجمهور العادي و البسيط مرة أخري إلي المسرح. بعد ذلك أصبح قطاع كبير جداً من جمهور الاباء والشباب يرتاد المسارح سواء الخاصة أو العامة فور سماعهم أن هناك مسرحية جيدة يتم ُعرضها، وبناء عليه أصبحت مسارح الدولة قبلة للشباب والعائلات وكذلك المسارح الخاصة. واستطرد الزرقاني قائلاً: قبل ذلك هناك فترة اتسمت بأنها عندما تعرض مسرحية جديدة كان الجمهور المشاهد لها أما من المثقفين أو الصحفيين أو النقاد أو فنانين يجاملون زملاءهم. وتعد وزارة الثقافة أيضاً من أهم الأسباب التي حققت للمسرح إنتعاشة كبري،حيثُ أصبحت تُعطي اهتماما أكبر للمسرح سواء من خلال وزيرة الثقافة، أو من خلال رئيس البيت الفني للمسرح أو رئيس البيت الفني للفنون الشعبية وهذا واضح من خلال السنوات الماضية وليس خلال فترة الكورونا فقط كما أن وزارة الثقافة في فترة الكورونا قامت بمبادرة قوية جداً حيث وضعت بعض المسرحيات القديمة التي تم عرضها من قبل ومعها مسرحيات جديدة علي المنصة الإليكترونية الخاصة بوزارة الثقافة فالناس التي فاتها مشاهد بعض المسرحيات أصبحت تشاهدها علي قناة اليوتيوب، وكذلك مشاهدة المسرحيات الجديدة التي أنتجت حديثاً ومن هنا أصبح لدي الجمهور شغف أكثر للمسرح.وبالفعل أصبح هناك نهضة وحركة قوية جداً في المسرح. الدعاية القوية واستطرد الزرقاني قائلاً: يجب ألا ننسي دور الدعاية الإعلانية فالدعاية لم تكن قوية في الماضي مثل الوقت الحالي في ظل انتشار مواقع التواصل الإجتماعي، والمنصات الإليكترونية التي لم تكن موجودة حيث كانت الدعاية الإعلانية ترتكز فقط علي الإعلانات سواء التلفزيونية أو الصحفية، وكانت علي نطاق ضيق بسبب ارتفاع التكاليف، لكن حالياً يهتم القطاع العام والخاص بفكرة الإعلان من خلال مواقع التواصل الاجتماعي و عن طريق وضع " بوسترات المسرحيات" في محطات المترو وعلي أتوبيسات النقل العام الموضوع أصبح مختلفا وبدأت الناس تعرف أماكن وأسعار التذاكر. وهذه الإعلانات أفادت قطاعا عريضا من الجمهور الذي كان لايذهب إلي المسرح اعتقاداً منه أن تذكرة المسرح باهظة الثمن،فالدعاية التي قامت بها وزارة الثقافة علي مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك مسارح القطاع العام والخاص جعلت الجمهور علي دراية بأسعار التذاكر المخفضة والمدعومة. وهذا شجع الجمهور علي ارتياد المسرح، فبمبلغ عشرون جنيها يستطيع المواطن أن يشاهد مسرحية جيدة علي المسرح القومي، أو مشاهدة مسرحية تدور حول فكرة قوية وجديدة، وإخراج مخرج كبير، وكتبها مؤلف معروف ويؤديها نجوم مشهورون ومحبوبون،علي مسرح مثل الطليعة بمبلغ عشرة جنيهات فقط. فمثلاً المسرح القومي كان يعرض مسرحية للفنان "سامح حسين" الذي يحبه الجمهور كباراً وصغاراً فبعد نشر الإعلان الذي يحتوي صورة علي مواقع التواصل الأجتماعي، ووجد الجمهور أن سعر تذكرة المسرح القومي سعرها يتراوح بين 30 و100 جنيه في أفخم مكان وأول صف، ويمكنهم أيضا التصوير مع نجم العمل، تهافت الجمهور على المسرح الذي أصبح كامل العدد يومياً وهذا ينطبق علي القطاعين العام والخاص.